داعش يسعى لإشعال فتنة طائفية بهجوم انتحاري على كنيسة في دمشق

هيئة التحرير23 يونيو 2025آخر تحديث :
داعش يسعى لإشعال فتنة طائفية بهجوم انتحاري على كنيسة في دمشق

لتخفيف حدة التوتر الحاصل أصدر الشرع مرسومين رئاسيين يقضيان بزيادة الرواتب للعاملين في القطاعين المدني والعسكري وأصحاب المعاشات التقاعدية بنسبة مئتين في المئة

الاعتداء يعتبر الأول من نوعه في دمشق منذ إطاحة الحكم ووصول السلطة الجديدة التي حضها المجتمع الدولي مرارا على حماية الأقليات

ويعد الاعتداء الذي نددت به الأمم المتحدة ودول عدة، الأول من نوعه في دمشق منذ إطاحة الحكم السابق

تضمّ سوريا أقلية مسيحية انخفض عددها من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 الى أقلّ من 300 ألف

أسفر الهجوم وفق ما نقلت وكالة سانا عن وزارة الصحة عن مقتل 22 شخصا وإصابة 63 آخرين

 

لطالما قدم الحكم السابق نفسه حاميا للأقليات التي طالتها هجمات عدة خلال سنوات النزاع تبنت تنظيمات جهادية عددا منها بينها تنظيم داعش

 

 

دمشق / النهار

 قتل 22 شخصا على الأقل جراء إقدام انتحاري على تفجير نفسه داخل كنيسة في دمشق، في هجوم غير مسبوق نسبته السلطة الانتقالية التي يشكل بسط الأمن أحد أبرز تحدياتها، الى تنظيم الدولة الإسلامية.

ويعد الاعتداء الذي نددت به الأمم المتحدة ودول عدة، الأول من نوعه في دمشق منذ إطاحة الحكم السابق في الثامن من ديسمبر/كانون الاول الفائت، ووصول السلطة الجديدة التي حضها المجتمع الدولي مرارا على حماية الأقليات وإشراكها في إدارة المرحلة الانتقالية.

وأوردت وزارة الداخلية السورية في بيان “أقدم انتحاري يتبع لتنظيم داعش الإرهابي على الدخول إلى كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة في العاصمة دمشق، حيث أطلق النار، ثم فجّر نفسه بواسطة سترة ناسفة”.

وأسفر الهجوم، وفق ما نقلت وكالة سانا عن وزارة الصحة، عن مقتل 22 شخصا وإصابة 63 آخرين. وشاهد مراسلون أمام الكنيسة سيارات إسعاف تعمل على نقل الضحايا، بينما فرضت القوى الأمنية طوقا في المكان.

وداخل الكنيسة، بدت المقاعد مبعثرة مع بقع دماء وأيقونات متناثرة بين الركام، بينما دمر التفجير الهيكل الخشبي بالكامل.

وقال لورانس معماري بينما بدت معالم الغضب على وجهه أمام الكنيسة “دخل شخص من الخارج ومعه سلاح” قبل أن “يبدأ بإطلاق النار”، مضيفا “حاول شباب توقيفه قبل أن يفجر نفسه”.

وفي متجر لحوم قبالة الكنيسة، أوضح زياد حلو (40 عاما) “سمعت صوت إطلاق نار في البداية، ثم صوت انفجار وتطاير بعدها الزجاج على وجوهنا”. وأضاف “خرجنا وشاهدنا نيرانا تشتعل داخل الكنيسة، وبقايا مقاعد خشبية تطايرت حتى المدخل”.

وأثار التفجير الانتحاري حالة من الهلع والذعر داخل الكنيسة التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس التي كانت تضم حشدا من المصلين بينهم أطفال وكبار في السن، وفق شهود عيان. ولا يزال عدد من الأشخاص في عداد المفقودين وتبحث عائلاتهم عنهم.

