أبادتها إسرائيل.. فرحة العيد تغيب عن غزة

هيئة التحرير2 يونيو 2025آخر تحديث :
أبادتها إسرائيل.. فرحة العيد تغيب عن غزة

معظم العائلات باتت مشردة بعد أن دمرت إسرائيل منازلها وأصبحت تقيم في خيام مهترئة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء ولا توفر خصوصية أو كرامة

بتجويع متعمد يمهد لتهجير قسري، دفعت إسرائيل وفقا للأمم المتحدة، الفلسطينيين نحو المجاعة من خلال إغلاقها المعابر أمام المساعدات الإنسانية ولا سيّما المواد الغذائية

حولت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن في العالم إذ تحاصرها منذ 18 عاما وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونين من مواطنيها على النزوح في أوضاع مأساوية

تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967

وكالات / النهار

في قطاع غزة تغيب مظاهر عيد الأضحى الذي يحل قريبا في حزيران الجاري، فشوارع المدن المدمرة تحولت إلى مخيمات للنازحين، والقمامة تكدست في الزوايا، والبهجة غابت خلف وجوه جائعة ومنهكة.كل ذلك تحت وطأة حرب إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ 20 شهرا بدعم أمريكي، بحق نحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع المحاصر.هذا العام يستقبل الفلسطينيون عيد الأضحى بلا ملابس جديدة، ولا أضاحي تذبح، ولا فرحة أطفال تجوب الأسواق.

فمعظم العائلات باتت مشردة بعد أن دمرت إسرائيل منازلها، وأصبحت تقيم في خيام مهترئة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء ولا توفر خصوصية أو كرامة.

وبتجويع متعمد يمهد لتهجير قسري، دفعت إسرائيل، وفقا للأمم المتحدة، الفلسطينيين نحو المجاعة من خلال إغلاقها المعابر أمام المساعدات الإنسانية، ولا سيّما المواد الغذائية.

وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري إن إسرائيل أوصلت غزة إلى “أخطر مراحل التجويع“.

وحذر من أن آثار التجويع ستستمر لأجيال، مؤكدا أن ما يحدث في القطاع هو “إبادة جماعية وتجويع وجريمة ضد الإنسانية وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان”.

أنقاض المنازل

في طرقات غزة المدمرة، تغيب زينة العيد، وتحل محلها أنقاض المنازل وآثار الصواريخ الإسرائيلية.

فبعد أن كان الأهالي يزينون مداخل الحارات والمنازل ويخطون على الجدران عبارات الاحتفاء بالعيد، تحولت الجدران إلى ركام، واختفت معها مظاهر الفرح.

قبل الحرب، كانت الأضاحي تنتشر في الشوارع، وتغمر فرحة العيد الأجواء، فيما كانت الأسواق تعج بالمتسوقين لشراء الملابس والهدايا.

أما اليوم، فقد تلاشت تلك المظاهر، تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والمعيشي غير المسبوق، لتبقى غزة غارقة في الحصار والدمار والدماء.

وحولت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن في العالم إذ تحاصرها منذ 18 عاما، وأجبرت حرب الإبادة نحو مليونين من مواطنيها على النزوح في أوضاع مأساوية، مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.

“أي فرحة؟”

نهاد أبو عمشة، فلسطينية تعيل 7 أفراد، قالت إنها نزحت من منزلها في مخيم جباليا (شمال) عدة مرات، وقبيل العيد لا تجد حتى حذاء لطفلها.

وأضافت أبو عمشة التي تعيش مع أطفالها في خيمة: “العيد فرحة، لكن أي فرحة؟ الحرب خطفت فرحة الأطفال”.

وتتابع: “طوال النهار طفلي يقول إنه جائع، غير قادر على الوقوف، يعاني من دوار”.

وأردفت: “لا فرحة في غزة، في كل بيت شهيد أو جريح، وآخرون يعانون الجوع والألم والمعاناة، منهم من فقد أبناءه، ومنهم من هدم منزله”.

