فرض ترامب رسوما كمركية وانتهى العمل باتفاقية النمو والفرص الأفريقية مما وجه ضربة مزدوجة للمصدرين الأفارقة
بدأت الصين التي تواجه إغلاقا متزايدا في السوق الأميركية بتصدير فائضها الصناعي إلى أفريقيا حيث ارتفعت صادراتها إلى القارة بنسبة 26% الشهر الماضي
أفريقيا في مرمى الخطر وهي معرضة لانقسام القوى الاقتصادية الكبرى لارتباطها الطويل بالشرق والغرب
يرى أبيبي سلاسي مدير إدارة أفريقيا في صندوق النقد، أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تمثل فرصة لأفريقيا لتعزيز التكامل الإقليمي
وكالات / النهار
في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي السنوية في واشنطن، تصدرت قدرة أفريقيا على الصمود أمام الرياح الجيوسياسية القادمة من واشنطن وبكين جدول الأعمال، وسط تحذيرات من “صدمة مزدوجة” تهدد القارة.
ضربة مزدوجة
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما كمركية، وانتهى العمل باتفاقية النمو والفرص الأفريقية (أغوا) في 1 أكتوبر/تشرين الأول، مما وجه ضربة مزدوجة للمصدرين الأفارقة.
في الوقت نفسه، بدأت الصين التي تواجه إغلاقا متزايدا في السوق الأميركية، بتصدير فائضها الصناعي إلى أفريقيا، حيث ارتفعت صادراتها إلى القارة بنسبة 26% الشهر الماضي، بينما انخفضت صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 33%.
انتقد صندوق النقد الدولي كلا من الولايات المتحدة والصين وكندا، مشيرا إلى أن 188 من أصل 191 دولة عضوا فضّلت الاستمرار في التجارة وفق قواعد “الدولة الأكثر تفضيلا”، بدلا من التصعيد الجمركي.
وقدّر صندوق النقد الدولي في 2023 أن الانقسام الكامل قد يكلف أفريقيا خسارة 4% من نموها الاقتصادي، وهي أعلى نسبة بين جميع المناطق.
ورغم ذلك، أظهرت القارة مرونة ملحوظة، ويُعزى ذلك جزئيا إلى ضعف ارتباطها بالسوق الأميركية مقارنة بالصينية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية مع الولايات المتحدة 50.8 مليار دولار حتى يوليو/تموز، مقابل 222 مليار دولار مع الصين حتى أغسطس/آب.
لحظة أفريقية
يرى أبيبي سلاسي، مدير إدارة أفريقيا في صندوق النقد، أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تمثل فرصة لأفريقيا لتعزيز التكامل الإقليمي عبر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
وأشار سلاسي إلى أن التجارة البينية الأفريقية تميل إلى المنتجات المصنعة ذات القيمة المضافة، على عكس التجارة مع العالم التي تركز على الموارد الطبيعية.
المغرب ونيجيريا: نماذج متباينة
المغرب يُعد قصة نجاح، حيث يعزز روابطه الإقليمية بتطوير ميناء الداخلة وتوسيع شبكة النقل الجوي، بحسب وزيرة المالية نادية فتاح العلوي، التي أكدت أن الانفتاح التجاري يتيح الوصول إلى أسواق أكبر وتمويل أوسع، رغم المخاطر المرتبطة بتقلبات الرسوم الجمركية.
أما نيجيريا، فقد استفادت من انخفاض قيمة عملتها “النايرا” بعد تخفيضين متتالين من الرئيس بولا أحمد تينوبو، مما جعل الواردات الصينية أكثر تكلفة، وشجع على الإنتاج المحلي.
وقال محافظ البنك المركزي ييمي كاردوسو، إن نيجيريا بدأت تحقق فائضا تجاريا يُتوقع أن يبلغ نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة إعادة هيكلة اقتصادية شاملة.
دعوة لإصلاح النظام التجاري العالمي
دعت مجموعة الـ24، التي تضم 11 دولة أفريقية، إلى استعادة بيئة تجارية مستقرة وشفافة، محذرة من أن التوترات التجارية وعدم اليقين السياسي يثقلان كاهل الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، ويقيدان النمو بسبب تصاعد المخاطر المالية والديون.
