بوتين : من يرغب في منافستنا عسكريا فله ذلك لن يتأخر الرد على عسكرة أوروبا فالجيش الروسي هو الأكثر جاهزية للقتال في العالم
الاتحاد الأوروبي من خلال البوابة البولندية اختار تصعيد التوتر في علاقاته مع روسيا بدلا من السعي إلى حل دبلوماسي سواء للأزمة الأوكرانية
تحدث بوتين في كلمته عن بولندا بشكل مباشر وتعمّد التذكير بالتاريخ بقوله إنها ارتكبت العديد من الأخطاء قبل الحرب العالمية الثانية ونتيجة لذلك سقطت في فخ العدوان النازي
أخذت الأزمة منعطفها الأخطر على الإطلاق بعد أن وجّهت بولندا ودول أوروبية أخرى اتهامات لروسيا بخرق مجالها الجوي عبر مسيّرات
موسكو / النهار
وسط أجواء التوتر والتصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي إطار مساعيها لتعزيز الجاهزية القتالية، تتواصل في بولندا برامج تدريب المدنيين على القتال وشمولها مدنا جديدة، في حال تعززت الهواجس باحتمال انزلاق الصراع الروسي الأوكراني إلى فتح جبهات جديدة بين روسيا وبلدان الحلف.
وبحسب مراقبين روس، فإن الاتحاد الأوروبي، من خلال البوابة البولندية، اختار تصعيد التوتر في علاقاته مع روسيا بدلا من السعي إلى حل دبلوماسي سواء للأزمة الأوكرانية، أو للتوتر جراء اتهام روسيا بإرسال مسيّرات إلى أجواء عدد من بلدان الحلف، وهو ما نفته موسكو.
وما يعزز من الهواجس الروسية تجاه التحركات البولندية والتصريحات الغربية هو تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين نفسه أمام منتدى “فالداي” للحوار، الذي قال فيه إن “جميع دول حلف الناتو في حالة حرب حاليا مع روسيا”.
وأضاف أن “دور مدربي التحالف لا يقتصر على تدريب القوات الأوكرانية فحسب، بل يشمل أيضا تنفيذ القرارات، ولكن من يرغب في منافستنا عسكريا، فله ذلك، لن يتأخر الرد على عسكرة أوروبا، فالجيش الروسي هو الأكثر جاهزية للقتال في العالم”.
فخ العدوان
وتحدث بوتين في كلمته عن بولندا بشكل مباشر، وتعمّد التذكير بالتاريخ بقوله إنها ارتكبت العديد من الأخطاء قبل الحرب العالمية الثانية، ونتيجة لذلك “سقطت في فخ العدوان النازي”.
في هذه الأجواء، أصدر جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي بيانا حول ما وصفه بـ “استفزاز أوكراني مخطط له”، ذكر فيه أن “مجموعة تخريبية مؤلفة من مقاتلين من جماعات موالية لأوكرانيا تخطط للتسلل إلى بولندا متنكرين في زي قوات الأمن الروسية والبيلاروسية، وبعد اعتقالهم من قبل السلطات البولندية، سيتهم هؤلاء موسكو ومينسك بالتحضير لهجمات على بنى تحتية حيوية، بما في ذلك استخدام طائرات مسيّرة”.
ووفقا لجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، فإن الغرض من هذه العملية هو تأجيج المشاعر المعادية لروسيا داخل حلف الناتو وتصعيد الصراع.
ناقوس خطر
ومنذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، لم يصل منسوب التوتر بين روسيا والغرب إلى حد الحديث بصراحة عن وجود إرهاصات مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين كما هو الحال في الأشهر القليلة الماضية.
وأخذت الأزمة منعطفها الأخطر على الإطلاق بعد أن وجّهت بولندا ودول أوروبية أخرى اتهامات لروسيا بخرق مجالها الجوي عبر مسيّرات، تبعتها إجراءات ذات طابع أمني وعسكري، شملت من بين أمور أخرى الاستعداد لإنشاء ما سمي أوروبيا بـ”جدار المسيّرات”.
واللافت هنا أنه حتى خلال الحرب الباردة، شهد كلا الجانبين عددا من الانتهاكات الأكثر خطورة للمجال الجوي، بعضها أدى إلى إسقاط طائرات تابعة لحلف شمال الأطلسي ومقتل طيارين أميركيين وبريطانيين. لكن هذه الحوادث لم تؤد إلى تهديدات بالحرب، بل إلى محاولات حثيثة لتهدئة التوترات وتطوير سبل لتجنب تكرارها.
