بداية الانهيار.. هل تسير الولايات المتحدة نحو التحوّل إلى دولة فاشلة؟

هيئة التحرير10 يونيو 2025آخر تحديث :
بداية الانهيار.. هل تسير الولايات المتحدة نحو التحوّل إلى دولة فاشلة؟

ماكينون: تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات ولاء شخصية يمثل مؤشرًا خطيرًا على انزلاق الدولة نحو الاستبداد

انهيار الدول لا يحدث عادة نتيجة حدث مفصلي واحد، بل نتيجة عملية طويلة من التآكل المؤسسي وفقدان الشرعية تبدأ بهجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة

الوضع الداخلي في امريكا يتجه نحو الاستقطاب العنيف وفقدان الثقة المتبادل مع تصفية الصحافيين المستقلين وتهميش الجامعات واستخدام القضاء أداة انتقام سياسي

ما لم يُعكس هذا المسار قريبًا، فقد تُضاف الولايات المتحدة إلى قائمة الدول التي انهارت تحت وطأة تناقضاتها الذاتية

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلعب بالنار عندما يرسل قوات المارينز إلى مدينة لوس أنجلوس، مذكراً أن استخدام الجيش في الأحداث المحلية ليس جيداً

 

واشنطن/ النهار

 تشير تحليلات الكاتب الأمريكي جيسي ماكينون إلى أن الولايات المتحدة قد دخلت بالفعل مرحلة تشبه المراحل الأولى لانهيار الدولة، وهي مرحلة كانت تبدو مستبعدة في بلد يتمتع بثروات هائلة وتقاليد ديمقراطية عريقة، لكنها باتت اليوم ممكنة بصورة متزايدة في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة.

تفكك الشرعية السياسية وتآكل المؤسسات

بحسب ماكينون، فإن انهيار الدول لا يحدث عادة نتيجة حدث مفصلي واحد، بل نتيجة عملية طويلة من التآكل المؤسسي وفقدان الشرعية تبدأ بهجمات ممنهجة على مؤسسات الدولة، وتُستكمل بتحويل مؤسسات العدالة والخدمة المدنية إلى أدوات طيّعة في يد السلطة التنفيذية.

ويشير الكاتب في مقال له إلى ممارسات إدارة الرئيس دونالد ترامب التي شملت “تسييس وزارة العدل، وتطهير الهيئات الرقابية، واستهداف الصحافة والمجتمع المدني”، وهي مظاهر تشابه حالات تاريخية مثل السنوات الأخيرة من الجمهورية الرومانية قبل صعود يوليوس قيصر، وانهيار جمهورية فايمار في ألمانيا قبل استيلاء النازيين على الحكم.

 

أزمة اقتصادية مصطنعة وعزلة دولية

على الصعيد الاقتصادي، يصف ماكينون ما يجري بأنه أزمة مصطنعة سببها قرارات سياسية طائشة، أبرزها فرض رسوم جمركية واسعة على الحلفاء والخصوم، ما تسبب في حرب تجارية أدت إلى انكماش التجارة العالمية وانهيار سوق الأسهم عام 2025.

ويُقارن الكاتب هذه السياسات بسياسات الاكتفاء الذاتي التي انتهجها خوان بيرون في الأرجنتين خلال الأربعينيات، وبقانون “سموت-هاولي” في الولايات المتحدة عام 1930، الذي أسهم في تعميق الكساد الكبير.

عسكرة الدولة واختبار الولاءات

يحذّر المقال من أن تحويل الأجهزة الأمنية إلى أدوات ولاء شخصية يمثل مؤشرًا خطيرًا على انزلاق الدولة نحو الاستبداد. ويشير ماكينون إلى “اختبارات الولاء” لموظفي الدولة، وتسريح من يُشتبه في عدم ولائهم، واستخدام القوة ضد المعارضين، على غرار ما حدث في السنوات الأخيرة للاتحاد السوفييتي عندما سُيّست أجهزة الأمن لقمع المعارضة الداخلية.

تفكك داخلي وعنف سياسي

يرى الكاتب أن الوضع الداخلي في الولايات المتحدة يتجه نحو الاستقطاب العنيف وفقدان الثقة المتبادل، مع تصفية الصحافيين المستقلين، وتهميش الجامعات، واستخدام القضاء أداة انتقام سياسي.ويشبّه ماكينون ما يحدث في أمريكا بما جرى في تشيلي خلال فترة حكم سلفادور ألليندي، حين قُوّضت الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا من الداخل عبر العنف والتخريب الاقتصادي.

