البرهان يتمسك بخيار الحرب متجاهلا أزمة السودان الانسانية

هيئة التحرير16 نوفمبر 2025آخر تحديث :
البرهان يتمسك بخيار الحرب متجاهلا أزمة السودان الانسانية

قائد الجيش السوداني سيواجه ضغوطا دولية وإقليمية أشد خاصة بعد أن وافقت الدعم السريع على مقترح الهدنة

يقوم البرهان فعلياً بتجميد كافة المسارات السياسية والدبلوماسية ما يترك الشعب السوداني أمام خيار واحد هو استمرار العنف والدمار

البرهان : السودانيون تأذوا من هؤلاء المتمردين قتلوهم وعذبوهم ونهبوهم ونكلوا بهم ولن ينالوا منا إلا ما يذيقهم العذاب

 

تنفي الدعم السريع تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر وأماكن أخرى وتؤكد أنها تحقق في ذلك

الخرطوم / النهار

في موقف متشدد يُبقي على الحرب مشتعلة، جدد رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، رفضه القاطع لأي هدنة أو سلام مع قوات الدعم السريع، مشترطاً التخلي الفوري عن السلاح. ما يهدد بتحويل الأزمة الإنسانية الحالية إلى كارثة غير قابلة للاحتواء. ويأتي هذا التعنت على النقيض من إعلان “الدعم السريع” استعدادها التام للانخراط في أي مبادرات لوقف الحرب.

وعلى الرغم من إشارة البرهان إلى أن “كل السودانيين اكتووا بهذه الحرب” وأنها “تركت آثاراً مدمرة”، إلا أن توعده بالتصعيد يعكس تجاهله كافة الدعوات لإنهاء الصراع الذي أعاد البلد سنوات إلى الوراء ودفع بالملايين من السودانيين إلى المجاعة.

وبتجاهل القضايا الإنسانية وتلغيمه المفاوضات بشروط تعتبر “تعجيزية”، يقوم البرهان فعلياً بتجميد كافة المسارات السياسية والدبلوماسية ما يترك الشعب السوداني أمام خيار واحد هو استمرار العنف والدمار.

ويبدو أن استراتيجية قائد الجيش السوداني تهدف إلى تحقيق نصر عسكري شامل دون اعتبار فوري للتكاليف الإنسانية الباهظة. وينتظر أن يواجه البرهان ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي والإقليمي، لا سيما بعد موافقة الدعم السريع على الهدنة، حيث يسعى الوسطاء لتحويل هذه المبادرة المقترحة إلى جسر حقيقي نحو السلام.

 

وقال البرهان في كلمة أمام حشد من المواطنين خلال زيارته لقرية السريحة بولاية الجزيرة وسط السودان إن “أي أحد يأتي ليتوسط بين الجيش والدعم السريع نقول له: إذا لم يضع المتمردون السلاح أرضا ويجلسوا على الأرض، فلا كلام ولا سلام، ولن نقبل بهم في السودان، لا هم ولا من يقف معهم”.

 

وأردف “سنمضي في هذا الطريق، إما أن نقضي عليهم أو نظل نقاتلهم حتى نسلم أرواحنا، لكن ليس لدينا هدنة معهم أو كلام أو سلام”، ما يعكس نواياه في التصعيد، رغم تفاقم الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب.

 

وأشار البرهان، إلى أن “كل السودانيين اكتووا بهذه الحرب، وليس هناك أحد ليس في نفسه شيء، والحرب تركت آثارا مدمرة علينا كلنا”، مستطردا “لكن عزاءنا نحن في هذا الوطن أن لُحمتنا الوطنية وشأننا الوطني مرتبط مع بعض وكلنا متحدين مع بعض”.

 

وأضاف “ومنذ بداية هذا الحرب، كُلنا مصممون ألا تنتهي هذه الحرب إلا بنهاية هؤلاء المتمردين”. وقبل أيام، قال مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية مسعد بولس، في بيان “تحثّ الولايات المتحدة أطراف الصراع في السودان على الموافقة الفورية وتنفيذ الهدنة الإنسانية المقترحة”.

