التسريبات من قبل وسائل اعلام إيطالية تحدثت أيضًا عن احتمال حضور مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي للاجتماع المزعوم في روما
اللقاء يأتي في خضم التوتر العسكري في الغرب الليبي وتصاعد الانتقادات الموجهة للدبيبة ودور ايطالي في تقريب وجهات النظر بين شرق وغرب ليبيا
التسريبات تحدثت أيضًا عن احتمال حضور مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي للاجتماع المزعوم في إطار جولة له بالعاصمة الإيطالية
تبرز روما وواشنطن كأبرز الفاعلين الدوليين الساعين إلى إعادة تنشيط المسار السياسي الليبي بعيدًا عن المبادرات الشكلية التي فشلت في إنهاء الانقسام بين مؤسسات الدولة
روما / النهار
في خضم التوترات المتصاعدة غرب ليبيا، والتحشيدات العسكرية التي تعيد إلى الواجهة شبح المواجهة المسلحة، أثار تقرير صحفي إيطالي جدلاً واسعاً حول لقاء غير معلن يُزعم أنه جمع بين الفريق أول صدام حفتر، نائب القائد العام للجيش الليبي، وإبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، في العاصمة الإيطالية روما.
رغم غياب أي تأكيد رسمي من الجانبين في طرابلس وبنغازي، إلا أن الأنباء المتداولة حول هذا اللقاء المحتمل فتحت الباب أمام تكهنات واسعة بشأن تحولات مرتقبة في خريطة التحالفات الليبية، خصوصاً في ضوء التعقيدات السياسية والميدانية التي تشهدها البلاد، والانقسامات العميقة التي عطلت مسار التوافق لسنوات.
ورغم أن التسريبات لم تجد طريقها بعد إلى التأكيد الرسمي، فإن وسائل الإعلام الإيطالية تحدثت بتفاصيل نسبية عن اللقاء، مرجحة أنه تم بترتيب ضمني من أطراف دولية تسعى لكسر الجمود بين شرق وغرب ليبيا. في المقابل، نشر المكتب الإعلامي للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية صورًا لصدام حفتر في بنغازي أثناء مشاركته في نشاطات اجتماعية، دون أي إشارة إلى وجوده خارج البلاد، وهو ما فسره البعض كمحاولة لصرف الأنظار أو نفي ضمني للتقارير المتداولة.
الملفت أن التسريبات تحدثت أيضًا عن احتمال حضور مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي، للاجتماع المزعوم، في إطار جولة له بالعاصمة الإيطالية، إلا أن بولس اكتفى بالإعلان عن لقاء رسمي مع وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، حيث ناقش “السلام والاستقرار في المتوسط”، دون الإشارة إلى أي نشاط متعلق بالملف الليبي.
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن اجتماعات سرية أو غير معلنة بين ممثلين عن أطراف النزاع الليبي. فقد سبق أن تم تداول أنباء عن لقاء جمع نجل المشير خليفة حفتر مع أحد أقارب عبدالحميد الدبيبة في أبوظبي قبل نحو ثلاث سنوات، في محاولة قادتها آنذاك أطراف عربية للتقريب بين الطرفين. غير أن تلك المبادرات لم تُترجم إلى مسارات دائمة للحوار، وظلت رهينة التحولات الميدانية والحسابات الدولية.
لكن خصوصية الظرف الحالي، الذي يشهد احتقانًا ميدانيًا حادًا غرب ليبيا، وسط مؤشرات على تصعيد محتمل بين قوات تابعة لحكومة الدبيبة وأخرى موالية لخصومه السياسيين، تضفي على اللقاء المزعوم بعدًا مختلفًا، وقد تُفسر كمقدمة لتحول سياسي تدريجي أو على الأقل إعادة رسم خطوط التماس بين المحاور الداخلية.
في خلفية هذا المشهد، تبرز روما وواشنطن كأبرز الفاعلين الدوليين الساعين إلى إعادة تنشيط المسار السياسي الليبي، بعيدًا عن المبادرات الشكلية التي فشلت في إنهاء الانقسام بين مؤسسات الدولة.