 

السياسة الخارجية: طموحات توسعية وعزلة شاملة

يلفت المقال إلى أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة دخلت مرحلة انعزالية خطيرة، مع تصريحات رئاسية تطالب بضمّ كندا وغرينلاند، ومفاوضات غير شرعية لاستخراج الموارد في أوكرانيا. ويرى ماكينون أن هذه السياسات التوسعية تعيد للأذهان محاولات موسوليني لاحتلال شمال أفريقيا، والتي انتهت بعزلة دبلوماسية وانهيار اقتصادي.

الدولة في خدمة الحاكم

في خلاصة تحليله، يقول ماكينون إن الدولة الأمريكية لم تعد تعمل كوسيط نزيه بين مصالح المجتمع المختلفة، بل تحولت إلى أداة بيد الرئيس وحاشيته، تخدم أهداف السيطرة والولاء، وليس المصلحة العامة. ويقارن الوضع الحالي بتجربة يوغوسلافيا في التسعينيات، حيث أدى فشل الدولة في حل النزاعات الداخلية إلى تفككها العنيف.

هل يمكن تفادي الانهيار؟

رغم هذه الصورة القاتمة، يشير الكاتب إلى أن الفرصة لا تزال قائمة لعكس المسار، شريطة وجود معارضة منظمة أو تحول سياسي يعيد الثقة بالمؤسسات. ويستشهد ماكينون بتجربتي إسبانيا في ثلاثينيات القرن العشرين واليونان في الأربعينيات، حيث حال التدخل الخارجي أو التحوّلات الداخلية دون الانهيار التام، وإن بثمن باهظ.

يؤكد ماكينون في مقاله بموقع كومن دريمز أن “فشل الدولة ليس لحظة مفاجئة، بل سلسلة متواصلة من الإخفاقات تبدأ بفساد المؤسسات وتنتهي بانهيار النظام الاجتماعي”. ويحذر من أن “الأدلة واضحة في تفريغ الحكومة الفدرالية من مضمونها، وتسييس أجهزة الأمن، والانغلاق التجاري، واحتضان أوهام التوسع الإمبراطوري”.

ويختتم الكاتب بالقول: “ما لم يُعكس هذا المسار قريبًا، فقد تُضاف الولايات المتحدة إلى قائمة الدول التي انهارت تحت وطأة تناقضاتها الذاتية”.

وعلى الرغم من استعمالها أساساً في عمليات وحروب خارج البلاد، مثل العراق وأفغانستان، لجأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قوات المارينز الأمريكي، ولم تقتصر فقط على الحرس الوطني، وذلك بهدف السيطرة على احتجاجات لوس أنجلوس في كاليفورنيا، خوفاً من تحولها إلى نسخة جديدة من احتجاجات جورج فلويد تعمّ أرجاء البلاد.

 

خرج مئات الأمريكيين من أصل لاتيني للاحتجاج ضد سياسة ملاحقة آبائهم الذين لا يتوفرون على إقامة قانونية، ويعيشون “في الظل”

 

وتشهد مدينة لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة في الولايات المتحدة، احتجاجات قوية، منذ نهاية الأسبوع الماضي، احتجاجاً على سياسة الاعتقالات التي تشنها مصلحة مكافحة الهجرة ضد المهاجرين.

 

واندلعت بالضبط في المدينة الصغيرة بارامونت، جنوب لوس أنجلوس، حيث خرج مئات الأمريكيين من أصل لاتيني للاحتجاج ضد سياسة ملاحقة آبائهم الذين لا يتوفرون على إقامة قانونية، ويعيشون “في الظل”، كما كتب أحد المتظاهرين في شبكات التواصل الاجتماعي. ويتساءل المحتجون كيف أن إدارة ترامب حوّلتهم إلى أعداء، في وقت أن المهاجرين ساهموا في بناء البلاد.

 

ومن الجوانب القاسية للهجرة في الولايات المتحدة، وخاصة في ولايات الجنوب، أن الأبناء الذين وُلدوا في الأراضي الأمريكية يتوفرون على الجنسية الأمريكية، بينما آباؤهم يعيشون في وضع غير قانوني مُعرضين للطرد. ولم تعد إدارة ترامب تستهدف فقط المهاجرين الذين وصلوا مؤخراً إلى البلاد، بل الذين يقيمون منذ سنوات طويلة.

