المعاناة  في الواقع  المستحيل في المجموعة القصصية ( حقيبة الأمنيات ) محمد جبر حسن | قراءة |    جمعة عبدالله

هيئة التحرير1 أكتوبر 2025آخر تحديث :
المعاناة  في الواقع  المستحيل في المجموعة القصصية ( حقيبة الأمنيات ) محمد جبر حسن | قراءة |    جمعة عبدالله

تتناول هذه المجموعة القصصية , عوالم مختلفة ومتناقضة في نفس الوقت , تسلط الضوء على عوالم العتمة في واقع هش وجاف  , تنبت فيه  ثعابين الهواجس القلق والاحباط  , تصب مجاريها  في معاناة الإنسان وحرمانه من تحقيق  الأمنيات التي يتطلع اليها  ,  أو التي تلهب في داخل شعور الذات  , في  واقع غير عادل في معاييره وموازينه , السرد  يملك رؤية  في المعنى والرمز الدال في مدلولاته  , في حكايات ذات إيقاع في مفردات الوجود , التي فقدت بوصلتها  , ووضعت  الإنسان في مهب الريح , ان يغوص في الفانتازيا الواقع , أو يصارع  عوالم كافكا في تهميش الانسان ,  وجعل حياته هامشية في الخيبة والانهزام ,  والمجموعة القصصية تدخلنا بمفهود السرد الواسع في تناوله وطرحه , يتجاوز الحكايات التقليدية , تخلق  في طياتها ابتكار في صياغة  الشكل والمضمون ,تصاحبها رؤية فكرية دالة ,  تحركها وتسيرها  في المعنى والمغزى  , والتي  تناقش ذهنية القارئ , في التفكير والتأمل , في مسألة في غاية الاهمية , هي  محاصرة الانسان في شرنقة ضيقة جداً , وتصبح الامنيات بحكم المستحيل , أو تلعب بها الريح من كل جانب وصوب  , رغم ان الحقيبة مليئة بالامنيات والطموحات , وان مفهوم الحقيبة  يعني الانسان مهما كان مسحوقاً ومعدماً في شظف العيش لايخلو من الامنيات  بالجملة , لكنها  تجد جداراً مانعاً لا يسمح بعبورها  , يعني  روحية الإنسان تعيش على الامل المعلق  , رغم انه يغوص في الاحباط  الاحباط  والخيبة ,  ويجد نفسه يغوص في العجز والفشل , إزاء متغيرات التي  تخلقها الحروب العبثية والإرهاب الشمولي   (  أن للحيطان أذان ) ويمكن ان تكون جريمة يفقد الانسان حياته , اذا اخترق هذه الحواجز  , أو أنه بلا شك  يضيع في زنازين الموت , هذه المأساة الوجودية ,  التي تتناولها بعمق هذه   النصوص السردية , وهي  تتناول مسائل جوهرية في الحياة والوجود , والامنيات لا تجد موضع قدم , في واقع يتاجر في التناقضات الصارخة  , لا يمكن للمرء مجاراتها . في واقع فانتازي  او كافكاوي , يتناول الكاتب في صدق إحساسه دون مجاملة , في هذه العناوين أو الأشياء في  حياة الإنسان ,  أو في  قطار العمر في السيرة الذاتية  , للذين رحلوا , وظلوا أحياء  في عقولنا وقلوبنا .الى الذين اخذوا قلوبنا وتركوا فينا الشوق والذكريات . كما جاء في الإهداء . يعني نحن في حكايات واقعية  في واقع فنتازي ,  يختلط فيه الخيال والواقع ,  الوعي واللاوعي ,  البراعة في السرد هي  تلقائية المنسابة المتدفقة ,   ولغتها الشفافة والسلسة , بحيث تجعل القارئ يعيد قراءتها مرات ومرات دون أن يشعر بالملل , بل يشعر بتعاطف الشديد ,  وحزن ووجع لهذه الشخوص المسحوقة من الأرض والسماء , تتوجع في ألم  من الاخفاقات في تحقيق  الأمنيات ,  التي دخلت في شرنقة  المستحيل , بل تغرق في بحر الحياة الهائج  و المتلاطم  حتى تتفتت , في وطن تحول الى صحراء تذر فيه الرمال , و تربته  غير صالحة للأمنيات … نوجز بعض أبعاد الرموز الدالة  في بعض النصوص القصصية, رغم أن المجموعة القصصية ,  احتوت على 45 نصاً سردياً  على صفحات 199 صفحة . وكل نص يحمل دلالات رمزية عميقة :

1 – نص : حقيبة الامنيات .

