متى نتخلص من شرنقة القراءات النقدية المتبادلة ؟ / تحقيق / علي صحن عبد العزيز

هيئة التحرير17 يونيو 2025آخر تحديث :
متى نتخلص من شرنقة القراءات النقدية المتبادلة ؟ / تحقيق / علي صحن عبد العزيز

أصبح كل شيء يخضع إلى المحسوبيات ولم يعد هناك التزام للناقد بمستوى ما يكتب

النقد الأدبي يعيش أزمة حادة وانحطاطًا خطيرًا  وضعف النقد كان عاملًا في تدني الممارسة الأدبية نفسها

من الضروري أن نخرج من شرنقة القراءات النقدية التي خرجت عن أسس علمية أو مهنية غير مبنية على النظريات والمناهج العلمية وفق قواعد وأصول نقدية

لدينا مشكلة في النقد وممكن توضيحها وتشخيصها في عدة اسباب منها أولًا بوجود عدد كبير من الكُتّاب الذين يدعون أنهم نقاد وهم في الحقيقة ليسوا كذلك

 

تحقيق / علي صحن عبد العزيز

في مصطلح النقد الأدبي فأنه فن تقييم والحكم على  الأعمال الأدبية والفنية وتحليلها على أسس علمية منطلقًا من النظريات والمناهج العلمية وفق قواعد وأصول ونظريات ومناهج بعيدًا عن المكتوب عنه حتى يتمكن الكاتب من السيطرة عليه وترويض منتوجه لكي يخضع للمحاكمة النقدية بمعزل عنه ، وفي الحقيقة إننا نجد تخمة في القراءات النقدية المتبادلة نادرًا ما نجد من يكلف نفسه قراءتها لغزارة المفاهيم والمصطلحات النقدية على اعتبار إنها حبيسة والبعض منها (أكتب عني واكتب عنك) حتى ولو في سطور قليلة كدعم فيسبوكي قصير بعيدًا عن النتائج والمقدمات النظرية.

(جريدة النهار ) استطلعت آراء نخبة من المشاركين والمشاركات عراقيًا وعربيًا وطرحت عليهم هذا التساؤل : هل إننا نشهد أزمة نقدية أو ركود نقدي بسبب غزارة ما يكتب ، أم ترى بأن القراءات النقدية المتبادلة تخضع للمحسوبيات أذا ما أستثنينا منها الجاد والمتميز ، وكانت هذه الآراء الواردة.

تبادل المنفعة

ا.د سعد عبد الزهرة الحصناوي / استاذ جامعي : أعتقد هنالك أزمة حقيقية ليس فقط في النقد الأدبي، وانما ممكن تكون الأزمة أكبر في النقد السياسي، وكمختص في مجال علم النفس الاجتماعي أن جزءً من هذه الأزمة يرجع إلى الرغبة في الاستعراض لدى بعض النقاد، فضلًا عن خضوع النقد لتبادل المنفعة ما يمكن أن أنتفع منه أغض البصر عنه وربمّا يكون وسيلة للابتزاز  والحصول على مكاسب.

شراء ذمم الأقلام

غرام الربيعي/ شاعرة وتشكيلية : وسط هذا الاحتدام الفكري والثقافي نشأت كثير من الأزمات التي تراوغ الحقيقة وتطمس ملامحها أو تشوه جمالها ، ومن هذه الأزمات النقد مقابل ثمن، ومع اختلاف أنواع الأثمان للأسف ضاعت كثير من معايير النقد البناء والحقيقي الذي يتزامن أو يتناظر مع حجم النص وتفاصيله ، و (طبعًا) لا يمكن التعميم لكن انتشار الفكرة والطرق السالكة نحو شهرة باطلة أو وهم الظهور وعقدة الأنا والأنانية كانت أسباب ضمور صواب القراءات النقدية بسبب العلاقات الخاصة أو شراء ذمة أقلام النقد مما جعل النصوص الحقيقية قد لا تأخذ حصتها المستحقة مقابل تصدير نصوص ضعيفة وهراء في مقدمة التعريف.

