معرض بغداد الدولي الكتاب ( 26)
قصائد مختارة من مجموعة (وحدك.. تفتح نافذة للضوء) للشاعر ” عبدالسادة البصري ” دار السرد للطباعة والنشر جناح D5
النهار/ حمدي العطار
لا تزال قصيدة النثر تثير جدلاً نقدياً بين من يراها شعراً مكتمل الأركان بما تحمله من إيقاع داخلي ومعنى عميق، وبين من يحصر الشعر في الوزن والقافية. وفي خضم هذا الجدل، يطل الشاعر عبد السادة البصري بمجموعته الشعرية “وحدك.. تفتح نافذة للضوء” ليقدم نصوصاً تختبر حدود القصيدة النثرية، معتمداً على صدق التجربة ووضوح الرؤية، أكثر من اعتماده على الزخرفة البلاغية أو المواربة الأسلوبية.
*مضمون المجموعة
في هذه المختارات يوجه البصري خطابه الشعري إلى الآخر الجمعي، لا إلى الفرد بعينه، فـ”وحدك” في العنوان ليست مقصودة لشخص محدد، بل لرمز أو فكرة أوسع. ومن خلال قصائد مكرّسة لشخصيات بصرية تركت أثراً اجتماعياً وفنياً وسياسياً، مثل ناصر أبو الجرائد وطارق الشبلي وحسن السريع، يرسم الشاعر صورة لأيقونات مقاومة وذاكرة نضال.
إلى جانب ذلك، يبرز تمجيد الحزب الشيوعي العراقي ونضاله، حيث يتخذ البصري من قصائده منبراً لقراءة التاريخ القريب واستعادة لحظات البطولة والتضحية. لكن هذه المباشرة في الخطاب لا تأتي على حساب الشعرية، بل تمنح النصوص قوة صدقها وحرارتها الإنسانية.
*تحليل المقطع الأول
في قصيدة “وحدك.. عرفتها.. عشبة الخلود” التي يهديها للحزب الشيوعي العراقي في عيده التسعين، نقرأ:
“وحدك عرفت السر \ فكانت العشبة لك \ لك وحدك!!
وحدك رسمت ملامحك البهية \ في انتفاضة حسن السريع \ وعلى أبواب عربات قطار الموت…”
يعتمد الشاعر هنا على لغة مباشرة صريحة، لكنه يلبسها حلة رمزية عبر “عشبة الخلود” التي ترمز إلى البقاء والاستمرارية. يتجسد الحزب ككائن أسطوري قادر على تحدي الموت، بل وتحويل المقصلة إلى منصة لإشعال مشاعل الحرية. إن استدعاء صورة المشانق وما يقابلها من ابتسامة وثبات، يخلق إيقاعاً داخلياً مصدره التكرار والتوازي، أكثر من كونه إيقاعاً صوتياً تقليدياً.
*تحليل المقطع الثاني
أما في قصيدة “ولهم تغريبة واحدة” فنلمس الجانب الإنساني الأعمق:
“الحاملون صلبانهم.. لباسهم الرماد \ لأغنياتهم طعم المراثي \ والشمس لا تنام إلا في قلوبهم!!”
هنا يخرج البصري من دائرة الرموز السياسية إلى فضاء الفقراء والمهمشين. يستخدم صوراً مأساوية مثل “الرماد” و”المراثي” ليرسم قسوة الواقع، لكنه لا يغفل عن بث الأمل في “عيونهم الأمل” و”بيوتهم أحلام”. المشهد الشعري يتأرجح بين الموت والحياة، بين ثقل الصلبان وخفة النجوم، في جدلية تعكس صراع الإنسان البسيط مع مصيره.
*خاتمة
إن مجموعة “وحدك.. تفتح نافذة للضوء” لعبد السادة البصري تشكل شهادة شعرية على التزام الشاعر بقضايا الإنسان، وانحيازه للمحرومين والمكافحين. هي قصائد تبتعد عن المواربة وتقترب من البساطة المباشرة، لكنها تحمل في طياتها إيقاع المعنى وحرارة الصدق، مما يجعلها نصوصاً قادرة على ملامسة القارئ وإشراكه في همها الجمعي. إنها قصائد لا تبحث عن الزخرفة اللفظية بقدر ما تبحث عن ضوءٍ يبدد العتمة، وهو ما يحققه الشاعر في كل نص من نصوصه.