إيطاليا، التي لطالما لعبت دور الوسيط الهادئ في الملف الليبي، تبدو أكثر اهتماماً اليوم بكسر حالة الانقسام، خصوصاً مع تصاعد خطر الهجرة غير الشرعية وتدهور الأوضاع الأمنية، وهي تحديات تمس الأمن الإيطالي بشكل مباشر. أما الولايات المتحدة، فترى في استمرار الانقسام الليبي تهديدًا لاستقرار منطقة البحر المتوسط ككل، في وقت تشهد فيه المنطقة صراعات متشابكة من غزة إلى السودان.
القراءة السياسية لما يتداول بشأن اللقاء تشير إلى احتمال تغير في الاصطفافات، سواء على مستوى النخب السياسية أو التشكيلات العسكرية. فالوضع الداخلي المتأزم في غرب ليبيا، ومحدودية الدعم الإقليمي لحكومة الدبيبة، يقابلها مرونة نسبية في خطاب القيادة الشرقية، التي لم تغلق الباب تمامًا أمام محاولات الحوار، بل سبق أن شاركت في اجتماعات دولية لتوحيد المؤسسات السيادية، رغم الجمود الذي أعقب تلك المبادرات.
لكن هناك من يرى أن اللقاء المزعوم، إن صح، لا يتجاوز كونه مناورة سياسية تكتيكية، يراد منها توجيه رسائل متبادلة إلى الفاعلين المحليين والدوليين، دون نية حقيقية للدخول في عملية تفاوض جادة.
سواء كان اللقاء المزعوم بين صدام حفتر وإبراهيم الدبيبة حقيقة أم مجرد تسريبات إعلامية مضخّمة، فإنه يعكس واقعًا ليبيًا بات أكثر انفتاحًا على التحولات، في ظل ضغوط داخلية وخارجية متزايدة. كما يسلط الضوء على أدوار دولية صاعدة، وخاصة لإيطاليا والولايات المتحدة، في محاولات تجسير الفجوة بين شرق البلاد وغربها.
وفي الوقت الذي يتأرجح فيه المشهد الليبي بين الحلحلة والانفجار، يبدو أن النوافذ الخلفية للاتصال قد تكون أكثر فاعلية من الطاولات العلنية، إذا ما وُجدت إرادة حقيقية لكسر الحلقة المفرغة من الانقسام والصراع.
وبدأت وزارة الصحة الليبية في إعداد خطة طوارئ وطنية لمجابهة وباء “الكوليرا”، مع التركيز على مدينة الكفرة، خشية انتقال الوباء الذي تفشى في ولايات بإقليم دارفور (غرب السودان)، المتاخم لمدينة الكفرة الحدودية.
وتشكو وزارة الصحة بالحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد من ضعف الاستجابة الدولية لتوفير الاحتياجات اللازمة في مدينة الكفرة التي تشهد اكتظاظا حادا باللاجئين السودانيين، وسط إعلان حالة الطوارئ لمنع تسلل داء الكوليرا المعدي مع النازحين المتدفقين إلى الأراضي الليبية.
وقال رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة المكلفة من مجلس النواب إسماعيل العيضة، إن القيادة العامة في بنغازي قدمت دعماً واسعاً، شمل توفير بعض الاحتياجات الأساسية لمواجهة الوضع.
وأوضح أن عدد النازحين واللاجئين السودانيين في الكفرة يفوق 65 ألف شخص، مقابل نحو 60 ألف نسمة من السكان المحليين، ما يشكل ضغطاً كبيراً على الخدمات الصحية والمرافق في المدينة.
وأشار العيضة إلى ضعف الاستجابة الدولية لتوفير الاحتياجات الطبية واللوجستية، مؤكداً في الوقت نفسه عدم تسجيل أي حالة إصابة بالكوليرا بين الوافدين السودانيين حتى الآن.
وأضاف أن السلطات بدأت تفعيل آليات التقصي والرصد والاستجابة السريعة، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) والمنظمة الدولية للهجرة، وتوفير مشغلات الكشف عن الكوليرا، عبر فرق طبية تجوب تجمعات النازحين.
وذكر أن الزيارات الدولية السابقة لعدد من المسؤولين الأمميين، وتعهدهم بتقديم خدمات للنازحين، غير أنه لم يقدم دعما إلا بقيمة 10 بالمئة فقط، مما وعدوا به وباقي الخدمات مقدمة من الحكومة المكلفة من مجلس النواب متمثلة في وزارة الصحة والوزارات الأخرى المختصة.