النص فعل أساسي

سعدي عبد الكريم/ ناقد: يعتبر النقد الوظيفة المجاورة للمنتج الأدبي، وهو العين الراصدة للنصّ من خلال اشتغالاته البنائية والصورية والجمالية، والنصّ هو الذي يستدعي الناقد لإخضاعه للفحص والتفسير والتحليل والتقييم وإحالته الى منطقة التأويل، والناقد ينظر إلى النصّ باعتباره الفعل الأساس المُتسيّد على فحوى عملية ذلك الرصد، بعيدًا عن هوية (الباث) أو أسمه، ونحن باعتبارنا من المشتغلين في حقل النقد الأدبي، نجد من الجدوى العلمية أن نضع النصّ في دائرة البحث والمداولة بغض النظر عن مرجعية الكاتب، وإذا حدث هذا أحيانًا ربما لوجود أسم أدبي كبير يستحق عناء ذلك الجهد النقدي، لا أن يتحول النقد إلى فضاء واسع للمحاباة والمجاملة والمحسوبية، فالنقد والنصّ عنصران مهمان في الفعل الإبداعي، للارتقاء بالمهمة الجمالية التواصلية مع الطرف الثالث (التلقي) لإدامة فعالية ذلك الارتقاء وانتعاش المعادلة القائمة على تلك الأسس المعرفية الثلاث ، والناقد هو العين المبصرة التي تنظر الى النصّ وفق عملية تخصّصية عالية المراس، لدراسته وتفكيك مفرداته بعناية أكاديمية تعتمد على مناهج نقدية فاعلة في الجسد البحثي، لنقل النصّ من حالته الثابتة، إلى حالة متحركة ضمن دائرة المعرفة التشاركية ومن الملاحظ خلال الفترات التي انتشرت فيها وسائل التواصل الاجتماعي أن ثمّة (عاطلون) عن العمل الأدبي أطلقوا على أنفسهم (نقادًا) حفظوا بعض المصطلحات النقدية وراحوا يرصّوها مع بعضها لتخرج مقالاتكم التي يطلقون عليها (نقدًا) هزيلة وضعيفة ورديئة من الناحية العلمية والأكاديمية والمعرفية ، وعلينا هنا التأكيد على أن النقد تخصّص علمي أكاديمي بحت كباقي التخصصات العلمية الأخرى، ولا يمكن أن يلج إلى محرابه إلاّ الذي خبر وعرف مدارسه وخصائصها لأنه علم أدبي ومعرفي نبيل.

ركود مستوى النقد

احمد بياض/ شاعر وأديب/ المغرب: أصبح كل شيء يخضع إلى المحسوبيات ولم يعد هناك إلتزام للناقد بمستوى ما يكتب جل الكتابات المميزة على الهامش النقد خارج المميز ليس هناك إعتراف وأن كان هناك إعتراف بخيل وشحيح أمام صمت للغيورين عن الأدب والشعر بشكل خاص المشكل أصبحت هيمنة المتاجرة ليس بين النقاد فقط بل حتى على مستوى الصحافة والإعلام إلى جانب آخر هناك ركود في مستوى النقد وهذا راجع بالتمسك بالقديم كارث أزلي إلى جانب عدم الإجهاد ، وهذا واقع ملموس لا يعطي للحدث الثقافي مكانته والمواكبة الفعالة دون السقوط في خلل التقييم والنقد المتبادل خارج الاطار الفعلي لما يجب أن يكون عليه نقد فعال وسليم إلى جانب ذلك أصبح النقد يتطلب عدة أدوات للتمكن من أدراج عمق القصيدة، والاحظ أيضًا أن الشاعر أصبح يتجاوز الناقد في الرؤيا في حوض القصيدة في غوص إلى المعنى والتاويل والتأهيل في غمار تألف بين اللغة والإدراك الفعلي للعمق

لأن القصيدة عادت وليدة إنجاب ثراتي معرفي فلسفي ابستمولوجي معقد.

عوامل عديدة

كمال عبد الرحمن/ ناقد : نعم لدينا مشكلة في النقد وممكن توضيحها وتشخيصها في عدة اسباب منها أولًا بوجود عدد كبير من الكُتّاب الذين يدعون أنهم نقاد وهم في الحقيقة ليسوا كذلك، وثانيًا مسألة المحسوبية والمنسوبية والإخوانيات والمصلحة المتبادلة هي ظاهرة حقيقية موجودة في وسطنا الادبي، وثالثًا هذا الكم الهائل من المطبوعات لا يمكن معالجته كله نقديًا بسبب قلة النقاد وكثرة المطبوعات.