ويسعى رؤساء الدول الأفريقية سعيا حثيثا إلى تسريع تنفيذ اتفاق على مستوى القارة لتعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية بين الدول الأعضاء، وذلك في ظل تزايد المخاوف من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدد من دول المنطقة.
وتشكل قرارات ترامب فرض رسوم جمركية مرتفعة على بعض الدول الأفريقية بنسب مرتفعة –مثل 50% المفروضة على ليسوتو – تهديدا قويا بالقضاء على كثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية، مما يؤثر سلبا على النمو وتقدّم المشاريع الصناعية.
وكانت 49 دولة من أصل 50 هي مجموع الدول الأفريقية البالغ عدد سكانها حوالي 1.4 مليار نسمة، قد صادقت على اتفاقية التجارة القارية، وبدأت رسميا في عمليات المبادلات الاقتصادية سنة 2021.
ورغم توقيع الاتفاق من طرف 49 دولة، فإن الانخراط فيه وترجمته إلى واقع ملموس لا يزال بطيئا، إذ إن أكثر من نصف الدول الأعضاء للقارة لا تتاجر داخل نطاق منظمة التجارة الأفريقية.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن منطقة التجارة الحرة الأفريقية، إذا تم العمل على أجنداتها يمكن أن تزيد الصادرات داخل القارة بنسبة 81%.
ووفقا لأرقام صادرة من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسيم بنك)، فإن التجارة البينية في القارة زادت العام الماضي بنسبة 12.4% لتصل إلى 208 مليارات دولار، الأمر الذي يعطي مؤشرات أولية واضحة على نجاح الرؤية.
مساع وعوائق
وفي تصريح لوكالة رويترز، طالب الأمين العام لمنظمة التجارة الأفريقية وامكيلي ميني بضرورة تسريع إنشاء أنظمة سلاسل القيمة الخاصة بالمنطقة، مشيرا إلى أن تسييس السياسات التجارية، وتصاعد النزاعات القومية أمر غير مسبوق، وله تأثير سلبي بالغ على النظام التجاري المتعدد الأطراف.
تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن منطقة التجارة الحرة الأفريقية، إذا تم العمل على أجنداتها ستزيد الصادرات 81%
وقال ميني إن الحل الأمثل للقارة هو أن تعمل بمفردها، وتستفيد من التجارب السابقة.
وهذا الأسبوع، سيلتقي مسؤولون ماليون من مجموعة الـ20 في دربان تحت رئاسة جنوب أفريقيا، وتتصدّر ملفات التجارة جدول هذه الأعمال.
ورغم الضرورة والحاجة الملحّة لتعزيز التجارة داخل قارة أفريقيا، فإن تسريع وتيرة هذا الهدف تقابله عديد من التحديات، إذ إن 24 دولة أفريقية فقط، من بينها نيجيريا وجنوب أفريقيا، هي التي تتاجر في إطار الاتفاقية حتى الآن.
وقالت رحيمة باكر من مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس” إن تنفيذ اتفاق منظمة التجارة الأفريقية يشهد تذبذبا، مصحوبا بضعف الحوكمة، مما يضيف تعقيدات كبيرة، خاصة في الاقتصادات الصغيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
مشكلة البنية التحتية
وتعتبر إشكالية البنية التحتية من أكبر العوائق التي تقف في وجه التبادل التجاري في القارة، وتقف في وجه تسريع وتيرة النمو الاقتصادي.
ومنذ عام 2020، استثمر البنك الأفريقي للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي بشكل جماعي 65 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية منذ عام 2020، وهو مبلغ لا يكاد يغطي جزءًا من العجز السنوي المقدر بأكثر من 100 مليار دولار.
وفي السياق، نبّه عدد من المسؤولين الاقتصاديين إلى ضرورة بناء جسور قوية بين الدول الأعضاء للقضاء على العوائق والتحديات.
كما دعت بنوك أفريقية إلى الابتعاد عن الدولار الذي يشهد كثيرا من التقلّبات، والتوجه نحو تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية.
وأعلن البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (أفريكسيم بنك) عن إطلاق خط ائتمان متجدّد بقيمة 3 مليارات دولار أميركي لتمكين المشترين في أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي من الحصول على البنزين والديزل، ووقود الطائرات، ومنتجات أخرى من المصافي الأفريقية بسهولة.
