غريبةُ الروح
نور البابلي
أنا غريبةُ الرّوح…
لا أرضٌ تحتويني،
ولا سماءٌ تتّسعُ لأنفاسي.
كأنّي وُلدتُ من فجرٍ لم يكتمل،
ومن نجمٍ تاه عن دربه
وما زال يحلمُ في العدم.
أمشي على خرائطِ الغيب،
أبحثُ عن اسمي بين الغيوم،
أفتّشُ عن ملامحي التي تبعثرت
في مرايا الأرواح،
وأُصغي لنداءٍ قديمٍ
يسكنني منذُ الأزل.
يا غربتي…
أنتِ دمي المتوهّجُ في الكلمات،
أنتِ صمتي حين يفيضُ الكلام،
أنتِ ندبةُ النورِ في قلبي
حين يخاصمني الظلام.
أجلسُ عند حافةِ الزمن،
أُقلبُ صفحاته ككتابٍ أعمى،
أقرأهُ بالحدس،
أُفسّر بياضهُ بالدمع،
وأكتبُ على هوامشه أسماءَ الذين مرّوا،
ثم تلاشى صداهم في الفراغ.
غريبةُ الروح…
أدركتُ أنَّ الوطنَ ليسَ أرضًا،
ولا حدودًا مرسومة،
بل ومضةٌ تُشعلني من الداخل،
وحنينٌ يجرحني كلّما تذكّرتُ.
وأدركتُ أن الحبَّ
ليس وعدًا ولا امتلاكًا،
بل نارٌ تُعلّمني كيف أذوبُ،
وأُبعثُ من رمادي أصفى.
أتأمّلُ وجهي في أنهار الليل،
فأراه يتفتّتُ كقمرٍ مُنهك،
يتلاشى بين أنفاس الريح،
ثم يعودُ من جديد
كأنّه لم يعرف الفناء.
يا ربّ الأرواح،
أين أضعُ غربتي؟
في صدري ضجيجٌ لا يُسكِنه إلا صمتُك،
وفي يدي ارتعاشةُ جرحٍ
لا يداويه إلا نورُك.
أنا غريبةُ الروح…
أمشي في الطرقات
كأنّي ظلٌّ يبحثُ عن نفسه،
أعانقُ المدى ولا أصل،
أنامُ في ليلٍ طويل،
وأصحو على سؤالٍ
يزدادُ عُمقًا ولا يشيخ.
ومع ذلك…
أبتسمُ للعدم،
أُصادقُ الريح،
وأُصلّي في معبد اللحظة،
لعلّي أجدُ في التيهِ
وطنًا أوسعَ من الأرض،
وحبًّا أرحبَ من البحر،
وسلامًا يليقُ بامرأةٍ
غريبةِ الروح.