 

ولم يوضح بولس تفاصيل الهدنة التي تحدث عنها وآلية تنفيذها، غير أن قوات الدعم السريع، أعلنت قبل أسبوع، موافقتها على الانضمام إلى هدنة إنسانية اقترحتها دول “اللجنة الرباعية” التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات.

 

وقال البرهان إن “السودانيون تأذوا من هؤلاء المتمردين، قتلوهم وعذبوهم ونهبوهم ونكلوا بهم، ولن ينالوا منا إلا ما يذيقهم العذاب”، في إشارة إلى استمرار القتال ضد الدعم السريع.

 

وأوضح أنه زار هذه المنطقة ليؤكد للمواطنين أن “حق الشهداء لن يضيع”، مضيفا أن “دماء كل من قُتل في السودان في رقابنا”، متابعا “عهدنا أننا ليس لدينا كلام مع المتمردين”.

 

وقال البرهان “نطمئن أهلنا أن هؤلاء القتلة والمجرمين ليس لديهم مكان معنا في السودان، وحديثنا هو إذا كنت تريد السلام وتريد أن يذهب السودانيون معك في سلام، فاجمع هؤلاء المرتزقة في مكان واحد واجمع سلاحهم، بغير ذلك لن يتحدث أحد معهم”.

 

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال بولس، إن اللجنة الرباعية بحثت في واشنطن التوصل إلى “هدنة إنسانية عاجلة ووقف دائم لإطلاق النار” بالسودان، وشكلت لجنة مشتركة للتنسيق بشأن الأولويات العاجلة.

 

وحينها، أوضح بولس في إفادة رسمية، أن الأعضاء المجتمعين بالرباعية أكدوا التزامهم بالبيان الوزاري الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي دعت خلاله “الرباعية” إلى هدنة إنسانية لـ3 أشهر، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى جميع مناطق السودان تمهيدا لوقف دائم لإطلاق النار.

 

ويلي ذلك إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة تُستكمل خلال 9 أشهر، بما يلبي تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مدنية مستقلة تحظى بقاعدة واسعة من الشرعية والمساءلة.

 

وبالإضافة إلى الفاشر، تشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب)، منذ أيام، اشتباكات ضارية بين الجيش السوداني والدعم السريع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.

 

وتسيطر الدعم السريع حاليا على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور التي لا تزال في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بينها العاصمة الخرطوم.

وفي ظل تصاعد الصراع المسلح داخل السودان وتزايد التحركات الميدانية قرب حدوده الشمالية، شدد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي على أن أمن مصر القومي وحدودها الجنوبية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، مؤكداً أن بلاده تمتلك القدرة والإرادة لحماية أراضيها من أي تهديد محتمل، وأنها تتابع الأوضاع في السودان بدقة وحذر دون أن تنزلق إلى صراع مباشر، في اشارة على ما يبدو لقوات الدعم السريع التي انتقدت سابقا الدور المصري والدعم المقدم للجيش السوداني ووصل الأمر الى توجيه تهديدات مبطنة.

وقال عبدالعاطي في مقابلة تلفزية لقناة النهار مساء الأربعاء إن القاهرة تتعامل مع التطورات على الحدود بمنتهى الجدية والمسؤولية، موضحاً أن مصر “لن تسمح لأي طرف، أياً كانت طبيعته، بتهديد أمنها أو الاقتراب من حدودها السيادية”. وأضاف أن الجيش المصري يمتلك من الجاهزية والكفاءة ما يكفل حماية حدود الدولة بالكامل، مشيراً إلى أن القوات المسلحة تعمل وفق رؤية شاملة توازن بين ضبط النفس والاستعداد الدائم لأي طارئ.

 

 

وأكد أن العلاقة بين مصر والسودان تتجاوز المفهوم الجغرافي لتصل إلى عمق استراتيجي وتاريخي، معتبراً أن ما يصيب السودان من اضطرابات ينعكس مباشرة على الأمن القومي المصري. وقال إن “الشعبين المصري والسوداني شعب واحد في بلدين، ومصر ترفض تماماً أن تنزلق الأمور في السودان نحو التقسيم أو الفوضى”، مشدداً على أن وحدة الأراضي السودانية قضية وجودية بالنسبة للقاهرة.