معدَّلة

عوامل الوهن

رأفت عادل / روائي : على امتداد تجربتي المتواضعة لم يُقدَّر لي أن أُجَرَّ إلى تلك المساومة الرخيصة التي تُبنى على مبدأ (اكتب عني وأكتب عنك) ، تلك الصفقة غير المعلنة التي تفسد بهاء الكلمة وتخدش نقاء الكتابة ، لم يخاطبني أحد بها صراحة ،ولكنني كثيرًا ما وجدت من يترقب رأيي فيما يكتبون، يلوّحون بالصمت حينًا وبالانتظار المريب حينًا آخر، وكأن الكلمة شهادة ينبغي أن تُنتزع ولو من جوف الحياد ، وكلما تأملت المشهد، أيقنت أننا لا نعاني من طوفان الكتابة ولا من فيض الإنتاج فغزارة النصوص ليست آفة في ذاتها، بل هي ربما دليل على حياة ما تزال تنبض على عقول تبحث عن منفذ للقول، إنما العلّة كامنة في شيء آخر، في ركود النقد، في جمود الحِسّ النقدي الذي أصابه الوهن حتى غدا إنعكاسًا باهتًا للعلاقات لا مرآة صافية للنصوص ، ما أرهق الكتابة ليس كثرتها، بل ما ألتهم روحها هو غياب النقد الجاد، هو هذا الزيف المستشري الذي يتزيّا بلبوس المجاملة، وهذا اللهاث وراء أسماء صنعتها المصالح لا الموهبة فأصبحنا نقرأ لا لنتبصّر بل لنتملّق، نُشيد لا لأن النص يستحق، بل لأن كاتبه صديق أو نافذ أو منتظر منه مقابل ، أما النقد الحقيقي ذاك الذي لا تُغريه الأسماء ولا تُرهبه المناصب، فهو عملة نادرة في زمن أختلطت فيه الحروف بالأهواء ، وهو وحده القادر على أن يخلع عن النص قشرته الأجتماعية لينفذ إلى جوهره، يتعامل مع الكلمات كما هي، عارية من كل ما يُلبسها الناس من اعتبارات عارضة ، أنه إمتحان للنص لا للكاتب وميزان للقول لا للمعرفة السابقة وما ابهاه من نقد حينما يكون جادًا ومخلصًا وإن قل.

إختلاف مستويات النقد

عدنان كاظم السماوي/ باحث وكاتب: بالحقيقة أن تناسبًا غير طرديًا بين الإصدارات الأدبية وعدد النقاد ، ومن الإصدارات ماهو غث وسئ وماهو سمين ورفيع ، وقد تختلف اذواق النقاد وثقافاتهم فمنهم ماهو ناقدًا أكاديميًا ، ومنهم ناقدًا عضويًا فاعلاً ، ومنهم ما يميل إلى الاخوانيات والصداقات والتأثيرات الأجتماعية ولكن لابد من القول وكحقيقة أن النقد الموضوعي ، والنقد التطبيقي وقف أمام الكثير من الأصدارات غير الناضجة والسيئة بما لا يتلاءم وأهمية النصوص وقوتها وأخذها بنظر الأعتبار ، فالكثير من النصوص الأدبية والروائية والقصصية والشعرية والمسرحية ليس لها إلاّ الضجيج وسط الهدوء الفكروي ، وبعضها له جرس موسيقي وتأثير واضح ، فالنقد بطبيعته وحقيقته وتطوره يتطلب وجود كتاب من ذوي الحس الأدبي النقدي والثقافي ، ولهم القدرة على تفكيك النصوص ، فنيًا وتقانيًا من زمكان صور وأخيلة وحبكة ولغة وصياغة فنية قادرة على صنع الناقد وتغني قراءاته ولابد للناقد أن يتصف بالحيادية والموضوعية والعلمية وأمانتهما.