الهدف الحقيقي
يعتبر الخبير في الشؤون الأمنية نيكولاي بابكين أن الهدف الحقيقي من “الضجة” التي تثيرها بولندا حول ما تصفها بالاستفزازت الروسية هو التمهيد للاستخدام المباشر لأنظمة الدفاع الجوي من الدول الغربية لحماية أوكرانيا خلال النزاع، كبديل عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة.
ويوضح في تعليق للجزيرة نت بأن القوات الروسية خلقت حالة من التوتر على خط المواجهة لا تستطيع القوات الأوكرانية السيطرة عليها، مما يزيد من احتمال قيام أوكرانيا باستفزازات لإلقاء اللوم على روسيا.
ويتابع بأن الدفاعات الجوية الأوكرانية عاجزة عن مواجهة الهجمات الروسية الضخمة باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ، وبالتالي فإن استخدام موارد الناتو -ليس بمعنى إمدادات الأسلحة بل تحديدا المساعدة العسكرية- لإسقاط أنظمة الدفاع الجوي الروسية هو موضوع ساخن بالنسبة لهم، لا سيما في المناطق الغربية والوسطى من أوكرانيا، حيث تصل إليها بهدوء.
وبرأيه، فإن هذه الخطة تستوجب إيجاد غطاء يبرر قيام حلف الناتو بهذه الخطوة تحت غطاء وجود تهديد مباشر للمنظومة الغربية، أو ضد دولة عضو في الحلف، سيسمح لهم بإدخال أو التهديد بإدخال المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي بشأن الأمن الجماعي.
الخطاب العدواني
لكن الخبير في الشؤون العسكرية ألكسي أرباتوف، يذهب إلى القول بأن احتمال نشوب حرب بين روسيا وأوروبا يصل إلى نسبة 30-35%، وأن هذا الاحتمال يعد مرتفعا جدا بالنسبة للدول أو التحالفات التي تمتلك أسلحة نووية.
وحسب أرباتوف للجزيرة نت، فإن التهديد حقيقي تماما، بما في ذلك بالنظر إلى ما وراء الخطاب العدواني الجديد للرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه روسيا، فضلا عن تصريحات الساسة الأوروبيين.
ويضيف أن محاولات جر بولندا إلى الحرب مع روسيا ليست رغبة كييف أو وارسو، بل هي تعبير عن مصالح الجزء المؤثر في المؤسسة الغربية المسؤول عن الصراع الحالي، لافتا إلى أنه في الأزمة الأوكرانية لا تفعل بولندا سوى تنفيذ الأوامر الغربية.
ورأى الخبير أن الكلمة الأخيرة للرئيس بوتين تحمل بين طياتها وجود معطيات لخوض الحرب، وهو ما يفسر تشديده على الإمكانيات القتالية الهائلة للجيش الروسي واستعداده إلى الذهاب إلى أكثر الخيارات تشددا.
ويلفت أرباتوف إلى تراجع الحديث بشكل ملحوظ عن تسوية سياسية للأزمة بين موسكو وكييف، بعد أن علقت الآمال على ذلك إلى حد كبير بعد عودة دونالد ترامب لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة، وحديثه عن سعية لوقف الحرب، لكن قمة ألاسكا التي جمعته بنظيره الروسي في أواسط أغسطس/آب الماضي أكدت -حسب المتحدث- فشل الجانبين بالتوصل إلى أي اتفاقيات بشأن كيفية إنهاء الحرب.
وفي أقصى شمال غربي بولندا، حيث تتقاطع حدود 3 دول وتختلط ظلال الغابات بصفير الرياح القادمة من الشرق، يمتد شريط ضيق يعرف باسم ممر سوالكي؛ رقعة هادئة ظاهريا، لكنها تحمل في طياتها احتمالات صراع قد يشعل مواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي.
مراسلـة قناة الجزيرة كارمن جوخدار، جابت تلك المساحة الحساسة التي توصف بأنها خاصرة أوروبا الرخوة، لتنقل من هناك نبض المكان وتخوفاته، وتكشف كيف يمكن أن تتحول هذه البقعة الهادئة إلى شرارة حرب كبرى.
على طول نحو 65 كيلومترا، يمتد الممر بين بولندا وليتوانيا، ملاصقا لإقليم كالينينغراد الروسي من جهة، وبيلاروسيا الحليفة لموسكو من الجهة الأخرى.
