📰 الأخلاقيات في زمن الخوارزميات من المسؤول إذا أخطأ الذكاء الاصطناعي؟ ✍ بقلم: د. مصطفى العوادي

هيئة التحرير10 نوفمبر 2025آخر تحديث :
📰 الأخلاقيات في زمن الخوارزميات من المسؤول إذا أخطأ الذكاء الاصطناعي؟ ✍ بقلم: د. مصطفى العوادي
باحث في الذكاء الاصطناعي الطبي وتشخيص الزهايمر المبكر
كيف تُعيد الخوارزميات تعريف المسؤولية الطبية في عصر الذكاء الاصطناعي؟
في عالمٍ أصبح فيه الذكاء الاصطناعي يسمع دقّات الدماغ ويرى ما لا تراه العين، يبرز سؤال لا يقلّ عمقًا عن أي معادلة تقنية:
من يتحمّل المسؤولية عندما يخطئ الذكاء الاصطناعي في تشخيص مريض؟
قد تبدو الخوارزمية ذكية ودقيقة، لكنها في النهاية نتاج عقلٍ بشري وبيانات محدودة.
فماذا لو شخّصت نظامًا على أنه مصاب بالزهايمر المبكر، بينما كان دماغه سليمًا؟
هل نلوم المبرمج؟ أم الطبيب الذي اعتمد على التوصية؟ أم الشركة التي وفّرت التقنية؟
حدود الذكاء وحدود الأخلاق
الذكاء الاصطناعي لا يمتلك ضميرًا ولا إحساسًا بالمسؤولية.
هو يتعامل مع الأرقام والاحتمالات، لا مع الألم والقلق الإنساني.
ولهذا، يبقى الطبيب هو الضمير الحيّ الذي يترجم ما تقوله الخوارزمية إلى قرارٍ طبيّ متّزن.
لكن إذا أصبح النظام أكثر دقة من الطبيب، فهل يحقّ للطبيب تجاهل توصيته؟
هنا يبدأ الجدل الأخلاقي بين ثقة العلم وحدود الإنسان.
أخطاء رقمية… ونتائج بشرية
في إحدى التجارب بجامعة أكسفورد، واجه الأطباء موقفًا حساسًا حين أوصى نظام ذكي بإيقاف علاجٍ لمريض بناءً على تحليل صور دماغ اعتبرها “دليلًا على الزهايمر المبكر”.
لكن لاحقًا تبيّن أن المريض لم يكن مصابًا بالمرض، بل باضطرابٍ عصبي مؤقّت.
الخطأ لم يكن في الخوارزمية فقط، بل في الثقة المطلقة التي منحها الفريق الطبي للآلة دون مراجعة بشرية كافية.
هذه الحوادث النادرة تُذكّر بأن دور الذكاء الاصطناعي يجب أن يبقى مساعدًا للطبيب، لا بديلاً عنه.
الطبيب والخوارزمية… شراكة لا منافسة
الذكاء الاصطناعي لا يفكّر مكان الطبيب، بل يوسّع مداركه.
إنه أشبه بعدسة رقمية تكشف التفاصيل الخفية، بينما يبقى الطبيب من يفسّر الصورة في سياق حياة المريض وتاريخه ومشاعره.
الأخلاق ليست في الكود البرمجي، بل في طريقة استخدامه.
فالخوارزمية قد تخطئ، لكن مسؤولية توظيفها تقع على الإنسان الذي يقرّر متى وكيف يثق بها.
نحو ذكاء مسؤول
المستقبل لا يتطلّب فقط خوارزميات دقيقة، بل خوارزميات مسؤولة.
ويعني ذلك أن تصميم الأنظمة الذكية يجب أن يشمل منذ البداية:
قواعد واضحة تشرح كيفية اتخاذ القرار.
لجان أخلاقيات تراجع التطبيقات الطبية الحساسة.
تدريب الأطباء على تفسير نتائج النماذج لا تكرارها.
حماية صارمة لبيانات المرضى من أي إساءة أو تسريب.
بهذا فقط يمكن أن نضمن أن الذكاء الاصطناعي يخدم الإنسان دون أن يحكمه.
ختام المقال
في النهاية، السؤال ليس من الأذكى — الطبيب أم الخوارزمية — بل من الأصدق في خدمة المريض.
فالذكاء الحقيقي لا يُقاس بقدرة النظام على التنبؤ، بل بقدرتنا نحن على استخدامه بوعي ومسؤولية.
🩺 سلسلة “الذكاء الذي يفكّر مثل الطبيب”
بقلم د. مصطفى العوادي – باحث في الذكاء الاصطناعي الطبي وتشخيص الزهايمر المبكر.
تهدف السلسلة إلى ربط العلم بالتجربة الإنسانية، حيث تلتقي الخوارزمية مع الضمير الإنساني في غرفة التشخيص.
المقال القادم:
“دماغ في السحابة: كيف تغيّر المنصّات السحابية مفهوم المستشفى الذكي؟”
عاجل !!