ويأتي قرار البنك بفتح خط الائتمان، بعد التأثر السلبي للاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط أو استيراده هذا العام بسبب الانخفاض الحاد في أسعار الخام وارتفاع تكاليف الشحن.
ومنذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي انخفض خام برنت بأكثر من 20% بسبب ديناميات العرض، والمخاوف من تراجع الطلب في حالة نشوب حرب تجارية عالمية.
وقد زاد من التأثر السلبي للاقتصادات المعتمدة على تصدير النفط واستيراده، الارتفاع في تكاليف التأمين على السفن التي تمرّ عن طريق البحر الأحمر، وذلك بعد أن دفعت هجمات الحوثيين الولايات المتحدة إلى شن غارات جوية في اليمن خلال مارس/آذار الماضي، ما رفع تكاليف شحنات الوقود بمئات الآلاف من الدولار.
تسهيلات للقارة
ويتوقع البنك، الذي يتخذ من القاهرة مقرا له، أن يوفر هذا التسهيل تمويلا تجاريا يتراوح بين 10 و14 مليار دولار خلال أول 3 سنوات.
وتوقّع البنك أن يساعد خط الائتمان الجديد في تقليل فاتورة استيراد الوقود السنوية في القارة والتي تبلغ نحو 30 مليار دولار أميركي.
ويعد البرنامج المتجدد لتمويل استيراد النفط في أفريقيا جزءا من جهود البنك الأفريقي للتصدير الهادفة إلى تعزيز قدرات التكرير في القارة الأفريقية.
وسيقوم البنك بالتصديق على خطابات الاعتماد، وإقراض وزارات الطاقة والشركات الحكومية التي تستورد الوقود، كما سيدعم المستثمرين في القطاع الخاص الذين يشترون من المصافي الأفريقية.
وسيكون خط الائتمان أيضا بمثابة اختبار عملي لمنطقة التجارة الحرة في القارة الأفريقية، والتي تهدف إلى تنمية التجارة وزيادة التصنيع في دول المنطقة.
ويرى الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأفريقي خالد بودالي أن إشكالية تمويل الاتحاد الأفريقي من أبرز المعضلات التي تؤثر سلبا على استقلالية قراره في ظل اعتماده الكبير على الجهات المانحة الدولية، كما أن الخطوات التي أقدم عليها الاتحاد للتغلب على هذه المعضلة لم تؤتِ لحد الساعة أكلها بسبب عدم انخراط الدول الأعضاء في تطبيقها.
ويتحدث بودالي بالكثير من التفصيل عن المستويات الثلاثة لتحقيق الشعار الذي رفعته القمة، وهو العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي من خلال التعويضات، وهي الاعتراف القانوني بالجرائم الاستعمارية والتعويض المالي، واستعادة الإرث الثقافي الأفريقي المنهوب وفقا للمعايير القانونية الدولية، والمحاسبة الدولية كآلية للعدالة الجنائية والتاريخية، وأخيرا الأبعاد التشريعية لإدماج العدالة التاريخية في الأطر القانونية الأفريقية.
وشغل خالد بودالي منصب الرئيس السابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الأفريقي منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، قبل أن يسلم المنصب رسميا إلى خلفه لويس شيخ سيسوكو خلال القمة الأفريقية التي عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 15 و16 فبراير/شباط الماضي.
وقد تأسس المجلس في يوليو/تموز 2004 بصفته هيئة استشارية تتألف من مجموعات اجتماعية ومهنية مختلفة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وتتمثل مهمته في منح منظمات المجتمع المدني الأفريقية الفرصة للقيام بدور نشط في تطوير وتنفيذ مبادئ وسياسات وبرامج الاتحاد.
وخلال القمة الأفريقية الأخيرة كان للجزيرة نت حوار مع خالد بودالي قبل أن يسلم المنصب إلى خلفه سيسوكو، وتطرق معه إلى عدد من الملفات الاقتصادية المطروحة على الاتحاد، ومنها اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وسعي الاتحاد الأفريقي لإنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية في ظل هيمنة وكالة التصنيف الغربية.