في هذا المكان، يلتقي الهدوء الريفي بمخاوف إستراتيجية، إذ يخشى الأوروبيون أن تسعى روسيا لربط الإقليم ببيلاروسيا، مما سيعني فعليا فصل دول البلطيق عن بقية أراضي الناتو.
عند الوقوف هناك، تبدو الطبيعة خلابة، فهناك بحيرات صافية وغابات كثيفة وأراضٍ خضراء لا تشي بما تخبئه من توتر، لكن خلف هذا السكون، تدوي ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أيقظت هواجس أوروبا القديمة من عودة شبح التوسع الروسي.
في مشهد آخر، تتبع جوخدار آثار التاريخ المثقل على هذه الأرض التي كانت يوما ما ساحة صراع بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي، قبل أن تستعيدها بولندا بعد الحرب العالمية الثانية.
كريستوفر، أحد مزارعي المنطقة، يحرث أرضه بعينٍ على المحصول وأخرى على الأفق، يقول بصوت يحمل القلق: “منطقتنا من أكثر الأماكن خطورة في بولندا.. نخاف أن تتغير الأمور في أي لحظة، فحين تتحرك روسيا، لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحدث”.
وعلى امتداد الغابات والأنهار، يتردد صدى طلقات الجيش البولندي وحلفائه في الناتو، في تدريبات تحاكي سيناريوهات السيطرة على الممر والدفاع عنه، وتتكثف هذه المناورات عاما بعد عام، كأنها بروفة لحرب لا يريد أحد أن تقع، لكنها تبقى محتملة في أي لحظة.
أما في البلدة الصغيرة التي تحمل اسم الممر، فتتجاور البيوت الخشبية المطلة على البحيرات مع ذكريات موجعة لحروب مضت.
وهناك تجلس آنا، التي عاشت انهيار جدار برلين، وتتحدث بعينين تملؤهما الدهشة والخوف: “كنت أظن أن ذلك الزمن انتهى، لا أريد أن أرى أوروبا تنزلق مرة أخرى إلى الجنون ذاته”.
في المحطة الأخيرة من الرحلة، تصل مراسلة الجزيرة إلى النقطة الحدودية الفاصلة بين بولندا وليتوانيا وبيلاروسيا، حيث تتلاقى الأسوار المعدنية مع أبراج المراقبة وأجهزة الرصد الحديثة.
المكان مغلق أمام المدنيين، لكن المشهد وحده يكفي ليحكي عن الترقب الذي يخيم على القارة، فهذا الممر الصغير، الذي يشق طريقه بين الغابات والأنهار قد يكون في لحظة فاصلة البوابة التي تعيد رسم خريطة أوروبا، أو شرارة تعيد الحرب الباردة بثوب جديد.
وأعلن مكتب الأمن القومي البولندي أن الرئيس كارول نافروتسكي وقع قرارا بإرسال وحدات من الجيش لدعم حرس الحدود في تأمين الحدود مع ألمانيا وليتوانيا، في ظل تمديد العمل بإجراءات الرقابة المؤقتة حتى أبريل/نيسان 2026.
وأوضح المكتب أن الخطوة تهدف إلى ضمان أمن الحدود، في حين قالت الحكومة إن الهدف الرئيسي هو الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر الأراضي البولندية نحو دول الاتحاد الأوروبي.
استنفار وتدريبات
في غضون ذلك، أعلن الجيش البولندي أن بلاده تعمل على زيادة مشاركتها في تدريبات حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مشيرًا إلى أن الهدف من ذلك هو رفع الجاهزية القتالية وتعزيز قابلية التشغيل البيني مع الحلفاء.
وأكد الجيش أن أولويات المرحلة المقبلة تتمثل في تعزيز صلابة المقاتلين وقدرتهم على العمل تحت الضغط، في حين قال حلف الناتو إن عددًا من قدامى محاربي الجيش الأوكراني يشاركون في تدريب القوات المتمركزة في بولندا على استخدام الطائرات المسيّرة.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه التوترات بين روسيا والحلف بعد سلسلة من الحوادث الجوية التي شهدتها الأشهر الأخيرة، بينها اختراق طائرات مجهولة المجال الجوي البولندي قرب الحدود الشرقية.
وفي السياق ذاته، أعلنت الشرطة البولندية أن وحدات متخصصة نفذت تدريبا مشتركًا في مدينة نوفي تارج جنوب البلاد لتعزيز التنسيق والاستجابة في حالات الطوارئ.