وحول التنسيق مع السودان، أوضح العيضة أن التعليمات العسكرية الليبية تقضي بتصنيف اللاجئين السودانيين كنازحين، مع التعامل معهم بنفس حقوق ومساندة أي نازح ليبي، بالرغم من الانقسام السياسي الداخلي الذي أثر على القطاع الصحي.
بدورها، وعدت المنظمات الدولية بتوظيف عناصر طبية في المدينة الآن التي يصل تعدادها لقرابة 130 ألف مواطن، لكن العناصر الطبية المتواجدين فيها قليلة جدا، على الرغم من الاستعانة بموظفين من السودان بعقود عمل، وفق العيضة.
وتأتي التحركات الليبية بعد إعلان تنسيقية النازحين واللاجئين في إقليم دارفور بالسودان الإثنين، عن تسجيل 177 إصابة جديدة و7 وفيات بالكوليرا، ليصل إجمالي الإصابات منذ تفشي المرض إلى 9 آلاف و326 حالة، بينها 389 وفاة، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة الصراع بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.
وأضافت التنسيقية أن “الكوليرا تواصل التفشي في مناطق واسعة من الإقليم، خاصة في مخيمات النازحين في طويلة، وجبل مرة، ونيالا، وزالنجي، ومحلية شعيرية”. حيث تُعد محلية طويلة (غرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور) الأكثر تضرراً، بإجمالي 5 آلاف و11 إصابة، و77 وفاة، مع تسجيل 42 حالة جديدة، ووجود 41 شخصاً في مراكز العزل.
والكوليرا مرض بكتيري عادة ما ينتشر عن طريق الماء الملوَّث، ويتسبَّب في الإصابة بإسهال وجفاف شديد. وإذا لم يجر علاجها، فإنها يمكن أن تكون قاتلة خلال ساعات.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في أغسطس/آب الماضي، تسجيل نحو 100 ألف حالة إصابة بالكوليرا منذ يوليو/تموز 2024 في السودان، محذرة من تفاقم سوء التغذية ونزوح السكان وانتشار الأمراض في المناطق المتأثرة.
وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، في مؤتمر صحفي في جنيف “في السودان، تسبب العنف المستمر بمجاعة وأمراض ومعاناة واسعة النطاق”. وأضاف “انتشر وباء الكوليرا في السودان، حيث أبلغت كل الولايات عن تفشيه. وأوضح تيدروس أنه جرى إجراء حملات تطعيم ضد الكوليرا في عدة ولايات، بينها العاصمة الخرطوم.
وتصاعدت المخاوف الأمنية في ليبيا مجددًا بعد تعرض قوات “اللواء 444 قتال” لهجوم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري في مدينة بني وليد، في حادثة تعكس اتساع رقعة العنف وعدم الاستقرار، في وقت تتواصل فيه الجهود الأممية لدفع الأطراف الليبية نحو حل سياسي شامل وتجنب عودة المواجهات المسلحة، خصوصًا في العاصمة طرابلس ومحيطها.
ووفق البيان الرسمي الصادر عن اللواء، فقد استهدف الهجوم مساء الثلاثاء أحد المعسكرات التابعة له في مدينة بني وليد عبر مركبة مفخخة انفجرت داخل الموقع، ما أعقبه محاولة اقتحام نفذها مسلحون مجهولون استخدموا أسلحة متوسطة وثقيلة. وبحسب قيادة اللواء، فإن القوات تمكنت من صد الهجوم وفرض السيطرة على الموقع دون تسجيل إصابات في صفوفها، بينما لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية، ولم تُعرف حتى الآن حصيلة القتلى أو المصابين من المهاجمين.
ويُنظر إلى هذا الهجوم على أنه تطور خطير في المشهد الأمني الليبي، ويأتي بعد أقل من 48 ساعة من انفجار غامض هزّ مستودع أسلحة ضخم في ميناء مصراتة، ما زاد من حدة التوترات بين الميليشيات المسلحة في المنطقة الغربية، وسط صمت رسمي عن الجهات المتورطة في التفجير.
وتزامنت هذه الأحداث مع موجة تعبئة عسكرية محدودة، وتحركات لقوات مسلحة في مناطق متفرقة من طرابلس ومصراتة والزاوية، وهو ما أعاد إلى الأذهان سيناريوهات الانفجار الأمني الذي شهدته العاصمة مرارًا في السنوات الأخيرة.