حذر عدد من المسؤولين في الاتحاد الأفريقي من أن الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية في تمويل الاتحاد يقوّض استقلالية قراره، فما الوضع المالي الحالي للاتحاد؟ وكيف يسعى إلى تقليص الاعتماد على الخارج؟
لطالما شكلت إشكالية التمويل إحدى أهم المعضلات التي تعيق فعالية الاتحاد الأفريقي، إذ يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي تمثل نحو 60% من ميزانيته السنوية.
وقد حذر رئيس المفوضية الأفريقية المنتهية ولايته موسى فكي من أن هذا النمط من التمويل يحد من استقلالية القرار الأفريقي، مما يعزز التبعية للممولين الدوليين.
يعمل الاتحاد على تكثيف جهوده لتنويع مصادر التمويل من خلال تعزيز التعاون مع البنوك الأفريقية، وإنشاء صناديق استثمارية لدعم المشاريع التنموية
وفي هذا السياق، أطلق الاتحاد الأفريقي مبادرات عدة لتعزيز التمويل الذاتي، من أبرزها قرار فرض رسوم بنسبة 0.2% على الواردات القادمة من خارج القارة، وهو القرار الذي تم تبنيه عام 2016 في قمة كيغالي، لكنه لم ينفذ سوى من قبل عدد محدود من الدول.
ويعمل الاتحاد على تكثيف جهوده لتنويع مصادر التمويل من خلال تعزيز التعاون مع البنوك الأفريقية، وإنشاء صناديق استثمارية لدعم المشاريع التنموية.
كما يسعى إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء عبر تشجيع الاستثمارات الأفريقية البينية التي لا تزال ضعيفة مقارنة بالتدفقات الاستثمارية القادمة من الخارج.
ومع تزايد التحديات الاقتصادية العالمية يصبح تحقيق التمويل الذاتي ضرورة إستراتيجية لضمان قدرة الاتحاد على تنفيذ برامجه بعيدا عن الضغوط الخارجية التي قد تؤثر على توجهاته السياسية والاقتصادية.
قلت إن عددا محدودا من الدول الأفريقية فقط هي من التزمت بتنفيذ قرار فرض رسوم على الواردات إلى أفريقيا، كم عدد هذه الدول؟ وما هي؟
المعلومات بهذا الشأن متوفرة، ولكن لا يسمح لنا بالإفصاح عنها حرصا على خصوصية الدول الأعضاء.
كان شعار الدورة الأخيرة لقمة الاتحاد الأفريقي في فبراير/شباط الماضي هو “العدالة للأفارقة وللمنحدرين من أفريقيا عبر التعويضات”، كيف سيمضي الاتحاد الأفريقي عمليا في تحويل هذا الشعار إلى برامج عمل وإجراءات عملية؟
يؤسس الاتحاد الأفريقي مقاربته لتحقيق العدالة التاريخية للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي على مرتكزات قانونية راسخة تستند إلى المبادئ العامة للقانون الدولي، ولا سيما تلك المتعلقة بالمسؤولية الدولية للدول عن الأفعال غير المشروعة.
وفي هذا السياق، يستند الاتحاد إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 60/147 الصادر عام 2005، والذي يؤكد الحق في الإنصاف والجبر للضحايا الذين عانوا من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
كما يعزز مطالبه استنادا إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، والتي تؤكد مسؤولية الدول في معالجة آثار العبودية والاستعمار.
وبناء عليه، يضطلع الاتحاد بتنفيذ إجراءات دبلوماسية وقانونية متعددة الأبعاد، والتي تشمل تقديم طلبات رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية للنظر في مسؤولية الدول الاستعمارية السابقة، وتعويض القارة عن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تكبدتها شعوبها.
ويجري التنسيق بين الأجهزة القانونية للاتحاد الأفريقي -بما في ذلك المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب- من أجل وضع آليات إلزامية لضمان استيفاء هذه المطالب من خلال مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف، مع تفعيل آليات الضغط السياسي والاقتصادي لإجبار الدول المعنية على الامتثال لمبادئ العدالة التاريخية.
وبشأن استعادة الإرث الثقافي المنهوب، يعتمد الاتحاد على المرجعيات القانونية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، والتي تلزم الدول بإعادة الممتلكات الثقافية إلى مالكيها الأصليين، إضافة إلى اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) لعام 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لمنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة.
