إن العنوان الذي يلتصق به العمل الروائي قد يكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع,وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمد الاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجع مع المجاز، فمثلا عنوان رواية ( المنكوح ) عند الروائية ( نسرين النقوزي ) , وقيامها بدور المركز في الحركة السينمائية ,وتحديد مصائر من يسكنها جعلها تقوم بدور البطولة الفعلية في الرواية ,وتفرض نفسها على عنوانها كما يراه حمد الدوخي ,ويبلور رؤية المؤلفة لعالمها, فنراها تقول : إلى مجيد الذي كتب الرواية دون ان يدري كنت فقط صوته المبحوح, ويده اليمنى التي شلت من استمناء اليأس , لا تخف صديقي فلن أكون وهما يضاف إلى خيبتاك , أنت البطل , وأنا امتداد لكل منكوحي العالم 0
, إن تشغيل الكاميرا في المتن السردي يعني – قبل كل شيء- استهداف القصد بشكل مرئي , بغية رفع أحساس المتلقي بالمسرود , وتمكنه من تنفيذ استهدافها هذا عن طريق سلوكها الذي تقوم به لصناعة اللقطة , فهي بهذا السلوك أنما تقدم اللقطة على أنها حرف سينمائي متبدل بحسب نغمة التجويد لهذا السلوك , فالكاميرا هي التي تقوم بتصوير الكل بواسطة تجزئته باللقطة,فنراها تقول : أرسلت هذه الشعارات إلى مجيد بعد ان شاهدتها على قناة إخبارية عربية عن فقرة بعنوان : أكثر اليافطات طرافة التي رفعها المتظاهرون في المسيرة المليونية التي تشهدها الجزائر اليوم , وقد بدأت بمطلب واحد هو رفض التجديد للعقدة الخامسة لبوتفليقة رئيس الجزائر الذي يحكم منذ عشرين سنة , وإعادة السيادة للشعب 0
ان تشغيل الكاميرا في الرواية يعطينا صورة واضحة عن استخدام هذه التقنية الحداثوية من قبل الروائية ( نسرين النقوزي ), وهي تنقل الكاميرا من بداية اللقطة السينمائية التي وصفت الابن المتمرد على الدين ورفضه لسلطة الأب الظالم الذي يفرض عليه الأحكام الدينية بقوة وقسوة , ومن ثم انتقلت بكاميراتها للحديث عن بطل الرواية من خلال حواره مع نفسه ( المنولوج الداخلي) ,: قبل آذان الفجر بربع ساعة , قبل ان يأتي أبي ليوقظني لأصلي الفجر حاضرا ,كنت اثبت المنبه كي استيقظ قبلها , أبدا بتصفح المجلات الإباحية التي احرص على اقتناء كل أعدادها , ثم أتقصد ان يأتي ظهري أثناء الآذان , كنت اشعر بلذة فظيعة خاصة عندما يدخل أبي الغرفة بوحه الكشر ويضرخ بي ان أقوم كنت لا اتوضا , اشعر بانتصار عليه , وما زلت انتقم من أبي 0
تمكنت الروائية المبدعة ( نسرين النقوزي ) من تحويل الرواية إلى مشاهد سينمائية متقطعة إذ جعلت من كل شخصية من الشخصيات الرئيسة تتحدث عن الماضي ,وربطه بالحاضر ,وهذا ما نسميه بالنقد الحديث (الاستباق والاسترجاع) , فهي جعلت الحدث الرئيس ( التمرد والثورة) لكل شخصيات الرواية تروي عن لسانها الإحداث الماضية عن طريق الفلاش باك ,(حسان , مجيد , الصالح ,عمار ,جلال , عبجي , أبو إبراهيم …..) .