ويعد هذا أول هجوم انتحاري داخل كنيسة في سوريا منذ بدء النزاع عام 2011، وفق المرصد السوري لحقوق الانسان، إذ تضررت كنائس عدة أو تعرض محيطها لهجمات، لكن من دون أن يستهدفها هجوم مباشر.

ولطالما قدم الحكم السابق نفسه حاميا للأقليات التي طالتها هجمات عدة خلال سنوات النزاع تبنت تنظيمات جهادية عددا منها بينها تنظيم الدولة الإسلامية.

وتضمّ سوريا أقلية مسيحية انخفض عددها من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 الى أقلّ من 300 ألف، جراء موجات النزوح والهجرة، وفق تقديرات خبراء.

وبعيد توليها الحكم، حضّ المجتمع الدولي والموفدون الغربيون الذين زاروا دمشق السلطة الانتقالية ذات التوجه الإسلامي على حماية الأقليات وضمان مشاركتهم في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط هواجس من إقصائهم لا سيما بعد وقوع أعمال عنف على خلفية طائفية، عدا عن انتهاكات في مناطق عدة.

ودعت بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ومقرها دمشق، السلطات الانتقالية السورية بعيد الهجوم الى “تحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما حصل ويحصل من انتهاك لحرمة الكنائس وإلى تأمين حماية جميع المواطنين”.

وأكدت الخارجية السورية في بيان أن “العمل الإجرامي الذي استهدف أبناء الطائفة المسيحية محاولة يائسة لضرب التعايش الوطني وزعزعة الاستقرار”، معتبرة إياه بمثابة “اعتداء على كامل الهوية السورية الجامعة”.

 

 

ويشكل بسط الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة الجديدة مع وجود مناطق لا تزال عمليا خارج نطاق سيطرتها الأمنية والتهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف.

وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب الأحد إن “هذه الأعمال الإرهابية لن توقف جهود الدولة السورية في تحقيق السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن خيار وحدة الصف في مواجهة كل من يسعى للعبث باستقرارهم وأمنهم”.

وكان خطاب أفاد الشهر الحالي عن أن التنظيم “انتقل… من العمل العبثي الذي يسبب أذية فقط، إلى عمل مدروس لأهداف استراتيجية”.

وتبنّى التنظيم أواخر مايو/أيار أول هجوم له ضد قوات السلطات الجديدة، وفق ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان وموقع سايت المتخصص في تعقب أخبار الجماعات الجهادية، مع تعرّض دورية لقوات أمنية لتفجير لغم في محافظة السويداء (جنوب) ما أسفر عن قتيل.

وأعلنت السلطات السورية في مايو/أيار أنها ألقت القبض على أعضاء خلية تابعة للتنظيم قرب دمشق، واتهمتهم بالتحضير لهجمات. كما قتل عنصر من قوات الأمن وثلاثة من التنظيم في عملية أمنية للسلطات في حلب في الشهر نفسه.

وأدانت فرنسا “بأشد العبارات الاعتداء الإرهابي المشين”، بحسب بيان للمتحدث باسم الخارجية الفرنسية. وذكّرت باريس بـ”التزامها من أجل عملية انتقالية في سوريا تتيح للسوريين والسوريات، مهما كانت ديانتهم، العيش بسلام وأمن في سوريا حرة وتعددية ومزدهرة ومستقرة وسيدة”.

وكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك على منصة اكس “هذه الأعمال الجبانة الرهيبة لا مكان لها في مجتمع التسامح والتعدد الجديد الذي ينسجه السوريون”، مضيفا “سنواصل دعم الحكومة السورية في نضالها ضد من يسعون إلى زرع عدم الاستقرار والخوف في بلدانهم والمنطقة برمتها”.

ومن جنيف، دعا موفد الامم المتحدة الى سوريا غير بيدرسن السلطات إلى إجراء “تحقيق شامل”، مطالبا الجميع بـ”الاتحاد في رفض الإرهاب، والتطرف، والتحريض، واستهداف أي مكون في سوريا”.