وقالت الشرطة إن المناورات شملت عمليات إنزال وإجلاء للمصابين، ومحاكاة مهام إنقاذ في بيئات صعبة، مضيفة أن هذه التدريبات تأتي في ظل استنفار أمني متزايد بعد حوادث متكررة مرتبطة بالمجال الجوي.
تأتي هذه التحركات في وقت تتزايد فيه المخاوف الأمنية في أوروبا الشرقية، حيث تتهم وارسو موسكو بانتهاك أجوائها بطائرات مسيّرة وصواريخ طائشة خلال الحرب في أوكرانيا.
وبينما تسعى بولندا -العضو في حلف الناتو- إلى تعزيز وجودها العسكري على الحدود الشرقية تحسبًا لأي تصعيد محتمل، يؤكد مسؤولون بولنديون أن بلادهم أصبحت خط الدفاع الأول للحلف في مواجهة روسيا.
كما نقلت مجلة دير شبيغل اليوم الجمعة عن مصادر أمنية أن السلطات الألمانية تشتبه في احتمال استخدام سفن شحن مرتبطة بروسيا للتحكم بطائرات بدون طيار اخترقت مؤخرا أجواء ألمانيا وعدد من الدول في الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي.
وأشارت المصادر إلى أن سلوك إحدى السفن، إلى جانب بيانات موقعها وبنيتها التقنية، تثير الاشتباه بوجود علاقة مباشرة بينها وبين تشغيل أو توجيه طائرات مسيّرة في المجال الأوروبي.
يأتي ذلك في حين أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تراقب عن كثب ما وصفها بـ”عسكرة أوروبا”، مشيرا إلى أن الرد الروسي سيكون سريعا.
وأضاف بوتين -في الجلسة العامة لنادي فالداي للحوار- أنه في حال وجود أي تهديد ستتخذ موسكو إجراءات الرد، لافتا إلى أن روسيا سبق وأثبتت قدرتها على الرد السريع أمام أي تهديد لأمنها وسيادتها.
اختراق جديد
من ناحية أخرى، أعلن وزير الدفاع البلجيكي ثيو فرانكن اليوم أن مسيّرات حلقت فوق معسكر تدريب شرقي البلاد قرب الحدود الألمانية، مؤكدا أنه يجهل عددها أو مصدرها.
وقال الوزير لقناة “آر تي بي إف” (RTBF) التلفزيونية “المؤكد هو أن الشرطة المحلية رصدت عدة مسيّرات على الجانبين البلجيكي والألماني”، مشيرا إلى أنه تم فتح تحقيق.
وذكرت متحدثة باسم وزير الدفاع البلجيكي أن هذه المسيرات حلّقت فوق معسكر إلسنبورن الواقع قرب الحدود مع ألمانيا
وأضافت “نتحقق من الأمر وندرس ملابساته لكن في هذه المرحلة لا تفاصيل إضافية”.
ويأتي هذا الحادث في أعقاب عدة طلعات لمسيرات نُسبت إلى روسيا في سماء أوروبا وتحليق مسيرات غامضة في سماء الدانمارك نهاية سبتمبر/أيلول الماضي قبل قمتين لقادة أوروبيين.
وفي وقت سابق أعلنت الشرطة الاتحادية الألمانية استئناف العمل في مطار ميونخ جنوبي البلاد بعد تعطل كامل في الملاحة الجوية طوال الليل إثر رصد عدد من الطائرات المسيّرة.
وكانت سلطات المطار قد أفادت بأن الإغلاق أدى إلى منع إقلاع 17 رحلة، مما أثر على نحو 3 آلاف مسافر كانوا يستعدون للمغادرة.
ورُصد تحليق طائرات مسيّرة في محيط المطار، مما دفع هيئة مراقبة الطيران الألمانية إلى إغلاق مدارج الإقلاع والهبوط كإجراء احترازي.
وقال وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت إن ألمانيا بحاجة إلى إيجاد ردود جديدة على ما سماه “التهديد المستهجن”، بما في ذلك إسقاط الطائرات المسيّرة.
وقد علقت مطارات في الدانمارك والنرويج وبولندا رحلاتها مؤخرا بسبب تحليق طائرات مسيّرة مجهولة الهوية.
وقد رفضت روسيا الاتهامات التي وجهتها لها رومانيا وإستونيا بالوقوف وراء هذه الحوادث.