ان هذه السردية تعد من أجمل ما كتبه الروائي والرحالة حسن البحار ، وهي من روايات البحر القليلة جدا على الرغم من ان الوطن العربي تحيط به البحار الا ان الاعمال السردية التي تعالج ثيمة البحر نادرة عدا ما كتبه الروائي السوري حنا مينا من روايات (الشراع والعاصفة وحكاية بحار وغيرها) الا ان حسن البحار قدم سردية متنوعة الاجناس النثرية تمتد من (الرواية الى ادب الرحلات الى المذكرات الى قصيدة النثر وحتى النقد الادبي)!
“لم أكن بحاجة الى هذا كله، أكتب عن معاناتي. أريد أنثى حقيقية تشبع رغباتي، أنثى يمكن أن ترميني في فضاء رحب وجميل أضيع فيه لساعات وأعود إلى النوم”ص182
التداعي الحر
اتخذ حسن البحار من التداعي الحر اسلوبا في كتابة هذه السردية،مساحة الحوار مع النفس واحيانا بضمير المتخاطب مع القارئ هي اكثر من حواراته مع الاخرين على الاخص وهو في وسط البحر ، وتتصاعد دراميا عن حدوث مشاكل البحر واحتراق وغرق الباخرة والعوم في المحيط الهندي لانقاذ نفسه، عدا ما كتبه عن حواره الفلسفي الذكي مع الغريب في الباخرة والذي يكشف عن هويته واسمه (كمال غريب)
-ما رأيك بالنساء اللواتي لا يمارسن لذة الكلام في الفراش؟\ هل هن أصدق أنوثة من الثرثارات؟
لا بأس ان يعود متى ما اراد السارد ليقدم لنا (ادب الرحلة) تارة من اسطنبول او وصف لحياة البنغال وملذات البحار بممارسة الجنس العابر حتى إصابة البحار نور بالايدز وانتحاره برمي نفسه في البحر! وحديثه عن اهم وجبة كباب (كباب اظنه) او عن قصر رمضان أوغلو وسليمان القانوني. ليعود الى الحوار مع الغريب كمال
-النساء تختلف عن الاناث.النساء تشم فيهن العطر أما الاناث فهن اللواتي يعرفن معنى الوجود ، تشم فيهن الرائحة لا العطر\-والانثى الجميلة تقول عنها رائحة، والرائحة ليست جميلة دائما، العطر فيه من الروعة ما نشتريه بأغلى الأثمان\ في هدوء مستفز رد: ماذا تسمي ما تشمه من الخبز، الورد، النسيم، المطر؟\ سحره في الوصف .ركنني إلى عدم الاجابة”ص189 مثل هذه الحوارات الفنية العميقة تعطي للسردية التشويق والحيوية ليكتشف القارئ ان هذا الغريب غريب الاطوار ما هو الا كاتب قصة اسمه الحقيقي (كمال غريب) “كاتب مجموع قصص مغرية . في أول صفحة كتب: الى الذين يغلفون الموت بالحياة وينشرون النار في أرض الجنة لقد انتصرتم علينا، إلى المتهم الأول بالقتل شكرا لك لقد أصبحنا قتلة”ص192
ويسترسل الكاتب في تلخيص قصص المجموعة لكل قصة عبارة نقدية عميقة وتعليق مقتضب جدا
“الحرف الاحمر” وكانت عن الحب والحياة وكيف يمكن للحب أن ينتصر على أعدائه\ القصة الثانية عن الحرب العراقية الايرانية عنوانها مذكرات جندي أصم من انفجار قريب منه اثناء معركة المحمرة فقد حاسة السمع\ الثالثة لون السعادة عن شاب في العشرين يعاني النسيان اثبت للجميع أنه أسعد إنسان لم يكن عنوانها موفقا رايي لوكان ألوان السعادة\ الرابعة تحدثت عن امرأة في الخمسين تعمل في حانة حتى تساعد بناتها الثلاث على تجاوز مخاطر الحياة ،الكبيرة تدرس الهندسة المرحلة ما قبل الاخيرة الثانية في الأول كلية الطب الثالثة ما زالت في الثانوية نكتشف في نهاية القصة ان المرأة الخمسينية التي تعمل ساقية للسكارى لم تكن كذلك بل كانت في منصب إداري مهم اراد خداعي في قصته “غرابة الواقع الجميل”!
*حادثة غرق الباخرة
في وصف رهيب وكأن المؤلف قد تعرض الى مثلما في الواقع يصف لنا احداث غرق الباخرة.وصف البحارة والمحيط الهائج والعاصفية وتحطم الباخىة زغرقها ومن الجميع لا اثنان! القصة تنتهي بحادث غرق الباخرة في المحيط الهندي بسبب حمولتها الزائدة لمادة الرز يموت الجميع غرقا عدا البطل وكمال غريب لنكتشف عند انقاذهم بطائرة مروحيةوعودتهم الى اسطنبول بعدم وجود شخصيات ذكرها الكاتب في بداية رحلته مثل ” البحار سيمو والمحقق كاج مايلم” وعندما يراسل القوات البحرية ترسل له رسالة “نحيطك علما ان اسم كاج مايلم لم يرد في ضمن اسماء محققينا البحريين ولا شأن لنا به”ص246
تختلط الحقائق والوقائع بالتخييلات الادبية لنكتشف عودة زوجته من الموت وهي من الديانة الصابئية ليجري بينهما حديث شيق، فجاءة يعود البطل وكمال غريب الى بغداد ليلقى على كمال القبض وهو الذي لعب دورا في تعطيل غرق الباخرة وانقد البطل من الموت غرقا لنعرف انه من امهر البحارة !
قد يمثل كل ما اطلعنا عليه حلم بحار لم يغادر سريره “لحظتها أفقت من النوم والصداع يتفجر في رأسي”ص245 ز
مثل هذه السردية تستحق ارفع وأعظم الجوائز