وفي ضوء ذلك، يجري الاتحاد مشاورات مكثفة مع المنظمات الدولية والإقليمية، كما يعتمد على تقارير لجان الخبراء، لتوثيق وحصر الممتلكات الثقافية الأفريقية المهربة والموجودة في المتاحف والمؤسسات الغربية.
وقد أسفرت الجهود الدبلوماسية والقانونية الأفريقية بالفعل عن إعادة العديد من القطع الأثرية إلى دولها الأصلية، مثل التماثيل البرونزية لدولة بنين التي أعيدت من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
لكن التحدي الرئيسي يكمن في إلزام الدول المستعمرة السابقة بإعادة هذه الممتلكات وفقا لإطار زمني محدد بدلا من الوعود غير الملزمة التي تعتمدها بعض الدول للحفاظ على نفوذها الثقافي على القارة.
ومن ناحية أخرى، يعد تفعيل المساءلة الدولية أداة حيوية لضمان تحقيق العدالة للأفارقة والمنحدرين من أصل أفريقي، ويعمل الاتحاد على إعداد ملفات قانونية متكاملة بالتعاون مع خبراء في القانون الدولي والمحامين الدوليين، لملاحقة الجهات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحقبة الاستعمارية.
التحدي الرئيسي يكمن في إلزام الدول المستعمرة السابقة بإعادة هذه الممتلكات وفقا لإطار زمني محدد بدلا من الوعود غير الملزمة التي تعتمدها بعض الدول للحفاظ على نفوذها الثقافي على القارة
ويتطلع الاتحاد إلى رفع دعاوى قانونية أمام المحاكم الوطنية للدول الاستعمارية السابقة مستندا إلى السوابق القضائية، مثل قضية كينيا ضد المملكة المتحدة، إذ قضت المحكمة العليا البريطانية في عام 2013 بتعويض ضحايا التعذيب خلال فترة الاستعمار البريطاني.
وعلى المستوى المؤسساتي، يعمل الاتحاد الأفريقي على تعزيز اختصاصات المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، بحيث يتم توسيع نطاق صلاحياتها للنظر في الانتهاكات التاريخية، فضلا عن مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات في الجرائم الاستعمارية، وذلك على غرار الإجراءات التي اتخذت سابقا ضد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
كما يحرص الاتحاد على تطوير منظومة قانونية داخلية تكرس مفهوم العدالة التاريخية ضمن التشريعات الوطنية والإقليمية.
وفي هذا السياق، تعمل المفوضية القانونية للاتحاد الأفريقي على إعداد مسودة الميثاق الأفريقي للعدالة التاريخية الذي من شأنه إلزام الدول الأعضاء بتبني سياسات تعويضية للمتضررين من جرائم الاستعمار والعبودية، مع إدراج مواد دستورية وقانونية تعترف بهذه الجرائم وتعزز حق الضحايا في استرجاع حقوقهم.
وعلاوة على ذلك، يتجه الاتحاد إلى إنشاء صندوق العدالة التاريخية والتنمية المستدامة الذي سيمول جزئيا من التعويضات التي يتم تحصيلها من الدول الاستعمارية السابقة، على أن تخصص موارده لدعم مشاريع تنموية في المجتمعات الأكثر تضررا من الممارسات الاستعمارية.
تعمل المفوضية القانونية للاتحاد الأفريقي على إعداد مسودة الميثاق الأفريقي للعدالة التاريخية الذي من شأنه إلزام الدول الأعضاء بتبني سياسات تعويضية للمتضررين من جرائم الاستعمار والعبودية
كما يجري التنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية لإنشاء آلية اقتصادية تعويضية تتمثل في إعفاء بعض الدول الأفريقية من الديون التي تعود جذورها إلى سياسات الاستعمار الاقتصادي، وذلك باعتبار هذه الديون غير مشروعة وفقا لمبدأ “الديون الكريهة” المعتمد في الفقه القانوني الدولي.
تمثل اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (إيه إف سي إف تي إيه) نقطة تحول تاريخية في مسار التكامل الاقتصادي الأفريقي، إذ تعد أكبر منطقة تجارة حرة في العالم من حيث عدد الدول الموقعة، والذي يبلغ 54 دولة.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إيجاد سوق موحدة تضم أكثر من 1.3 مليار نسمة، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 3.4 تريليونات دولار.