مصادر محلية وصفت هجوم بني وليد بـ”الإرهابي المعقّد”، مشيرة إلى أنه لم يكن مجرد تفجير عشوائي بل عملية منسقة استهدفت قوة عسكرية محورية في المنطقة الغربية. ويُعد اللواء 444 واحدًا من أبرز التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، ويتمركز في مناطق استراتيجية حول العاصمة.
من جهته، أشار بيان اللواء إلى أن هناك “يدًا خفية تسعى لزعزعة الأمن”، مؤكدًا فتح تحقيق في الحادث ومتوعدًا برد “قاسٍ” على كل من يثبت ضلوعه في العملية، ما يعكس استمرار مناخ الاتهامات المتبادلة بين القوى المتصارعة داخل المشهد الليبي المنقسم سياسيًا وعسكريًا.
في ظل هذا التصعيد، كثفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحركاتها السياسية والدبلوماسية، في محاولة لاحتواء الانفلات الأمني والضغط باتجاه إعادة إحياء مسار تفاوضي بين الفرقاء.
وأكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، في لقاء موسع مع وجهاء وممثلين عن مناطق غرب البلاد، على “الدعم الكامل” الذي تقدمه البعثة للمجلس الرئاسي في مساعيه الرامية إلى نزع فتيل التوتر وضمان عدم الانزلاق إلى حرب جديدة في العاصمة.
وقالت تيتيه في تصريح مصوّر عقب اللقاء، الذي حضرته نائبتها ستيفاني خوري، إن الوضع الأمني الراهن يثير “قلقًا بالغًا”، مشيرة إلى أن وفد الوجهاء عبّر عن مخاوف حقيقية من تجدد المواجهات بين الفصائل المسلحة، خاصة مع استمرار مظاهر التعبئة العسكرية في بعض الأحياء.
وأوضحت أن هناك التزامًا أمميًا بدعم أي تسوية سياسية تقوم على مبدأ الحوار وتغليب المصلحة الوطنية، مشددة على أن “تحقيق السلام لا يتطلب إطلاق رصاصة واحدة”، ودعت الأطراف الليبية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمنع تصعيد جديد “قد تكون تبعاته مدمّرة على المدنيين والمؤسسات”.
البعثة الأممية كانت قد أصدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع بيانًا طالبت فيه كل الأطراف المسلحة بـ”الوقف الفوري لكل أشكال التصعيد” والامتناع عن أي تحركات تؤدي إلى اندلاع مواجهات في مناطق مأهولة، مؤكدة أنها تتابع بقلق بالغ التقارير التي تشير إلى استمرار التوترات والتجييش العسكري، لا سيما في طرابلس ومحيطها.
وفي خضم هذه التطورات، لا تزال العملية السياسية في ليبيا تراوح مكانها، إذ فشلت حتى الآن محاولات إجراء انتخابات وطنية تنهي المرحلة الانتقالية، وسط خلافات عميقة بين الحكومة المتمركزة في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق بقيادة أسامة حماد، في ظل دعم متباين من القوى الإقليمية والدولية لكل طرف.
ويرى مراقبون أن الانفجارات الأخيرة، سواء في بني وليد أو مصراتة، تُظهر أن البيئة الأمنية في ليبيا لا تزال هشة، وأن غياب التفاهم السياسي يعزز من فرص عودة المواجهات المسلحة، خصوصًا مع استمرار وجود عشرات التشكيلات العسكرية الخارجة عن السيطرة المركزية.
وتؤكد الأمم المتحدة مرارًا أن الاستقرار في ليبيا لن يتحقق إلا من خلال تسوية سياسية شاملة تُنهي الانقسام المؤسساتي وتُمهّد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو هدف يبدو حتى الآن بعيد المنال في ظل هشاشة الأوضاع، وانعدام الثقة بين الأطراف.
بين تفجيرات أمنية ولقاءات سياسية، تمضي ليبيا في مسار محفوف بالمخاطر، تتقاطع فيه الحسابات المحلية مع الضغوط الدولية، بينما لا يزال المواطن الليبي ينتظر استقرارًا غائبًا، وسلطة قادرة على فرض القانون ومحاسبة المتورطين في الفوضى. وفي ظل هذا الواقع، يبقى الأمل معقودًا على دور فعّال للمجتمع الدولي في دعم مسار تفاوضي حقيقي، يُفضي إلى إنهاء الفوضى وإعادة بناء الدولة.