ما يميز الروائية (نسرين النوزي) إدخالها تقنيات حداثوية في روايتها ( المنكوح ) فهي رواية تحتوي على عدة مشاهد سينمائية تأخذ اللقطة معنى مزدوجا أنها تدخل أللاستمرارية, والتقطيع , في الواقع امتدادا مكانيا , أننا نصوغها في السينما كسلسلة , وذلك عن طريق تجزئتها إلى لقطات ومن ثم ترتيب تتابع هذه اللقطات , إن تقديم الرواية وفق قوانين حركة الكاميرا يضع الرواية وسط مكاشفة سردية تتعامل مع الضروري , وهذا العمل يعد حتمية وبهذا التوصيف تكون الكاميرا وحدة الشعور فهي التي تؤسس الحركة العامة للمؤثرات البصرية وهذه الحركة تتكون من حركة تصوير المنظر , ومن الحركة داخل المنظر وبذلك تؤدي الحركة إلى تغيير التكوين , ويؤدي بنا إلى تغيير التكوين الحركي إلى تغيير الانفعال, ثم تنتقل عين الكاميرا إلى الحدث الأبرز وهو مقتل (مجيد) , فنراها تقول:
– قلت لكم!! ابني مات ورسالة وداعه هي الدليل
صرخت أم مجيد بهم وهي تنتحب بحرقة
-أجابها رجل يرتدي زيا مدنيا قاسي الملامح
يبدو انه يعمل في المخابرات مع رجال الامن
لدينا معلومات أكيدة ان المدعو مجيد البالغ من العمر تسعين سنة هو رئيس عصابة لترويج المخدرات 0
لقد اشتغلت الروائية على دعم نصها بهوية سردية بصرية من خلال التعامل مع الكاميرا التي تهدف من وراء ثباتها وحركتها إلى ترجمة قصد محدد, وهي بذلك تعمل على وضع نتاجها ضمن مجال بصري تتراجع فيه اللغة لأجل الصورة , كما هو الحال في السينما فاللغة في الشريط السينمائي تكون مجرد ظهير للصورة ,إذ يتم الاستدلال على قصد المسرود عن طريق تتبع سلوك التصوير فبتغيير سرعة الكاميرا يمكن التعجيل بالحدث والتباطؤ به, وكذلك تتوفر للكاميرا ميزات تمكنها من تبني دور الراوي فهي – فضلا عن عملها أثناء ثابتها – تتمتع في التحكم بتقسيم اللقطات المتحركة بحسب متطلبات وجهة النظر على رأي الدوخي , ومن هذا التحكم تأخذ أهم أوضاعها التي تمكنها من متابعة الروي , فنراها تقول : يأخذني سؤاله إلى والدي , كيف كان يجبرنا أنا وأخوتي على الاستيقاظ باكرا كي نصلي الفجر وبعدها يجلسنا حوله ويحكي لنا حكاية من حكايات الرسل والأنبياء ثم يبدأ بالكلام عن الله فيصوره لنا “بعبعا “كنت استعيد كل ما يقوله لي عندما ارجع إلى النوم فأخاف وارتجف وأتخيل يد الله تخنقني , مرة قلت لمعلمة الدين أني أتخيل الله كالإخطبوط له عدة أطراف أخبرت أبي فعاقبني وأبرحني ضربا 0
إن استدارة الكاميرا من نقطة ثابتة من التقنيات السينمائية, وهي بتغلغلها في الرواية المكتوبة تكون قادرة على تشكيل مؤثرات بصرية لهذه النصوص إلى جانب سردها الأدبي لذا يحقق لدينا نوع من التوازي بين الفنين, واللقطة الأفقية تشمل حركة آلة التصوير على محورها الأفقي بوضح ثابت , وهنا تقوم آلة التصوير الراوي بمتابعة الحركة بشكل أفقي – لقد تعرفت الروائية على هذا الأسلوب المعاصر ووعىت فاعليته في تجهيز الرواية باليات من شانها أن تعطي للمسرود نكهة خاصة تتفاعل مع فعل القراءة ,وتفتحه أوسع أمام تحركات التأويل , تعمل الروائية على مشغل سرد رواية ( المنكوح ) بدورية سيناريوية تدور حول تهيئة الوضع السردي , وذلك بموضعة الشخوص , وتنضيد وحدات المكان النصي , فنراها تقول : رأيت عائلات جزائرية توزع التمر واللبن والماء وحلوى الزلابية على المتظاهرين الذين وصلوا من مدن بعيدة للتظاهر هذا المشهد جعلني اشعر بالخنق لو شاهدت نفس المشهد منذ خمس سنوات لكنت بكيت من الحماس والأمل الآن نعم أنا غاضب نظرت إلى أبي إبراهيم وقد فهم ما اقصده دون ان أتكلم .
وقد تحققت تقنية حركة الكاميرا , عن طريق عرض سيناريو الأحداث التي جرت , وتقطيع المشاهد بحسب الشخصيات الرئيسة المذكورة في الرواية , وحركة الكاميرا أفقيا وعموديا , وتميزت أيضا بالبناء الروائي , وجاءت بحبكة لا تعرف الرخاوة من حيث تناول الأحداث , وتمنح هذه الوسيلة السينمائية الروائية فرصة التحرر من القيود المكانية, والزمانية في السرد الحكائي , إذ تتمكن الساردة من خلالها من التنقل بين الأزمنة , والأمكنة بحثا عن الأحداث ,والتفصيلات الأكثر أهمية في الرواية 0 أن الروائية ( نسرين النقوزي ) قدمت لنا من خلال روايتها ( المنكوح) النقد اللاذع والاجتماعي عن طريق حركة الكاميرا والمؤثرات البصرية , والذهنية متوزعة بين الماضي القريب, والحاضر تحمل رسالة ذات بعد اجتماعي يمثل إدانة ,واضحة لبعض العادات , والأعراف الاجتماعية السلبية بما تحمله من تجاوز واضح وانتهاك لحقوق الإنسان المثقف / الجاهل / المجنون/ المدمن / الثائر/ العسكري/ المضطهد /المظلوم/ السجين 0