الذي يحمل عنوان المجموعة القصصية . يدل  أنه لايمكن تحقيق الأمنيات في أرض صحراء قاحلة ارضها رملية لا ينبت فيها عشب الامنيات , بل هي في حكم المستحيل , رغم انها حقيبة يعني عدد غير محدود من الأمنيات , لكنها  تبقى مغلقة في واقع هش ,  وحياة هامشية لحياة المسحوقين . منسيون من الأرض والسماء رغم كدحهم ومعاناتهم القاسية , مثل هذا الرجل الخمسيني البائس والمحروم ( سعيد ) هذا التناقض الصارخ بين اسمه وحياته الشقية والجافة التي يتجرع سقمها كل يوم  , يسكن في غرفة في فندق قديم متهالك , لا تدخله الشمس , إلا من خلال ثقوب شباك النافذة , يعاني لقمة العيش المر , فقد قدمه اليمنى جراء انفجار لغم في حروب الوطن العبثية , يحمل حقيبة الأمنيات  أينما ذهب , يعاقر  الخمرة ليواسي    معاناته القاسية , وعندما فقدت الحقيبة , شعر أن حياته انتهت  , ولم يعد له قيمة وجودية , فأنهى حياته بالانتحار , يعني الانسان بلا أمنيات موت بطيء  وفعلي .

2-  نص : حارس الأرواح المنسية .

وطئت قدميه في أرض الغربة , رجل خمسيني حمل العراق معه بالذكريات  والصور الحياتية العالقة في ذهنه , يعتمد في حياته على راتب الرعاية الاجتماعية , ولكن طلب منه أن يعمل في المقبرة في صيانة قبور الموتى  لكنه اصطدم بالمفاجأة بأن بعض القبور تحمل أسماء  موتى عراقيون ومنهم صديقه العزيز ابن محلته , فعمل على صيانة هذه القبور ووضع الزهور حولها وتنظيفها  , كأنه واجب اخلاقي تجاه أبناء الوطن المغتربين , وسمي حارس الارواح المنسية حتى موته .

3 – نص : هدايا

انطفأت الأنوار وخففت ضوء الشموع , وغادر المدعوين الى الاحتفال بعيد الميلاد , وتركوا بقاياهم مكدسة في الصالة , بقايا الطعام والحلوى والمعجنات , والصحون , شعر بالتعب واخذ غفوة من النوم ,  تراءى له ضوء ينبثق من خلف ستارة النافذة , وكانت المفاجأة , راى وجه ابيه مبتسماً يتوجه اليه وهو يقدم ساعته اليدوية ويقول له ( هذه هديتي لك ) وبعدها تتقدم امه وهي تنزع من قلادتها ذات ثماني عشرة ليرة ذهبية , وتقدم له ليرة ذهبية واحدة وتقول له ( هذه هديتي لك ) يعني الذين رحلوا وأحدثوا شرحاً من الشوق والحنان  في القلب , يظلون حاضرون في كل مناسبة .

4 – نص : غربة أخرى .

وهي ترمز الى الذين قدموا عصارة جهدهم للوطن ورحلوا  , ولكنهم وكرموا في اقامة نصب تذكاري  لهم , ومنهم الشاعر ( بدر شاكر السياب ) لينزل من تمثاله ليتفقد أحوال الوطن والبصرة  والناس بعد غيابه الطويل , ويأخذ سيارة تاكسي ويتجول في مدينته البصرة , يصطدم كأنه في مدينة غريبة عنه ,  ومكان غريب لم يألفه في حياته السابقة  , ويتساءل أين البصرة والعشار والشناشيل ؟ لماذا تمتلئ الشوارع والطرقات , باللافتات السوداء وصور الشهداء  المعلقة في كل زاوية , اين استشهدوا ؟ ولماذا هذه  الأعلام الملونة  الكثيرة , اين علم العراق ؟, ولماذا هذه البنايات الإسمنتية , أين النخيل , ولماذا ولماذا ولماذا ؟؟؟؟ يشعر بالحزن والجزع من الأهوال التي شاهدها , وما  آلت إليها البصرة والعراق , ويعطي للسائق السيارة ورقة فيها ابيات شعرية بدلاً عن الأجرة  . يقول فيها :

إني لأعجب  كيف يمكن أن يخون الخائنون

أيخون إنسان بلاده ؟

إن خان معنى ان يكون

فكيف يمكن أن يكون ؟

الشمس اجمل في بلادي من سواها , والظلام

حتى الظلام هناك أجمل

فهو يحتضن العراق .

