في ذكرى رحيل الفنان يوسف العاني… نخلة المسرح العراقي التي أثمرت عمراً ووهجاً /بقلم: د. عزيز جبر الساعدي

هيئة التحرير16 نوفمبر 2025آخر تحديث :
في ذكرى رحيل الفنان يوسف العاني… نخلة المسرح العراقي التي أثمرت عمراً ووهجاً /بقلم: د. عزيز جبر الساعدي

في ذاكرة المسرح والدراما العراقية، يحتل اسم يوسف العاني مكانة لا يشغلها سواه. ليس فقط لأنه فنان شامل ومجدد، بل لأنه عاش للفن، ووهب عمره له، كاتباً وممثلاً وموجّهاً، لم يهادن في قناعاته، ولم يساوم في فنه. ظلّ يوسف العاني، رغم كل التحولات، يمثل الضمير الحي لفنّ ملتزم وواعٍ.

نحن جيل محظوظ، لأننا عشنا وتعلمنا من الكبار، والراحل يوسف العاني أحد أعمدة تلك المرحلة التي حفرت بصمتها في تاريخ الفن العراقي. في معهد الفنون الجميلة، كانت له مواقف وآراء حادة أحياناً، عبّر عنها في الصحف، لكنها لم تكن تصدر إلا من محبة عميقة للمكان وتاريخه. دعوتهُ حينها لإلقاء محاضرة في قسم المسرح، فتح لنا باباً جميلاً من الذكريات، وخلق جسراً من التواصل تحول إلى علاقة دافئة استمرت لسنوات، وتُوجت بسلسلة مقالات كتبها في صحيفة الجمهورية عن القسم بعد زيارته، غيّرت فيها وجهة نظره السابقة.

عملت معه في عدد من المسلسلات، من أبرزها “صابر” تأليف عبدالباري العبودي، حيث كان العاني متألقاً في الأداء، هادئاً في التوجيه، وعميقاً في الرؤية. كما كان لقائي المسرحي الأول به في مسرحية “البيك والسائق”، المعرقة عن مسرحية بريشت “بونتيلا وتابعه ماتي”، مع الفرقة القومية للتمثيل دائرة السينماوكان خلالها أباً روحياً لفريق العمل، حاضناً للشباب، معززاً الثقة، مانحاً من تجربته دون حدود.وتكررت التجربة بعملي معه في فرقة مسرح الفن الحديث التي كانت بحق مفخرة بكوادرها واعمالها المتميزة،واخر عمل مسرحي لي مع الفرقة المسرحية التي منعها النظام انذاك ( الجومة)

لم يكن يوسف العاني ممثلاً فقط، بل كاتباً مسرحياً بارعاً، من أبرز أعماله:
– الخرابة
– رأس الشليلة
– الخان
– الجومة
– فلوس الدوه
وغيرها من الأعمال التي حملت نكهة البيئة العراقية، وهموم الإنسان البسيط، وقدّمها بذكاء درامي ساخر أحياناً، وعميق دائماً.
التقينا مجدداً في لجنة المسرح العراقي، حيث مثلتُ معهد الفنون الجميلة، وكان كما عهدته، صوته نابع من القلب، موقفه ثابت، ونقاشه صريح.

في سنواته الأخيرة، احتفلنا به في معهد الفنون الجميلة، وكانت كلمتي له مفعمة بما يستحق، حين شبهته بنخلة عمرها تسعون عاماً، ما تزال تُثمر. وقلت: “في حديقة بيتنا نخلة عمرها تسعون عاماً تعطي كل عام… وتلك النخلة هي يوسف العاني”. دمعت عيناه، وكان ذلك أبلغ امتنان لمحبته وعطائه.
رحل يوسف العاني، لكن صوته باقٍ في المسارح، وصورته لا تفارق الذاكرة، وأعماله تُروى جيلاً بعد جيل. لم يكن فناناً عادياً، بل هو مدرسة كاملة من الوفاء للمسرح، للوطن، وللإنسان.

 

عاجل !!