وفي رسالة واضحة إلى الأطراف المتحاربة في السودان، أوضح عبدالعاطي أن دعم مصر لمؤسسات الدولة الوطنية السودانية، وعلى رأسها الجيش النظامي، نابع من إيمانها بأن المؤسسة العسكرية هي الضمانة الوحيدة لوحدة البلاد، محذراً من محاولات إنشاء ميليشيات موازية أو كيانات مسلحة خارج إطار الدولة. وأضاف أن أي تفكك في السودان “لن تقف آثاره عند الخرطوم، بل ستمتد إلى دول الجوار كافة”.

وتأتي تصريحات الوزير المصري بعد أسابيع من توتر كلامي غير مباشر بين القاهرة وقوات الدعم السريع، التي ألمحت إلى تورط الطيران المصري في دعم الجيش السوداني، وهي اتهامات نفتها القاهرة ضمناً، معتبرة أن تلك المزاعم تهدف إلى خلط الأوراق وإشعال فتيل مواجهة لا تصب في مصلحة أي طرف.

وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” قد أطلق تهديدات بقصف “دولة مجاورة”، في إشارة فهمت على نطاق واسع بأنها تستهدف مصر، وهو ما أثار قلقاً في الأوساط الإقليمية والدولية من احتمال توسع نطاق الحرب.

ورغم نبرته الحازمة، شدد وزير الخارجية المصري على أن بلاده ما زالت تراهن على المسار السياسي لإنهاء الأزمة السودانية، مشيراً إلى أن “الحل العسكري غير ممكن، وأن استمرار القتال يعني تدمير السودان بالكامل”.

وأوضح أن القاهرة شاركت بفاعلية في إعلان الرباعية (مصر، السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة) الصادر في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي وضع ثلاث أولويات عاجلة: فتح الممرات الإنسانية، وتأمين وصول المساعدات، وتسهيل مهام فرق الإغاثة الدولية.

كما دعا إلى وقف تدفق السلاح إلى السودان عبر الحدود الإقليمية، معتبراً أن “التدخلات الخارجية هي السبب الجوهري في استمرار الأزمة”.

وتواكب التصريحات المصرية مع تحركات أمنية وعسكرية مكثفة على امتداد الشريط الحدودي مع السودان، وسط تقارير عن تعزيزات دفاعية ومراقبة جوية متواصلة. ويؤكد خبراء أن الحدود المصرية – السودانية باتت من أكثر الجبهات حساسية في الوقت الراهن، خصوصاً مع تمدد الفوضى داخل السودان وتزايد نشاط الجماعات المسلحة والمهربين.

ويرى مراقبون أن القاهرة تسعى إلى تحقيق معادلة دقيقة تجمع بين تأمين حدودها بقوة، ودعم الحل السلمي في السودان دون الانخراط في النزاع بشكل مباشر، وهو ما يعكس نهجاً مصرياً حذراً يوازن بين الضرورات الأمنية والمصالح الاستراتيجية.

واختتم عبد العاطي تصريحاته بالتأكيد على أن مصر لن تنجر إلى صراعات داخلية في السودان لكنها ستدافع عن أمنها بكل حزم، لافتاً إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يتابع الملف السوداني بشكل يومي في ضوء “ما يمثله من عمق للأمن القومي المصري والإقليمي”.

وأضاف أن استقرار السودان ليس خياراً سياسياً بل ضرورة وجودية لمصر والمنطقة بأسرها، مشيراً إلى أن بلاده ستواصل جهودها عبر القنوات الدبلوماسية والإقليمية والدولية من أجل وقف القتال والحفاظ على وحدة السودان وسلامة حدوده.

وبعد عامين ونصف العام من القتال الضاري الذي لم يشهد أي تراجع في حدته، يواجه السودان منعطفًا حاسما في الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع. فبعد أن أحكمت الأخيرة سيطرتها الكاملة على إقليم دارفور الشهر الماضي، وجهت تركيزها إلى الشرق، ما يشير إلى عزمها السيطرة على المناطق الجنوبية المنتجة للنفط.