واعتبرت الخارجية التركية أن الهجوم “الغادر” يهدف إلى “إثارة الفوضى” في المجتمع السوري. ونددت وزارة الخارجية في كل من العراق والأردن المجاورين بالهجوم.

وفي مصر، أدان الأزهر “الجريمة الإرهابية النكراء”، مطالبا “الجميع بالتصدي لهذا الإرهاب الأسود بكل أشكاله، وبذل كافة الجهود من أجل استقرار المنطقة وحماية المدنيين وإنقاذهم من براثن العنف والطائفية المقيتة”.

ولتخفيف حدة التوتر الحاصل أصدر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مرسومين رئاسيين يقضيان بزيادة الرواتب للعاملين في القطاعين المدني والعسكري وأصحاب المعاشات التقاعدية بنسبة مئتين في المئة، في ظل أزمة اقتصادية مستمرة في البلاد رغم رفع معظم العقوبات عنها.

وبحسب المرسوم الرئاسي، يرتفع الحد الأدنى لرواتب الموظفين الحكوميين إلى 750 ألف ليرة سورية، أي ما يُعادل نحو 75 دولارا، بعد أن كان الحد الأدنى للأجور يساوي نحو 250 ألف ليرة سورية (نحو 25 دولارا).

ونص كذلك على “إضافة زيادة بنسبة 200 في المئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة النافذة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة”.كما أصدر الشرع مرسوما آخر يقضي بـ”منح أصحاب المعاشات التقاعدية المشمولين بقوانين التأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة زيادة قدرها 200 في المئة من المعاش التقاعدي”.

وتشهد سوريا منذ سنوات أزمة اقتصادية مزمنة استمرت بعد إطاحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024، رغم انفتاح البلاد ورفع العقوبات الغربية عنها وتلاشي القيود الأمنية.

وتعد نسبة الزيادة الحالية الأكبر من نوعها، فيما تستمر شكاوى المواطنين من عدم قدرتهم على تعويض الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة، في ظل استمرار التضخم وصعوبة ضبط الأسواق ومشاكل نقص السيولة.

وفي مايو الماضي، أعلن وزير المالية محمّد برنية تلقي سوريا منحة من قطر لتسديد جزء من أجور القطاع العام، على ما ذكرت وكالة سانا الرسمية للأنباء، موضحا أن المنحة البالغة 29 مليون دولار لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد “ستغطي رواتب العاملين في قطاع الصحة وقطاع التعليم وقطاع الشؤون الاجتماعية والمتقاعدين من غير العسكريين”.

وفي بلد يعمل في قطاعه العام نحو مليون و250 ألف شخص بحسب السلطات، يُضطر الموظفون للوقوف ساعات في طوابير أمام فروع المصارف الحكومية أو أجهزة الصراف الآلي بسبب نقص السيولة.

ويأخذ بعضهم إجازة من عملهم لقضاء يوم كامل في محاولة لسحب جزء بسيط من رواتبهم. وينسحب ذلك أيضاً على المودعين الراغبين في سحب بعض مدخراتهم بالليرة السورية، ضمن سلسلة من الصعوبات التي يعانيها السوريون يومياً.

ولا تزال الحكومة تواجه تحديات كبيرة في توفير إيرادات كافية لتمويل الزيادات الجديدة، وسط عجز متفاقم في الموازنة، وتراجع الصادرات، وضعف الاستثمارات الأجنبية في البلاد التي يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، بحسب تقديرات منظمات دولية.

وأنهك النزاع في سوريا الذي استمر 14 عاما الاقتصاد المحلي، وخصوصا بسبب عقوبات فرضتها الدول الغربية على النظام السابق.