معايير صارمة

مالك فرحات/ ناقد وباحث واستاذ لغة عربية/تونس : النقد الأدبي يعيش أزمة حادة وانحطاطًا خطيرًا  وضعف النقد كان عاملًا في تدني الممارسة الأدبية نفسها ، إذ افتقرت هذه الممارسة إلى التقييم السليم والمعايير الصارمة فسهل ركوب الأدب ، وضعف مستوى النقد له عدة تجليات و أحدثته عوامل عدة والتي منها ضعف التكوين العلمي الذي أنتج سوء فهم لماهية النقد وجهلًا بأدواته ، فتوهم الواهمون أنّ النقد إما أن يكون مجاملة و إطراء وإما أن يكون تجريحًا وهذه الأحكام تفتقر إلى أسس علمية و مبررات منطقية لأنها صادرة عن الانطباع، وأحيانًا يكون مصدرها الولاءات والعلاقات والمصالح الدنيوية.

تأثير التجاذبات الشخصية

ابراهيم قوريالى/شاعر وكاتب/ كركوك : هنالك مقولة مهمة تقول يبدأ الناقد بكتاباته بعد ان يضع الكاتب نقطة النهاية لمنجزه (الشعر، القصة، الرواية وغيرها) أما مصطلح أكتب عني وأكتب لك فهو معيب بكل معنى الكلمة، الكاتب كاتب والناقد ناقد وشتان بينهما، فقط أشير إلى نقطة مهمة ان للنقد فروعًا عديدة جدًا ، وأعتقد أنه أي الناقد عليه أن يكون منصفًا في كتاباته بعيدًا عن التجاذبات الشخصية وجادًا ومبدعًا ومختصًا في حقل واحد فقط وأن يكون همه الوحيد خدمة الكاتب والقارئ معًا.

تفعيل نقد النقد

علاء الوردي/ أديب واعلامي: أصعب عمل أدبي هو تقديم الدراسات النقدية في النقد، لأنه المقياس الأدبي الشامل لوضع الأديب والكاتب وكلما كان النقد متقدم مع تقبل آراء الناقد الموضوعي المتجرد من الميول والعاطفة كلما كانت النهضة الأدبية أفضل وأكثر تطوراً السؤال المهم هل يجب محاكم النص..؟! وهل فلسفة موت المؤلف ناجعة في قراءات النصوص الأدبية..؟! وأنواع النقاد هناك ناقد يميل إلى الجانب النسوي وناقد يتقبل الأوراق النقدية، وأخر يتقبل جلسات الشرب وتبادل أصداء كؤوس الخمر وناقد فاعل مهمته فقط النص بعيدًا عن أمور الشخصنة، الساحة الأدبية تعاني من أزمة ناقد مهمته محاكمة النص لا غير وعلينا تفعيل ظاهرة نقد النقد وهي الحل الانجع للخروج من دائرة الشبهات الأدبية، إذ ترتقي الأمم كلما كان هناك تفعيل لمدارس النقد المهمة، وكل شيء خاضع للنقد ومدارسه المهمة ومناهجه الواضحة، بأستثناء النص المقدس الذي جاء من عند الله تعالى.

علي صحن

أعماق الأعمال

مازن جميل المناف/ أديب وشاعر : هناك أزمة نقدية وركود نقدي، اليس من الضروري أن نخرج من شرنقة القراءات النقدية التي خرجت عن أسس علمية أو مهنية غير مبنية على النظريات والمناهج العلمية وفق قواعد وأصول نقدية ، متى يبحث الناقد في الانطباعيات ويدرس الأمور فاحصاً , ويسأل لماذا كتبت هذه الأرهاصات وجسدت الحالة من فرح أو وجع أو غيره ؟ هل هناك عقدة ؟ بات أن لا  يفتش في كوامن وتجليات الحدث ، وأبتعد الناقد عن معزل القضية والبحث عن تجليات عمق العمل ، وأن لا يكون في ملاحظات هامشية تستميح للقارئ عذرًا في مقدمة طويلة تبحث عن لا شيء بلا ثوابت أو أدلة شاخصة أو براهين يستند عليها الناقد ونحن نتجول مع المفردة بشكلها التعبيري الحداثوي والذي غالبًا ما يتداول بعوالم يجسدها النص وفكرة الطرح بدلًا من يشغل الناقد مساحة مقيدة في سياق أسطوري يصعب على الآخرين فهمه خلال الصياغة من رحلة الناقد حد التصور البعيد والتخمة التي تؤدي بعبارات آلية كلاسيكية تقتل مشاعر النقدية وإخضاعها إلى هيمنة الناقد بعملية السيطرة  والترويض على أعتبارها حبيسة المفردات ليس إلاّ.

عاجل !!