تخطّي قبل أن تتخلّي… وانثري وردًا أبيض على قبر الذكري
ريهام طارق
عليكِ أن تتخطّي قبل أن تتخلّي،
فإن قرّرتِ الرحيل، انفضي عن قلبكِ غبار وجودهم،
اكسري القيود التي كبّلوكِ بها،
أغلقي كل الأبواب والنوافذ،
ولا تتركي ثغرةً تسمح لهم بالعودة.
وحين تعبرين جسر الألم،
احملي ماضيهم في كفنٍ أبيض،
وادفني معه أسماءهم، ملامحهم، كلماتهم، ووعودهم الكاذبة..
اعلني عن موعد جنازةٍ تليق بذكراهم
وأنت شامخةً، مكلَّلة بالكبرياء،
وخذي عزاءهم بكرامةٍ النبلاء.
وانثري على قبورهم باقةً من الورد الأبيض
وردات تشبه نقاء قلبكِ.
ولا بأس أن تبكي، تتألّمي، أو تصرخي وجعًا على فقيدٍ كان يومًا عزيزًا.
وبعد انقضاء أيّام الحِداد،
انزعي عنكِ ثوب الحزن،
واهمسي لقلبكِ قائلةً:
«من اليوم أنتَ حرّ… افعل ما يحلو لك يا صغيري».
دعيه يهدأ ويستريح من عناء سنوات طوال.
أطلقي كل ما في داخلكِ بلا خوف،
ولا تسمحي للرهبة أن تُقيّدكِ بعد الآن.
وإن مرّت صورتهم أمام عينيكِ، أو لامسكِ الحنين لهم،
فلا تغضبي فهم الآن لا حول لهم ولا قوّة.
استغفري لهم عن كل ألمٍ تسببوا به،
عسى أن يغفر الله لهم ويرحم ضعفهم الآن.
ارتاحي، وخذي نفسًا عميقًا
واحمدي الله أنكِ ما زلتِ على قيد الحياة،
وأن قلبكِ يقفز فرحًا لأن الله بعث له طوق النجاة .
لقد أيقظكِ الله من غفوتكِ ليمنحكِ بدايةً جديدة.
ابدئي يا صغيرتي من نقطة النهاية، مرفوعة الرأس،
وعيناكِ تلمعان كأنهما مرآةٌ للشمس،
وأنتِ تبنين حياتكِ المهدّمة حجرًا فوق حجر.
رتّبي أوراقكِ المبعثرة،
وافتحي أوّل صفحة فيها، واكتبي فيها صكّ اتفاقٍ بينكِ وبين نفسكِ:
أنكِ لن تسمحي لشيء أن يؤذيكِ بعد اليوم،
ولن تفتحي قلبكِ لمن يُبكي عينيكِ،
وتقطعين كل خيطٍ يربطكِ بمن كان سبب كسركِ،
وتمنحين روحكِ فرحًا، وتزرعين على دربكِ أملًا.
وتذكّري دائمًا:
ليس بالضرورة أن يكون ما يُجمّل حياتكِ حبًّا جديدًا،
الأهم أن تمتلكي رصيدًا من الحبّ لنفسكِ أولًا،
ثم ستقع عيناكِ على من يستحق قلبكِ.
تذكّري أيضًا:
أنتِ لستِ ضحية الهزيمة، بل ابنة النجاة.
ما رحل عنكِ كان وهمًا، وما بقي هو الحقيقة.
أنتِ مقاتلةٌ تصنع من جرحها سيفًا،
ومن بريق دموعها نصرًا.
امرأةٌ جريئة لا تنحني،
نهضت لتُثبت أن القوة خُلقت على هيئتها.
كلما ظنّ العالم أنه قادر على هزيمتها،
نهضت من جديد لتنتصر.
فامضِ، ولا تخجلي من ندوبكِ الصغيرة،
فأنتِ بدايةٌ لا تُمحى،
وذكرى لا تُنسى.