تتناول هذه المجموعة القصصية , عوالم مختلفة ومتناقضة في نفس الوقت , تسلط الضوء على عوالم العتمة في واقع هش وجاف , تنبت فيه ثعابين الهواجس القلق والاحباط , تصب مجاريها في معاناة الإنسان وحرمانه من تحقيق الأمنيات التي يتطلع اليها , أو التي تلهب في داخل شعور الذات , في واقع غير عادل في معاييره وموازينه , السرد يملك رؤية في المعنى والرمز الدال في مدلولاته , في حكايات ذات إيقاع في مفردات الوجود , التي فقدت بوصلتها , ووضعت الإنسان في مهب الريح , ان يغوص في الفانتازيا الواقع , أو يصارع عوالم كافكا في تهميش الانسان , وجعل حياته هامشية في الخيبة والانهزام , والمجموعة القصصية تدخلنا بمفهود السرد الواسع في تناوله وطرحه , يتجاوز الحكايات التقليدية , تخلق في طياتها ابتكار في صياغة الشكل والمضمون ,تصاحبها رؤية فكرية دالة , تحركها وتسيرها في المعنى والمغزى , والتي تناقش ذهنية القارئ , في التفكير والتأمل , في مسألة في غاية الاهمية , هي محاصرة الانسان في شرنقة ضيقة جداً , وتصبح الامنيات بحكم المستحيل , أو تلعب بها الريح من كل جانب وصوب , رغم ان الحقيبة مليئة بالامنيات والطموحات , وان مفهوم الحقيبة يعني الانسان مهما كان مسحوقاً ومعدماً في شظف العيش لايخلو من الامنيات بالجملة , لكنها تجد جداراً مانعاً لا يسمح بعبورها , يعني روحية الإنسان تعيش على الامل المعلق , رغم انه يغوص في الاحباط الاحباط والخيبة , ويجد نفسه يغوص في العجز والفشل , إزاء متغيرات التي تخلقها الحروب العبثية والإرهاب الشمولي ( أن للحيطان أذان ) ويمكن ان تكون جريمة يفقد الانسان حياته , اذا اخترق هذه الحواجز , أو أنه بلا شك يضيع في زنازين الموت , هذه المأساة الوجودية , التي تتناولها بعمق هذه النصوص السردية , وهي تتناول مسائل جوهرية في الحياة والوجود , والامنيات لا تجد موضع قدم , في واقع يتاجر في التناقضات الصارخة , لا يمكن للمرء مجاراتها . في واقع فانتازي او كافكاوي , يتناول الكاتب في صدق إحساسه دون مجاملة , في هذه العناوين أو الأشياء في حياة الإنسان , أو في قطار العمر في السيرة الذاتية , للذين رحلوا , وظلوا أحياء في عقولنا وقلوبنا .الى الذين اخذوا قلوبنا وتركوا فينا الشوق والذكريات . كما جاء في الإهداء . يعني نحن في حكايات واقعية في واقع فنتازي , يختلط فيه الخيال والواقع , الوعي واللاوعي , البراعة في السرد هي تلقائية المنسابة المتدفقة , ولغتها الشفافة والسلسة , بحيث تجعل القارئ يعيد قراءتها مرات ومرات دون أن يشعر بالملل , بل يشعر بتعاطف الشديد , وحزن ووجع لهذه الشخوص المسحوقة من الأرض والسماء , تتوجع في ألم من الاخفاقات في تحقيق الأمنيات , التي دخلت في شرنقة المستحيل , بل تغرق في بحر الحياة الهائج و المتلاطم حتى تتفتت , في وطن تحول الى صحراء تذر فيه الرمال , و تربته غير صالحة للأمنيات … نوجز بعض أبعاد الرموز الدالة في بعض النصوص القصصية, رغم أن المجموعة القصصية , احتوت على 45 نصاً سردياً على صفحات 199 صفحة . وكل نص يحمل دلالات رمزية عميقة :
1 – نص : حقيبة الامنيات .