 

وتُبرز جريدة لوس أنجلوس تايمز كيف انتقلت الاحتجاجات من بارامونت إلى قلب مدينة لوس أنجلوس، وكيف فشل الحرس الوطني في السيطرة على الأوضاع المشتعلة، ما جعل الرئيس الأمريكي يُرسل 700 من قوات المارينز، وبالضبط من الكتيبة الثانية من الفوج السابع من مشاة المارينز من توينتاين بالمز في كاليفورنيا، لينضموا إلى حوالي 4,100 من قوات الحرس الوطني الموجودة بالفعل في المدينة، أو المُصرح لها بالانتشار لاحتواء الاحتجاجات.

 

وبالفعل، أعلنت القيادة الشمالية للولايات المتحدة الأمريكية  NORTHCOM، الإثنين من الأسبوع الجاري، عن إرسال هذه القوات. والمثير أن هذه القيادة أُنشئت في 1 أكتوبر 2002 رداً على أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، وتتمثل مهمتها في حماية وتأمين أراضي الولايات المتحدة، وتقديم الدعم للسلطات المحلية وسلطات الولايات والسلطات الفيدرالية.

 

وإذا كان إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس يُعتبر منعطفاً، فإن إرسال قوات المارينز يُعتبر منعطفاً أكبر، بحكم أن هذه القوات ارتبطت لدى الأمريكيين، وباقي العالم، بالتدخل في المناطق الحربية مثل العراق وأفغانستان وسوريا وفيتنام. كما أنها المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد إرسال قوات المارينز بكثافة إلى مواجهة احتجاجات مدنية وسط الولايات المتحدة، بعدما كان الأمر يقتصر فقط على الحرس الوطني، وكانت لوس أنجلوس قد شهدت مشاركة عشرات من قوات المارينز في مساعدة الحرس الوطني في احتجاجات سنة 1992 في المدينة نفسها. وكان دورها هامشياً، عكس ما يمكن أن يحصل هذه المرة. ويُعتبر هذا الانتشار استثنائياً وغير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، حيث إن استخدام القوات العسكرية الفيدرالية، ولا سيّما قوات المارينز، للسيطرة على الاحتجاجات المدنية على الأراضي الأمريكية أمر غير مألوف للغاية، ويثير جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً حول شرعيته وعواقبه.

 

بدأ المهاجرون وأنصارُهم من الأمريكيين في ولايات أخرى بالاستعداد لتنظيم احتجاجات في تامبا بفلوريدا وشيكاغو ونيويورك وبوسطن ودالاس

 

ولا يمكن فهم هذه التطورات سوى بمحاولة البيت الأبيض السيطرة على الاحتجاجات في لوس أنجلوس قبل انتقالها إلى باقي مناطق البلاد، وعملياً بدأت تنتقل، حيث نشرت جريدة “سان فرانسيسكو كرونيكل”، اليوم، كيف أن المدينة تشهد، ومنذ الأحد الماضي، احتجاجات ضد سياسة ترامب في مجال الهجرة، ووقعت مواجهات، وهي مُرشحة لأن تصبح أكثر تصعيداً خلال الأيام المقبلة. وبدأ المهاجرون وأنصارُهم من الأمريكيين في ولايات أخرى بالاستعداد لتنظيم احتجاجات، حيث تمت الدعوة إلى ذلك في تامبا بفلوريدا وفي شيكاغو وفي نيويورك وبوسطن ودالاس، علماً أنه جرى مبدئياً تسجيل بعض التظاهرات الصغيرة، وهي مُرشحة لأن تصبح كبيرة تماشياً مع تطورات احتجاجات لوس أنجلوس، وكرد غاضب ضد سياسة ترامب.

 

وبدأت هذه التظاهرات ضد سياسة ترامب تتحول إلى ما يشبه الاحتجاجات التاريخية التي شهدتها الولايات المتحدة، ما بين مايو ويونيو 2020، عندما قتل ضباط الشرطة أمريكياً من السود هو جورج فلويد في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا. وكان الرئيس الأمريكي وقتها جو بايدن في البيت الأبيض، والآن بدأ يواجه سيناريو مماثلاً. وكانت القيادة العسكرية إبان ولاية ترامب الأولى قد رفضت إنزال الجيش الأمريكي إلى الشارع لمواجهة المحتجين.

الى ذلك قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ماكس بوت إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يلعب بالنار عندما يرسل قوات المارينز إلى مدينة لوس أنجلوس، مذكراً أن استخدام الجيش في الأحداث المحلية ليس جيداً، وهناك حاجة لضبط النفس في لوس أنجلوس.

وأضاف أن تاريخ الولايات المتحدة يدعو أي رئيس أمريكي للحذر والتعقل عندما يتعلق الأمر بإرسال قوات، سواء الحرس الوطني أو الجنود في الخدمة الفعلية،  لقمع اضطرابات داخلية.