5 -نص : اكتشاف

منذ فترة ليست بالقليلة , لكنه لم يعرف مدتها بالضبط , عندما يقوم من نومه في كل صباح , يشعر أن بعض اغراض البيت البسيطة ورخيصة الثمن تختفي , ولكن بمرور الايام اخذت اغراض البيت تختفي اكثر , حتى وصل الأمر بالأشياء الثمينة وباهظة الثمن , بدأ الخوف والهلع يدخل قلبه وهواجسه , حتى وصلت الامور  , بأن غرفة النوم سرقت او اختفت بالكامل , حتى زوجته اختفت , وكانت نائمة في نفس السرير معه  , وتناهى اليه صوت زوجته تدعوه إلى الاقتراب منها , وحين اقترب واشارت الى اطار الصورة القديمة , وحين تطلع فيها ,  وجد فيها فراغاً سحيقة ليس لها نهاية !! يعني السرقة تبدأ بأشياء صغيرة لا تثير الانتباه , أو لم نعير لها اهمية حتى تكبر حتى تنهب البيوت والاوطان .

6 – نص : فم مغلق .

تعود ان يبتعد عن جميع الناس ,  وينزوي في عزلة تامة عن الكل , ان يعيش وحده لا يتكلم قط , مهما كانت الاسباب  , يلوذ بالصمت والسكوت التام , مسترشداً بتعاليم والديه : ( -اسكت … كلامك ليس هذا وقته ) او ( اسكت كلامك ليس محله …….. اسكت لا تتكلم حتى لا يأخذك زوار الفجر يأخذوننا معك ……. أسكت إن للحيطان آذان  …… اسكت …  اسكت ) , حتى الرعب والخوف دخل قلبه وعقله, ويلوذ بالصمت كأنه اخرس , ولكن بعد سنوات وجدوا اسمه في سجلات احدى الدوائر الامنية . هذا يدل عن حجم إرهاب الدولة .

7 – نص : قادم الأيام

منذ طفولته وهو يرى أمه تبكي على كل شيء الصغيرة والكبيرة , كأنها رضعت من البكاء والدموع ,  منذ طفولتها وكبرت معها بالحزن والدموع , ومثل الامهات المتشحات بالثياب السوداء  ,ولا تبدلها مهما  كأن الزمن , وحين سألها مرة عن سبب هذا البكاء الدائم في تساقط الدموع , قالت له بحزن ( – اخاف عليك وعلى اخوتك في قادم الايام ) لم يفهم معنى عبارتها, ولكن زاد بكائها  وحزنها اكثر ,  عندما زادت النعوش القرابين للوطن  , وادرك معنى الحزن والدموع , حين جلبوا جثمان شقيقه ملفوفاً بالعلم العراقي ذو النجمات الثلاث, عرف لماذا تخاف أمه عليهم في قادم الأيام , هذا الحزن العراقي نتيجة ويلات الحروب التي لم تتوقف في تاريخ العراق منذ الازل .

8 – نص :  الصوت .

وقع في حيرة عويصة , واخذت تنتابه الوساوس الخطيرة  , بظنونه بأنه يشك  بزوجته , انها  تخونه وان اولاده الاربع ليس منه , نتيجة الفحص والتحليل , بأنه مريض لا يمكن أن ينجب اطفال , وبدفع من أهله , بان يقدم  على قتلها بدون تردد ,  لانها تخونه , وان شرفه ملطخ بالعار له والى عائلته , ويدفعونه  ان يغسل العار بدمها ( أقتلها … أقتلها .. سوف لا يلومك أحد , الكل يعلم بخيانتها إلا أنت ) وذهب الى المستشفى مرة اخرى , حتى يتأكد من  نتيجة الفحص والتحليل  لتكون حجة رسمية في يدييه حين يشرع بقتلها  , وعندما وصل الى المستشفى اخبره الموظف المختص , بأنه أخذ نتيجة فحص وتحليل شخص آخر  خطأ , نتيجة تشابه الأسماء , وأعطاه نتيجة الفحص والتحليل , بأنه سليم ليس لديه مرض . يعني في التسرع ندامة .

عاجل !!