الذي يحمل عنوان المجموعة القصصية . يدل أنه لايمكن تحقيق الأمنيات في أرض صحراء قاحلة ارضها رملية لا ينبت فيها عشب الامنيات , بل هي في حكم المستحيل , رغم انها حقيبة يعني عدد غير محدود من الأمنيات , لكنها تبقى مغلقة في واقع هش , وحياة هامشية لحياة المسحوقين . منسيون من الأرض والسماء رغم كدحهم ومعاناتهم القاسية , مثل هذا الرجل الخمسيني البائس والمحروم ( سعيد ) هذا التناقض الصارخ بين اسمه وحياته الشقية والجافة التي يتجرع سقمها كل يوم , يسكن في غرفة في فندق قديم متهالك , لا تدخله الشمس , إلا من خلال ثقوب شباك النافذة , يعاني لقمة العيش المر , فقد قدمه اليمنى جراء انفجار لغم في حروب الوطن العبثية , يحمل حقيبة الأمنيات أينما ذهب , يعاقر الخمرة ليواسي معاناته القاسية , وعندما فقدت الحقيبة , شعر أن حياته انتهت , ولم يعد له قيمة وجودية , فأنهى حياته بالانتحار , يعني الانسان بلا أمنيات موت بطيء وفعلي .
2- نص : حارس الأرواح المنسية .
وطئت قدميه في أرض الغربة , رجل خمسيني حمل العراق معه بالذكريات والصور الحياتية العالقة في ذهنه , يعتمد في حياته على راتب الرعاية الاجتماعية , ولكن طلب منه أن يعمل في المقبرة في صيانة قبور الموتى لكنه اصطدم بالمفاجأة بأن بعض القبور تحمل أسماء موتى عراقيون ومنهم صديقه العزيز ابن محلته , فعمل على صيانة هذه القبور ووضع الزهور حولها وتنظيفها , كأنه واجب اخلاقي تجاه أبناء الوطن المغتربين , وسمي حارس الارواح المنسية حتى موته .
3 – نص : هدايا
انطفأت الأنوار وخففت ضوء الشموع , وغادر المدعوين الى الاحتفال بعيد الميلاد , وتركوا بقاياهم مكدسة في الصالة , بقايا الطعام والحلوى والمعجنات , والصحون , شعر بالتعب واخذ غفوة من النوم , تراءى له ضوء ينبثق من خلف ستارة النافذة , وكانت المفاجأة , راى وجه ابيه مبتسماً يتوجه اليه وهو يقدم ساعته اليدوية ويقول له ( هذه هديتي لك ) وبعدها تتقدم امه وهي تنزع من قلادتها ذات ثماني عشرة ليرة ذهبية , وتقدم له ليرة ذهبية واحدة وتقول له ( هذه هديتي لك ) يعني الذين رحلوا وأحدثوا شرحاً من الشوق والحنان في القلب , يظلون حاضرون في كل مناسبة .
4 – نص : غربة أخرى .
وهي ترمز الى الذين قدموا عصارة جهدهم للوطن ورحلوا , ولكنهم وكرموا في اقامة نصب تذكاري لهم , ومنهم الشاعر ( بدر شاكر السياب ) لينزل من تمثاله ليتفقد أحوال الوطن والبصرة والناس بعد غيابه الطويل , ويأخذ سيارة تاكسي ويتجول في مدينته البصرة , يصطدم كأنه في مدينة غريبة عنه , ومكان غريب لم يألفه في حياته السابقة , ويتساءل أين البصرة والعشار والشناشيل ؟ لماذا تمتلئ الشوارع والطرقات , باللافتات السوداء وصور الشهداء المعلقة في كل زاوية , اين استشهدوا ؟ ولماذا هذه الأعلام الملونة الكثيرة , اين علم العراق ؟, ولماذا هذه البنايات الإسمنتية , أين النخيل , ولماذا ولماذا ولماذا ؟؟؟؟ يشعر بالحزن والجزع من الأهوال التي شاهدها , وما آلت إليها البصرة والعراق , ويعطي للسائق السيارة ورقة فيها ابيات شعرية بدلاً عن الأجرة . يقول فيها :
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده ؟
إن خان معنى ان يكون
فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس اجمل في بلادي من سواها , والظلام
حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق .
