جلجامش: ملحمة الرافدين الخالدة – دراسة شاملة مع النصوص الكاملة وإعداد درامي –  للدكتور فراس السواح / سالم يفوت

هيئة التحرير28 أكتوبر 2025آخر تحديث :
جلجامش: ملحمة الرافدين الخالدة – دراسة شاملة مع النصوص الكاملة وإعداد درامي –  للدكتور فراس السواح / سالم يفوت

«ما من طريقٍ إلى الخلود إلا العمل الذي يخلّد صاحبه.»

يُعَدّ هذا الكتاب أهمّ وأشمل عملٍ عربيّ عن ملحمة جلجامش، أقدم نصٍّ ملحمي في تاريخ الإنسانية.

يقدم فراس السواح النص البابلي في سياقه الحضاري والأسطوري والإنساني، مبيّنًا كيف أن هذه الملحمة ليست مجرد قصة بطل يبحث عن الخلود، بل هي رحلة الإنسان الأولى في مواجهة الموت، واكتشاف معنى الوجود والحدود البشرية.

الكتاب يجمع بين التحقيق العلمي للنصوص القديمة والقراءة التأويلية الحديثة.

المحاور الرئيسية

  1. مدخل إلى عالم الرافدين وأساطيره

يبدأ السواح بمقدّمة واسعة عن حضارة وادي الرافدين، مبيّنًا كيف شكّل الخيال الديني والأسطوري أساساً لفهم الإنسان لنفسه وللكون.

يشرح المؤلف تطور فكرة الإله والخلق والموت والبعث في الميثولوجيا السومرية والبابلية، ممهدًا بذلك لفهم الخلفية التي وُلدت منها ملحمة جلجامش.

ويرى أن الأسطورة في الرافدين كانت أداةً فكرية لمعالجة الأسئلة الكبرى، وليست مجرد خرافة، إذ عبّرت عن الوعي المبكر بمأساة الفناء الإنساني.

  1. النص البابلي للملحمة: ترجمة وتحقيق

يقدّم السواح النص الكامل للملحمة بعد أن استند إلى أهم الترجمات الأكاديمية (منها ترجمة جورج سميث وأندرو جورج)، مصحّحًا وموازنًا بينها، ومضيفًا شروحًا لغوية وتاريخية دقيقة.

ويضم الكتاب جميع الألواح الاثني عشر التي تشكّل النص البابلي المعروف، مع الإشارة إلى الفجوات النصية والمقاطع المرمّمة.

يُظهر السواح في هذه الترجمة حسًّا أدبيًا راقيًا، إذ حافظ على إيقاع اللغة الشعرية في النص البابلي، فجاءت ترجمته أقرب إلى الشعر النثري الموزون، تليق بملحمة تبحث عن الخلود والجمال معًا.

  1. الدراسة التحليلية: الإنسان في مواجهة الموت

في هذه الدراسة، يُبرز السواح جوهر الملحمة في بحث جلجامش عن الخلود، الذي يتحوّل من رغبة مادية إلى رحلة وعي وجودي.

يحلل شخصية جلجامش باعتبارها تمثّل الإنسان الذي وعى هشاشته، فسعى لتجاوزها.

ويرى أن جلجامش مرّ بثلاث مراحل رمزية:

  1. مرحلة القوة والجبروت – حيث يظن أنه خالد ببطولته.
  2. مرحلة الوعي بالموت – إثر موت صديقه أنكيدو.
  3. مرحلة التنوّر – حيث يكتشف أن الخلود لا يكون جسديًا، بل في العمل والمعنى والذاكرة.

يُفسّر السواح أيضًا رموز الملحمة – مثل الأفعى التي تسرق نبتة الخلود، والسفر عبر البحر والماء العذب، ومدينة أوروك – بوصفها صورًا للانتقال من الجسد إلى الروح، ومن الأسطورة إلى الفلسفة الأولى.

  1. الملحمة في التراث الإنساني المقارن

يتناول السواح أثر جلجامش في التراث الأدبي والديني العالمي، مبيّنًا كيف انتقلت بعض عناصرها إلى:

الكتاب المقدس (قصة الطوفان المشابهة لقصة نوح).

الأساطير اليونانية (هرقل، أوديسيوس).

الأساطير الفارسية والهندية.

ويرى أن جلجامش يمثّل النواة الأولى لفكرة الإنسان الباحث عن المعنى أمام قدره الفاني، وهي الفكرة التي ستتطوّر لاحقًا في الفكر الديني والفلسفي.

  1. الملحق الدرامي: إعداد مسرحي حديث

في القسم الأخير، يقدّم السواح نصًّا دراميًا معاصرًا أعدّه اعتمادًا على الملحمة، ليجعلها قابلة للأداء المسرحي.

يستثمر في هذا الإعداد قوة الحوار والرمز والأسطورة، محوّلًا القصة إلى تجربة وجودية حيّة تمكّن المتفرّج من عيش قلق جلجامش وتحوّله.

وفي هذا الجانب، يثبت السواح أن الملحمة ليست نصًا تاريخيًا جامدًا، بل دراما إنسانية خالدة قابلة للتجدد في كل عصر.

الخلاصة النهائية

يقدّم كتاب «جلجامش: ملحمة الرافدين الخالدة» قراءةً متكاملة تجمع بين التحقيق النصي والتحليل الفلسفي، لتغدو الملحمة مرآةً أولى لوعي الإنسان بنفسه.

فمن خلال رحلته من القوة إلى الحكمة، ومن الأسطورة إلى الفهم، يجسّد جلجامش ولادة الفكر الإنساني من رحم الأسطورة.

لقد نجح فراس السواح في أن يعيد للملحمة روحها الأصلية ويجعلها حديثة في معناها، خالدة في رموزها، تؤكد أن الإنسان، منذ فجر التاريخ، لم يتوقف عن طرح السؤال نفسه:

كيف نعيش ونحن نعلم أننا سنموت؟

عاجل !!