وزادت: “هذا العيد صرخة ونكبة، نحن شعب منكوب، لا يوجد لا عيد ولا فرحة، لا ماء ولا طعام، هناك من يتسول رغيف الخبز”.

وأردفت: “منذ 7 شهور لم أطبخ الطعام الأساسي، وفي العيد لا حلويات ولا ملابس ولا لحوم كما كان سابقا”.

وأشارت إلى أنها تعيش في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، في ظل القصف وإطلاق النار والكلاب الضالة والجوع: “لا نعرف النوم فيها”.

الجوع يقتل الأطفال

فيما قال الفلسطيني عادل شامية (79 عاما): “نحن في أسوأ وضع مر علينا، لم أشهده في حياتي، حيث انعدام المواد الغذائية والماء”.

وأضاف شامية، وهو نازح من بيت حانون (شمال): “الأطفال يموتون من الجوع، هذا أسوأ عيد نمر به في ظل الحرب”.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 استشهد 60 طفلا فلسطينيا نتيجة سوء التغذية الناجم عن الحصار الإسرائيلي المستمر، حسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة.

شامية تابع: “أجواء العيد كئيبة، قبل الحرب كنا نُفرّح الأطفال، لكن اليوم لا فرحة”.

واستطرد: “لا نجد طعاما ولا أضاحي، كيلو الطحين بـ80 شيكل (نحو 23 دولار)، كيف يكون العيد؟”.

أمنية العودة

ولا يختلف الحال بالنسبة للنازحة عايشة أبو صلاح (72 عاما)، إذ تعيش داخل خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة في ظل وضع صحي صعب.

وقالت إن الوضع الاقتصادي سيئ، حيث لا توجد أضاحي أو مظاهر عيد في ظل الإبادة الإسرائيلية

وأضافت: “في الماضي كنا نقدم العيدية ونذبح الأضاحي، أما اليوم فلا أجد حتى طبق حساء آكله”، متمنيةً العودة إلى بيتها حتى “لو سكنت على ترابه”.

ويحل العيد على غزة في وقت يكافح فيه المواطنون يوميا لتأمين الحد الأدنى من وسائل البقاء، مع قصف متواصل ودمار واسع، وانعدام مصادر الدخل، وغياب المساعدات الإنسانية.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية في غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة أكثر من 178 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة قتلت كثيرين بينهم أطفال.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

الى ذلك أعلنت حركة «حماس» وفصائل المقاومة، أمس الأحد، تعديلات على المقترح الأمريكي على اتفاق لوقف إطلاق نار في قطاع غزة، وهو ما اعتبرته إسرائيل رفضا للهدنة ومبررا لاستئناف مسلسل الإبادة.

تعتبر هذه مناسبة لمراجعة فلسطينية كبرى للأحداث المهولة التي تعرّض لها الفلسطينيون، وفي صلب هذه المراجعة بالتأكيد، تحميل كثيرين مسؤولية ما حصل لـ «حماس» (وليس لإسرائيل).

أعادت الأحداث التي جرت بعد 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023 وضع الشعب الفلسطيني في ظروف تذكر بأحوال نكبة 1948، وحمّلت حركة «حماس» مسؤولية تعريض الشعب الفلسطيني لهذه المحنة الكبرى التي تهدد بإنهاء الوجود الفيزيائي للفلسطينيين على أرضهم التاريخية، عبر أشكال تتدرج من الاستيطان المتوسع، وخطط التطهير العرقي، وصولا إلى ممارسة الإبادة الفعلية والثقافية.

تفترض الانتقادات لحركة «حماس» أنه لو لم تحصل عملية «طوفان الأقصى» فإن هذه الخطط الإسرائيلية كان يمكن مجابهتها بالسياسة والدعم العربي والدولي للفلسطينيين، وأن تلك العملية أعطت نتنياهو المبرر للخروج من الأزمة التي كانت تقسم المجتمع الإسرائيلي بين العلمانيين والمتدينين ومكنته من توحيد الإسرائيليين خلفه، ووفّرت له الغطاء السياسي (والسلاح) الأمريكي والأوروبي لشن حرب شاملة على الفلسطينيين ضمن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» و«القضاء على إرهاب حماس».