ورغم دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2021 فإن تنفيذها الفعلي لا يزال يواجه تحديات هيكلية وإجرائية، إذ لم تصدّق إلا 47 دولة على الاتفاقية، في حين لا يزال عدد من الدول يواجه صعوبات في تكييف أطره التشريعية والجمركية مع متطلباتها.
ويقوم الاتحاد الأفريقي بدور محوري في تسريع تنفيذ هذه الاتفاقية عبر توفير الإطار القانوني والتنظيمي اللازم، إلى جانب تنسيق جهود الدول الأعضاء لحل النزاعات التجارية التي قد تنشأ.
كما أطلقت المفوضية الأفريقية بالتعاون مع البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفركسم بنك) ونظام الدفع والتسوية الأفريقي (بي إيه بي إس إس)، لتسهيل المعاملات المالية عبر الحدود وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.
ومع ذلك، فإن التنفيذ الكامل يظل مرهونا بإرادة سياسية قوية، وتحسين البنية التحتية اللوجستية، وتطوير شبكات النقل والمواصلات التي تمثل عائقا رئيسيا أمام تدفق السلع والخدمات عبر القارة.
هناك نقاش داخل الاتحاد الأفريقي من أجل إطلاق وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني عوض الاعتماد على وكالات التصنيف الائتماني، فلماذا التفكير في مثل هذه الوكالة؟ وكيف ستفيد البيئة الاستثمارية للدول الأفريقية؟
في خطوة تعكس إدراك القارة الأفريقية حتمية امتلاك أدواتها المالية المستقلة يجري النقاش داخل أروقة الاتحاد بشأن إنشاء وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني تهدف إلى توفير تقييم أكثر عدالة وموضوعية للملاءة المالية للدول الأفريقية.
ويأتي هذا التحرك بعد تصاعد الانتقادات الموجهة إلى وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل “موديز” و”ستاندرد آند بورز” و”فيتش”، والتي غالبا ما تمنح الدول الأفريقية تصنيفات منخفضة، مما يزيد تكلفة الاقتراض ويحد من فرص الاستثمار.
إن إنشاء وكالة أفريقية للتصنيف الائتماني سيساهم في تحسين صورة الاقتصادات الأفريقية في الأسواق المالية الدولية، وسيمنح المستثمرين تقييمات أكثر دقة بشأن المخاطر والفرص الاستثمارية داخل القارة.
كما سيعزز ثقة المؤسسات المالية الأفريقية -مثل البنك الأفريقي للتنمية- في تمويل المشاريع الكبرى دون الحاجة للاعتماد على التصنيفات الخارجية التي لا تعكس بالضرورة الواقع الاقتصادي الأفريقي.
لكن نجاح هذه الوكالة يتطلب توافقا سياسيا بين الدول الأعضاء في الاتحاد وإطارا تنظيميا صارما يضمن نزاهتها واستقلاليتها.
جرى إطلاق المنصة الرقمية الأفريقية للاستثمار خلال القمة الأفريقية الأخيرة، فما هي هذه المنصة؟ وما المرجو منها؟
تهدف المنصة الرقمية الأفريقية للاستثمار إلى ربط المستثمرين المحليين والدوليين بالفرص الاستثمارية داخل القارة.
وتمثل هذه المنصة خطوة إستراتيجية لزيادة تدفقات رأس المال إلى أفريقيا، إذ ستوفر معلومات محدثة بشأن المشاريع القابلة للاستثمار واللوائح القانونية والحوافز الضريبية والبنية التحتية المتاحة.
وتعاني أفريقيا من فجوة تمويلية تتجاوز 200 مليار دولار سنويا لتمويل مشاريع البنية التحتية وحدها، وهو ما يجعل هذه المنصة أداة ضرورية لتعزيز الشفافية وتحفيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة والزراعة والتكنولوجيا المالية.
كما ستساهم المنصة في تسريع تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية من خلال توفير بيانات دقيقة عن الأسواق والفرص التجارية، مما يسهل على الشركات الصغيرة والمتوسطة التوسع خارج حدودها الوطنية.