في عام 2020، حث ترامب قائد هيئة الأركان المشتركة على “كسر جماجمهم”، وسأل عما إذا كان بإمكان إطلاق القوات النار على  أرجل المتظاهرين

ففي نهاية المطاف، بدأت الأحداث التي أدت إلى الثورة الأمريكية بحادثة في بوسطن عام 1770 عندما انتشرت القوات البريطانية رداً على احتجاجات مناهضة للضرائب. وبدلاً من إخماد انتفاضة ناشئة، أشعلها الجنود البريطانيون بإطلاق النار وقتل خمسة متظاهرين فيما عرف لاحقاً بمذبحة بوسطن.

ولم تستخدم القوات الأمريكية، وعلى مدى القرون التالية، لفضّ الاضطرابات المحلية، سواء لأغراض نبيلة، مثل محاربة العنصريين البيض المسلحين في الجنوب خلال فترة إعادة الإعمار، وأخرى خسيسة، مثل قمع الاضرابات خلال ما عرف بالعصر المذهب، وهي فترة الانتعاش الاقتصادي في العقد الأخير من القرن التاسع عشر.

ورغم ندرة حالات استخدام الجنود  للسيطرة على الجماهير، إلا أن مثل هذه العمليات أدى إلى مآسٍ مروعة.

ومن بين هذه المآسي مذبحة لودلو عام 1914، عندما هاجم الحرس الوطني في كولورادو وحراس الأمن الخاص عمال المناجم المضربين وعائلاتهم، ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً، وجيش العلاوات عام 1932، حيث هاجمت قوات الجيش قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى الذين كانوا يحتجون للمطالبة بعلاوات عاجلة، ما أسفر عن مقتل اثنين منهم، وحوادث إطلاق النار في جامعة ولاية كينت، عام 1970، حيث أطلق الحرس الوطني في أوهايو النار على تجمع مناهض لحرب فيتنام، ما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة تسعة.

ويفصح هذا التاريخ أن ترامب يلعب بالنار من خلال “تأميمه” الحرس الوطني متجاوزاً اعتراضات الحاكم  الديمقراطي غافين نيوسوم، وإرساله قوات إلى لوس أنجلوس للتعامل مع الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية حملات إدارة ترامب ضد المهاجرين غير الشرعيين.

ومع ذلك، بدلاً من توخي الحذر اللازم، يبدو ترامب متلهفاً جداً لإثارة الصدام. ففي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الأحد، زعم أن لوس أنجلوس “غزاها واحتلها مهاجرون غير شرعيين ومجرمون”، وأنها تحاصر من قبل “حشود عنيفة ومتمردة”. ووجه السلطات الفدرالية “لتحرير لوس أنجلوس من غزو المهاجرين، ووضع حد لأعمال الشغب هذه”.

ويرى الكاتب أن خطاب ترامب الناري والتحريضي لا أساس له. فبدلاً من مواجهة غزو المهاجرين، شهدت الولايات المتحدة، في الآونة الأخيرة، أدنى مستويات عبور الحدود للمهاجرين بدون وثائق ومنذ عقود، وهو خبر روج له البيت الأبيض على موقعه الإلكتروني. كما تتراجع الجرائم العنيفة بسرعة في جميع أنحاء البلاد، بما فيها لوس أنجلوس.

فحالة الطوارئ الوحيدة هي تلك التي تخلقها إدارة ترامب بإلزام هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بإجراء ما لا يقل عن 3,000 اعتقال يومياً، بزيادة عن متوسط ​​660 اعتقالاً يومياً خلال أول 100 يوم من ولاية ترامب الثانية.

ويعتقد الكاتب أنه لا سبيل لتحقيق هذه الحصص التعسفية بالتركيز فقط على المجرمين وأعضاء العصابات الذين يستحقون الترحيل.

 لذلك، لجأت إدارة الهجرة والجمارك إلى استخدام القوة شبه العسكرية لمداهمة عمال المياومة في مواقف سيارات “هوم ديبو”، فهؤلاء أشخاص يعملون لإعالة أسرهم، ويساهمون في الاقتصاد، لذا فليس من المستغرب أن تؤدي مداهمات إدارة الهجرة والجمارك إلى احتجاجات وردود فعل. كما كان متوقعاً، أدى إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس إلى تأجيج غضب المتظاهرين، وأدى إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة والقوات الأمنية.