وتشير هذه الزيادة القياسية إلى محاولة لاحتواء التوترات الاجتماعية وفي الوقت ذاته إلى محاولة لمواجهة التضخم وانهيار القوة الشرائية للمواطنين.

وتعد زيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية خطوة هامة في سياق الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور. وتحمل دلالات إيجابية تتعلق بمحاولة تخفيف العبء عن المواطنين وبناء الشرعية للحكومة الانتقالية، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف جدية بشأن التضخم وقدرة الدولة على توفير مصادر تمويل مستدامة على المدى الطويل، بينما سيعتمد نجاح هذه الخطوة بشكل كبير على الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية المرافقة التي تهدف إلى تعزيز الإنتاج وضبط الأسعار.

وتعاني سوريا من تضخم هائل وانهيار في قيمة الليرة السورية، مما أدى إلى تآكل الرواتب والمعاشات بشكل كبير وأغرق غالبية السكان تحت خط الفقر. وهذه الزيادة تأتي كمحاولة لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين وتحسين قدرتهم الشرائية المتدهورة.

وعلى الرغم من أن الزيادة تهدف لتحسين الأوضاع المعيشية، إلا أنها قد تؤدي إلى موجة تضخمية جديدة إذا لم تترافق مع إجراءات اقتصادية داعمة. وقد تدفع زيادة حجم الأموال المتداولة دون زيادة مقابلة في الإنتاج أو الموارد، الأسعار للارتفاع مرة أخرى، مما يلغي أثر الزيادة أو يقلل من فعاليتها.

ويشير وزير المالية في الحكومة الانتقالية إلى أن تمويل الزيادة سيأتي من خزينة الدولة، ومساعدات إقليمية، واستثمارات جديدة، بالإضافة إلى فك تجميد الأصول السورية في الخارج، لكن يبقى السؤال حول مدى استدامة هذه المصادر وقدرتها على تغطية التكاليف على المدى الطويل.

وقد تؤدي الزيادة إلى تحسين مؤقت في القوة الشرائية وزيادة الطلب على السلع والخدمات، مما قد ينشط بعض القطاعات الاقتصادية، لكن هذا التحفيز سيكون محدوداً إذا لم يترافق مع إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاج والاستثمار.

 

وبينما يستفيد موظفو القطاع العام من الزيادة، فإن عمال القطاع الخاص قد لا يحصلون على زيادات مماثلة، مما قد يزيد الفجوة بين الأجور في القطاعين وربما يدفع بأسعار بعض السلع التي يعتمد عليها القطاع الخاص للارتفاع.

 

وتركت سنوات الأزمة الشعب السوري يعاني من ظروف معيشية صعبة للغاية. وهذه الزيادة، حتى لو كانت جزئية، قد تكون محاولة من الحكومة الانتقالية لامتصاص الغضب الشعبي وتحسين صورتها لدى المواطنين، خاصة في ظل التوقعات ببدء مرحلة جديدة في البلاد.

 

وفي ظل الفترة الانتقالية، تسعى الحكومة الجديدة لترسيخ شرعيتها وكسب تأييد الشعب. وتحسين الظروف المعيشية هو أحد أهم الركائز لتحقيق ذلك. وقد تكون هذه الخطوة محاولة لإرسال رسالة مفادها أن هناك تحسناً في الأوضاع الاقتصادية والمالية للدولة، وأن هناك جهوداً تبذل لتحقيق الاستقرار.

 

وعلى الرغم من حجم الزيادة، قد لا تكون كافية لتلبية جميع احتياجات الأسر السورية التي تعيش تحت وطأة أعباء معيشية ضخمة. لذلك، قد تكون هناك توقعات أكبر من المواطنين تتجاوز هذه الزيادة. ويمكن أن تساهم هذه الزيادة في رفع الروح المعنوية للعاملين والمتقاعدين، مما يعزز شعورهم بالتقدير ويزيد من ولائهم للمؤسسات الحكومية.

عاجل !!