5 -نص : اكتشاف
منذ فترة ليست بالقليلة , لكنه لم يعرف مدتها بالضبط , عندما يقوم من نومه في كل صباح , يشعر أن بعض اغراض البيت البسيطة ورخيصة الثمن تختفي , ولكن بمرور الايام اخذت اغراض البيت تختفي اكثر , حتى وصل الأمر بالأشياء الثمينة وباهظة الثمن , بدأ الخوف والهلع يدخل قلبه وهواجسه , حتى وصلت الامور , بأن غرفة النوم سرقت او اختفت بالكامل , حتى زوجته اختفت , وكانت نائمة في نفس السرير معه , وتناهى اليه صوت زوجته تدعوه إلى الاقتراب منها , وحين اقترب واشارت الى اطار الصورة القديمة , وحين تطلع فيها , وجد فيها فراغاً سحيقة ليس لها نهاية !! يعني السرقة تبدأ بأشياء صغيرة لا تثير الانتباه , أو لم نعير لها اهمية حتى تكبر حتى تنهب البيوت والاوطان .
6 – نص : فم مغلق .
تعود ان يبتعد عن جميع الناس , وينزوي في عزلة تامة عن الكل , ان يعيش وحده لا يتكلم قط , مهما كانت الاسباب , يلوذ بالصمت والسكوت التام , مسترشداً بتعاليم والديه : ( -اسكت … كلامك ليس هذا وقته ) او ( اسكت كلامك ليس محله …….. اسكت لا تتكلم حتى لا يأخذك زوار الفجر يأخذوننا معك ……. أسكت إن للحيطان آذان …… اسكت … اسكت ) , حتى الرعب والخوف دخل قلبه وعقله, ويلوذ بالصمت كأنه اخرس , ولكن بعد سنوات وجدوا اسمه في سجلات احدى الدوائر الامنية . هذا يدل عن حجم إرهاب الدولة .
7 – نص : قادم الأيام
منذ طفولته وهو يرى أمه تبكي على كل شيء الصغيرة والكبيرة , كأنها رضعت من البكاء والدموع , منذ طفولتها وكبرت معها بالحزن والدموع , ومثل الامهات المتشحات بالثياب السوداء ,ولا تبدلها مهما كأن الزمن , وحين سألها مرة عن سبب هذا البكاء الدائم في تساقط الدموع , قالت له بحزن ( – اخاف عليك وعلى اخوتك في قادم الايام ) لم يفهم معنى عبارتها, ولكن زاد بكائها وحزنها اكثر , عندما زادت النعوش القرابين للوطن , وادرك معنى الحزن والدموع , حين جلبوا جثمان شقيقه ملفوفاً بالعلم العراقي ذو النجمات الثلاث, عرف لماذا تخاف أمه عليهم في قادم الأيام , هذا الحزن العراقي نتيجة ويلات الحروب التي لم تتوقف في تاريخ العراق منذ الازل .
8 – نص : الصوت .
وقع في حيرة عويصة , واخذت تنتابه الوساوس الخطيرة , بظنونه بأنه يشك بزوجته , انها تخونه وان اولاده الاربع ليس منه , نتيجة الفحص والتحليل , بأنه مريض لا يمكن أن ينجب اطفال , وبدفع من أهله , بان يقدم على قتلها بدون تردد , لانها تخونه , وان شرفه ملطخ بالعار له والى عائلته , ويدفعونه ان يغسل العار بدمها ( أقتلها … أقتلها .. سوف لا يلومك أحد , الكل يعلم بخيانتها إلا أنت ) وذهب الى المستشفى مرة اخرى , حتى يتأكد من نتيجة الفحص والتحليل لتكون حجة رسمية في يدييه حين يشرع بقتلها , وعندما وصل الى المستشفى اخبره الموظف المختص , بأنه أخذ نتيجة فحص وتحليل شخص آخر خطأ , نتيجة تشابه الأسماء , وأعطاه نتيجة الفحص والتحليل , بأنه سليم ليس لديه مرض . يعني في التسرع ندامة .