ألوان تسقط من كفّ الفنان والقاص: حين يتحول الألم إلى لوحة سردية قراءة في المجموعة القصصية “ألوان تسقط من كفي” لحميد عمران الشريفي حمدي العطار

هيئة التحرير11 أكتوبر 2025آخر تحديث :
ألوان تسقط من كفّ الفنان والقاص: حين يتحول الألم إلى لوحة سردية قراءة في المجموعة القصصية “ألوان تسقط من كفي” لحميد عمران الشريفي حمدي العطار

ألوان تسقط من كفّ الفنان والقاص: حين يتحول الألم إلى لوحة سردية

قراءة في المجموعة القصصية “ألوان تسقط من كفي” لحميد عمران الشريفي

حمدي العطار

في فضاء السرد العراقي المعاصر، تبرز مجموعة “ألوان تسقط من كفي” للقاص والفنان التشكيلي حميد عمران الشريفي، الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، بوصفها تجربة فنية متكاملة تجمع بين جمال اللغة ودهشة اللون.

تضم المجموعة ستا وعشرين قصة قصيرة تمتاز بمتانتها السردية وعمقها الإنساني، حيث تتلاقى المفارقة مع البوح، والواقعية مع الغرائبية، لتولد نصوصا تتجاوز حدود الحكاية إلى عوالم الفن البصري.

*السرد كلوحة: حضور اللون في بناء الشخصية والمشهد

يمتلك الشريفي حسّا تشكيليا بارزا يظهر في طرائق رسم الشخصيات والمشاعر، إذ يعمد إلى المزج بين الألوان والسوريالية في السرد، فيغدو النص القصصي لوحة متحركة تنبض بالحركة والرمز.

يلاحظ في قصصه ميل واضح إلى التشكيل السردي البصري، خاصة في قصتي “هيئات متسللة” و “ألوان تسقط من كفي”، اللتين تعدان من أبرز محطات المجموعة.

“هيئات متسللة”: الدخان كرمزٍ للذات الممزقة

تبدأ القصة بجملة غريبة تثير فضول القارئ:

“علاجك أن تدخن”.

هذه العبارة تفتح بابا لعالم غرائبي تختلط فيه الهلوسة بالواقع.

يتلقى المريض وصفة نفسية عجيبة، ليبدأ تدخين سجائر تنجب من دخانها كائنات متحولة: حمار، غزال، أخطبوط، ثم الطبيب نفسه.

هذه التحولات تمثل رموزا للضياع والاغتراب والعبث في واقع ينهك الإنسان جسدا وروحا، حتى يصبح الدخان مرآة للذات المنهارة.

وفي النهاية، حين يظهر الطبيب ذاته من بين الدخان، ندرك أن العلاج لم يكن سوى تطهير عبر الألم، وأن القاص يكتب عن صراع الإنسان مع ظله الوجودي.

*”ترنيمة حذاء جائع”: البطولة للأشياء الهامشية

في هذه القصة الطريفة والموجعة في آن واحد، يمنح الشريفي الحياة لحذاء ممزق يتحكم بصاحبه، طالب المدرسة الفقير.

من خلال هذا الحذاء “الجائع”، يصوغ القاص مفارقة إنسانية تجمع بين الواقعية الاجتماعية والرمز الفني، إذ يتحول الفقر إلى طاقة خيال خلاقة.

حينما يحول الطفل علبة أحذية فارغة إلى آلة موسيقية تصدر نغمة تشبه الغناء، نكتشف أن القاص يحتفي بقدرة الإنسان على تحويل النقص إلى إبداع، والوجع إلى نغمة.

*”ألوان تسقط من كفي”: الجرح الذي يرسم الحياة

تحمل القصة الأخيرة عنوان المجموعة، وتتناول حكاية فنان تشكيلي فقد يده اليمنى في تفجير إرهابي، فدرب يده اليسرى على الرسم حتى غدت امتدادا لإلهامه المفقود.

يرى الناقد أن أسلوب الفنان تغير بعد الانعزال، لكن الفنان يصر على أن التغيير ليس في اللون، بل في النظر من عمق الجرح.

يصبح الكف هنا رمزا للرؤية الداخلية، واللون مرآة للروح التي تعيد إنتاج العالم رغم الفقد.

إنها قصة عن الإصرار، والخلق من العدم، والنجاة بالفن من العطب الإنساني.

*تحليل عام: المفارقة بوصفها جماليات الوعي

في مجمل قصص المجموعة، يعتمد الشريفي على المفارقة والتكثيف بوصفهما جوهر الجمال السردي.

تتكرر ثنائية الخيال والواقع في نصوصه لتؤسس سردا رمزيا يتكئ على الرؤية البصرية، وتغدو اللغة ذات بعد تشكيلي أقرب إلى الريشة منها إلى القلم.

إننا أمام تجربة تذيب الحدود بين الأدب والفن، بين القصة واللوحة، في مشروع إبداعي يعبر عن الإنسان العراقي في صراعه مع ذاته ووجوده.

*الخاتمة

تؤكد مجموعة “ألوان تسقط من كفي” أن الفن لا ينفصل عن الحياة، وأن الإبداع يولد غالبا من رحم الألم.

من خلال شخصياته الغريبة وأحداثه المدهشة، يرسم حميد عمران الشريفي عوالم قصصية تفيض رموزا وتأملات، فتسقط الألوان من كفه لا لتختفي، بل لتنبت من جديد على لوحات الذاكرة والسرد.

إنها تجربة قصصية تستحق القراءة والاحتفاء، لأنها تمثل تزاوجا فريدا بين الفن التشكيلي والقصة القصيرة، بين العين والخيال، وبين الجرح والإلهام.

عاجل !!