وللأسف، يخدم بعض المتظاهرين مصالح ترامب بارتكاب أعمال عنف، مثل إلقاء مقذوفات على الشرطة، أو إحراق سيارات، ما يؤدي إلى المواجهة التي يتوق إليها الرئيس بوضوح. كما أن التلويح بالأعلام المكسيكية على شاشات التلفزيون يسمح لترامب بتصوير المتظاهرين كغزاة.

ويذكر بوت أن هذه ليست المرة الأولى التي يحرص فيها ترامب على نشر الجيش في شوارع المدن، فقد حاول القيام بذلك خلال الاحتجاجات التي أعقبت مقتل جورج فلويد على يد شرطي في عام 2020.

وبحسب ما كشف عنه، فقد حث ترامب قائد هيئة الأركان المشتركة في حينه، الجنرال مارك ميلي ووزير الدفاع مارك إسبر على “كسر جماجمهم” وسأل عما إذا كان بإمكان إطلاق القوات النار على  أرجل المتظاهرين. رفض إسبر وميلي بشدة قبول مثل هذا العنف من جانب الدولة، أو حتى نشر قوات في الخدمة الفعلية.

وتم نشر الحرس الوطني ولكنه تصرف بشكل عام بضبط النفس المناسب.

ويساعد هذا التاريخ في تفسير سبب حرص ترامب، هذه المرة، على تعيين مسؤولين اعتبرهم بلا شك أكثر طاعة. لقد أقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي ورثه من إدارة بايدن، وأعاد من التقاعد ضابطاً بثلاث نجوم، دان كين، الذي كان يعتقد، على ما يبدو، (ربما عن طريق الخطأ) أنه سيكون مخلصاً له شخصياً. أما بالنسبة لمنصب وزير الدفاع، فقد اختار ترامب بيت هيغسيث، مذيع قناة “فوكس نيوز”، الذي أوضح، خلال جلسات تأكيد تعيينه، أنه لن يعارض من حيث المبدأ استخدام القوة ضد المتظاهرين. وقد شهدت فترة هيغسيث في منصبه اضطرابات مستمرة بينه وكبار موظفيه، بالإضافة إلى فضيحة استخدامه محادثة غير آمنة عبر تطبيق سيغنال لمشاركة معلومات حول هجوم عسكري مخطط له على الحوثيين في اليمن. حتى أن ترامب، بحسب التقارير، كان مستاء جداً من هيغسيث بسبب كل الدعاية السيئة التي يثيرها، واستعداده لإطلاع إيلون ماسك، الذي له مصالح تجارية كبيرة في الصين على خطط البنتاغون لمحاربة الصين.

يبدو ترامب متلهفاً جداً لإثارة الصدام. فقد  زعم أن لوس أنجلوس “غزاها واحتلها مهاجرون غير شرعيين ومجرمون”، وأنها تحاصر من قبل “حشود عنيفة ومتمردة”

وعليه، فلم يكن من المستغرب أن يمضي هيغسيث، في تعامله مع احتجاجات لوس أنجلوس، مع غرائز الرئيس ويلعب عليها، فيما يبدو أنها محاولة لاستعادة ثقة الرئيس المهتزة به. ففي تغريدة له، يوم السبت، قال وزير الدفاع بأنه لم يكتفِ “بحشد الحرس الوطني فوراً”، بل “إذا استمر العنف، فسيتم أيضاً حشد قوات مشاة البحرية العاملة في معسكر بندلتون، فهم في حالة تأهب قصوى”. وذكرت شبكة “سي إن إن”، يوم الإثنين، أن كتيبة من مشاة البحرية الأمريكية في قاعدة تونتيناين بالمز تستعد للانتشار في لوس أنجلوس.

 ويرى بوت أن هيغسيث مستعد، على ما يبدو، لتعريض القوات العسكرية ووضعها في مكان لا ينبغي لها أن تكون فيه، ويخاطر بجعلها بيادق سياسية، في محاولة الإدارة لإثارة أزمة تمكّن الرئيس من فرض سلطة تنفيذية أكبر.

و الآن، يقع على عاتق الجنود أنفسهم، مسؤولية ضمان شرفهم وعدم القيام بأي عمل من شأنه انتهاك حقوق التعديل الأول التي ناضلت أجيالٌ من أسلافهم لحمايته. لا يحقّ للجنود رفض أمر قانوني بالانتشار، لكن بإمكان قادتهم التصدي له من وراء الكواليس، وضمان ألا يزيد تجوال أي جندي أو من مشاة البحرية في شوارع المدينة من تدهور الوضع.

 

عاجل !!