 

كردفان: المنطقة العازلة والهدف الاستراتيجي

 

تشير عمليات النشر الجديدة للأفراد والأسلحة وتصاعد هجمات الطائرات المسيرة من قبل الطرفين إلى أن التركيز الحالي ينصب على كردفان، وهي منطقة تتألف من ثلاث ولايات وتُشكّل عمليًا منطقة عازلة بين معاقل الدعم السريع في دارفور غربًا والمناطق الخاضعة لسيطرة الجيش في الشرق.

 

وبعد السيطرة على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور، بدأت قوات الدعم السريع تحركها شرقًا، مسيطرة أواخر الشهر الماضي على بلدة بارا في شمال كردفان، والتي تُعد حلقة وصل استراتيجية بين دارفور ووسط السودان، وكانت تحت سيطرة الجيش قبل شهرين فقط.

 

ومنذ سيطرة الدعم السريع على بارا، نزح ما يصل إلى 50 ألف شخص من كردفان، وفقًا لإيمي بوب، رئيسة المنظمة الدولية للهجرة. ووصف سكان ناجون مشاهد العنف وإطلاق النار على المدنيين، فيما ذكرت مجموعة “محامو الطوارئ” أن المئات قُتلوا في بارا.

 

ويتجه القتال نحو مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان وإحدى كبريات المدن، حيث أفاد شهود عيان عن حشد الجيش والقوات المتحالفة معه للقوات والعتاد، تزامنًا مع انتشار قوات الدعم السريع شرقًا.

 

كما تحاصر هذه القوات مدينة بابنوسة في غرب كردفان، والتي تضم قاعدة رئيسية للجيش. وفي الجنوب تفرض الدعم السريع ومقاتلون متحالفون معها من الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال مدينتي كادوقلي والدلنج، مع تصاعد في حدة القتال.

 

لا بوادر انفراج

 

بالرغم من القتال المتصاعد، وافقت الدعم السريع على مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمته الولايات المتحدة، والذي جاء بعد احتجاج دولي أثارته روايات عن ارتكابها انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين خلال اجتياحها للفاشر. بينما لم يوافق الجيش حتى الآن على هذا الأمر، رغم أن الهدنة في حال إقرارها ستوفر فرصة حاسمة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية بعد هذه الفترة الطويلة من الصراع.

 

وتنفي الدعم السريع تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر وأماكن أخرى، وتؤكد أنها تحقق في ذلك. وقالت القوات إنها تعتبر “أي منطقة يوجد بها الجيش هدفًا مشروعًا” وإنها ستهاجمه في جميع المناطق، متهمة الجيش بمنع كل محاولات السلام.

 

وتُفاقم الحصارات الوضع الإنساني، حيث قدّر مرصد عالمي لمراقبة الجوع الأسبوع الماضي أن كادوقلي تعاني من المجاعة منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وأن الدلنج قد تكون في حالة مجاعة أيضًا، مما يعكس الأثر الكارثي للتصعيد العسكري.

 

حشد عسكري وتدخلات خارجية

 

تشير المؤشرات إلى حشد عسكري أوسع نطاقًا، حيث تحدثت مصادر عن حصول الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال على أسلحة جديدة عبر جنوب السودان. وفي بورتسودان، العاصمة المؤقتة للجيش، أكد شهود ومصادر عسكرية زيادة في وصول طائرات الشحن التي تحمل شحنات عسكرية، مما يدل على استمرار إمداد طرفي النزاع.

 

وتسببت الحرب، التي اندلعت على خلفية صراع على السلطة، في إراقة دماء على أساس عرقي ودمار هائل ونزوح جماعي، مما جذب قوى أجنبية ويهدد بتقسيم البلاد. واستخدم الطرفان بشكل متزايد غارات الطائرات المسيرة في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين، ومن الأمثلة على ذلك هجوم بطائرات مسيرة في شمال كردفان أسفر عن مقتل 49 شخصًا، بينهم نساء وأطفال، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وفي تلخيص للوضع المتدهور، حذر فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من أن “التطورات على الأرض تشير إلى استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال القتالية، بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة لشعب السودان الذي عانى طويلًا”.

عاجل !!