من الانتقادات المهمة أيضا لـ«حماس» أن الحركة لم تقم باستشارة الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية أو التنسيق مع السلطة الفلسطينية والدول العربية في هذا القرار الخطير جدا بمواجهة إسرائيل، وهي بالتالي تتحمل مسؤولية آلاف الأرواح التي أزهقت، والتداعيات المهولة التي زلزلت أركان الشعب الفلسطيني، وأزهقت أرواح عشرات الآلاف من أبنائه. من الانتقادات المتكررة أيضا للحركة أنها لم تفهم أو تقدر توازنات العالم، وأنها ورطت حلفاء لها في المنطقة، من إيران واليمن إلى العراق وسوريا ولبنان الخ.

تتجاهل هذه الانتقادات، بداية، أن هذه الحرب الأخيرة سبقتها حروب إسرائيلية سابقة ضد غزة في 2008 و2012 و2014 و2019 و2021، كما تفترض لأخذها على محمل الجد أن الاستيطان واحتلال ومصادرة الأراضي، وخطط تهويد القدس والأقصى، والعمل على إنهاء القضية الفلسطينية ومشروعاتها السياسية، لم تكن جزءا أساسيا من برامج وسلوكيات قوى اليمين الإسرائيلي من الليكود، مرورا بطيف سياسي إسرائيلي واسع موافق على هذا البرنامج.

تمثّل الحرب الأخيرة، بهذا المعنى، استكمالا لسياق عسكري ـ سياسيّ متواصل، ويعتبر انفجارها، وكذلك تداعياتها اللاحقة، تطوّرا طبيعيا لسياق غير طبيعي، هو تعريف إسرائيل باعتبارها إلغاء لفلسطين والفلسطينيين، وليست حدثا منفصلا عن الواقع أو فكرة «انتحارية» خطرت في بال يحيى السنوار وقيادة «كتائب القسام» وحركة «حماس» فنفذتها.

في المقابل، وضعت النكبة الجديدة للفلسطينيين معادلات العالم، والإقليم، والمنظومة العربية، في أزمة ذات أبعاد كبيرة استدعت تدخلات مباشرة من أمريكا (بالتعاون مع قطر ومصر) لرعاية اتفاق لوقف إطلاق النار، وضغوطا متزايدة من أوروبا على إسرائيل لوقف حصارها التجويعي للقطاع ووقف المجازر فيه، كما أعادت تفعيل الجهد العربي بطرق جديدة تعتمد الصفقات والعلاقات المباشرة مع الإدارة الأمريكية.

نتج عن الدينامية الكبرى لتداعيات الحدث ظهور نظام حكم جديد في سوريا بعد حقبة دكتاتورية استمرت 55 عاما، وانتخاب رئيس لبناني ورئيس وزراء متوافق عليهما عربيا وعالميا، ومفاوضات على مشروع إيران النووي (ونفوذها في المنطقة العربية).

فجر قرار عملية «حماس» العسكرية التوازنات بين الفلسطينيين وإسرائيل، ووضع المشروعين الإسرائيلي والفلسطيني في مواجهة قصوى، وهو ما وضع العرب (الذين كانوا يتحضرون للتطبيع مع إسرائيل) والعالم (المتواطئ مع إسرائيل) أمام الواقع الصريح للطبيعة الإبادية الإسرائيلية، دافعا المسار البطيء المتدرّج للإبادة والاستيطان والتطهير العرقي إلى حدّه الأقصى الممكن، كما رفع الحاجة لحل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية إلى مستوى غير مسبوق.

الخيار الآن هو بين سيادة الهمجية في العالم وبقاء الفلسطينيين.

عاجل !!