رفع وزير الخارجية السوري علم بلاده فوق سفارة دمشق في واشنطن خطوة رمزية قوية تشير إلى اعتراف أميركي ضمني بالحكومة السورية
تريشيا ماكلولين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي الأميركية في بيان : لم تعد الأوضاع في سوريا تمنع مواطنيها من العودة إلى ديارهم
انتقد خبراء في سياسات الهجرة القرار مؤكدين أن الأوضاع في سوريا لا تزال غير مستقرة وأن السوريين لا يشكلون خطرا إرهابيا كبيرا
رفع الشيباني العلم السوري فوق سفارة دمشق في واشنطن وهي خطوة رمزية قوية اعتبرها مراقبون بمثابة اعتراف ضمني من الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة
واشنطن / النهار
أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية أن الولايات المتحدة ستنهي وضع الحماية من الترحيل للمهاجرين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة.
جاء هذا القرار بالتزامن مع زيارة “تاريخية” لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى واشنطن، حيث أجرى مباحثات مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى.
وتسلط هذه التطورات المتقاطعة الضوء على تحول محوري في العلاقة بين البلدين، وتثير تساؤلات حول أسباب وتداعيات هذه الخطوات المتزامنة.
وأفاد إشعار حكومي بأن هذا الإجراء سينهي وضع الحماية المؤقتة لأكثر من ستة آلاف سوري ممن حصلوا على وضعهم القانوني منذ عام 2012.
وقالت تريشيا ماكلولين المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي الأميركية في بيان “لم تعد الأوضاع في سوريا تمنع مواطنيها من العودة إلى ديارهم. لقد كانت سوريا بؤرة للإرهاب والتطرف لما يقرب من عشرين عاما، والسماح للسوريين بالبقاء في بلدنا يتعارض مع مصلحتنا الوطنية”.
وأضاف البيان أن أمام المواطنين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة حاليا 60 يوما لمغادرة البلاد طواعية والعودة إلى ديارهم.
وأكد البيان أن أي مواطن سوري موجود بموجب وضع الحماية المؤقتة سيظل في الولايات المتحدة بعد تلك المدة قد يكون عرضة للاعتقال أو الترحيل.
وكان من المقرر أن ينتهي هذا البرنامج الذي أقر لأول مرة للسوريين عام 2012 ومدد عدة مرات، لغاية 30 سبتمبر 2025.
وعلى النقيض من الموقف الحكومي، انتقد خبراء في سياسات الهجرة القرار مؤكدين أن الأوضاع في سوريا لا تزال غير مستقرة وأن السوريين لا يشكلون خطرا إرهابيا كبيرا.
وقالت أماندا باران، رئيسة السياسات السابقة لخدمات المواطنة والهجرة في عهد الإدارة السابقة، إن قرار إنهاء البرنامج “كان مؤلما لآلاف السوريين هنا والحاصلين على وضع الحماية المؤقتة والمجتمعات التي يعيشون فيها”.
وأضافت باران “لا تزال الأوضاع في سوريا خطيرة وغير مستقرة، مما يستدعي بوضوح تمديدا بموجب القانون”.
واعتبرت باران أن تجاهل الإدارة الحالية لخبرة علماء حقوق الإنسان له “عواقب وخيمة على حياة الناس العاديين كما يتضح من هذا القرار المتهور”.
وتسلط هذه الانتقادات الضوء على تباين في تقييم الأوضاع على الأرض بين الجهات الحكومية وخبراء الهجرة، وتثير تساؤلات حول ما إذا كان القرار مدفوعا باعتبارات سياسية داخلية أكثر من كونه قائما على تقييم دقيق للواقع السوري.
وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تعلن إنهاء وضع الحماية للسوريين، كانت العاصمة الأميركية تشهد زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وهي الأولى من نوعها لوزير سوري منذ 25 عاما.
وخلال هذه الزيارة، رفع الشيباني العلم السوري فوق سفارة دمشق في واشنطن، وهي خطوة رمزية قوية اعتبرها مراقبون بمثابة اعتراف ضمني من الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة، ما يمهد الطريق أمام المزيد من التعاون الثنائي في المستقبل.
واجتمع الشيباني مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، منهم نائب وزير الخارجية، كريستوفر لانداو، والمبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك.
وقال لانداو بعد اللقاء إن الولايات المتحدة لم تكن على علاقة حقيقية مع سوريا لعقود، لكن بقيادة الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو بدأ الوضع يتغير.
وأضاف لاندو عبر منصة إكس “نتواصل مع الحكومة الجديدة في قضايا ذات اهتمام مشترك”.
وتابع “سررنا أنا والمبعوث الخاص توماس باراك بالترحيب بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في وزارة الخارجية اليوم لمناقشة مستقبل سوريا والعلاقات الإسرائيلية السورية والفرص الاقتصادية ومكافحة الإرهاب”.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها أن لاندوا وباراك التقيا بالشيباني، مشيرة إلى أنهم ناقشوا مستقبل سوريا والعلاقات الإسرائيلية – السورية وتنفيذ اتفاق 10 مارس بين سوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وبحسب البيان، أكد نائب وزير الخارجية الأميركي أن هذه فرصة تاريخية لسوريا لبناء دولة سلمية ومزدهرة وذات سيادة، عقب إعلان الرئيس ترامب تخفيف العقوبات.
وهذه التصريحات، إلى جانب تخفيف العقوبات الذي أعلنه الرئيس ترامب، تؤكد على تغير في المواقف الأميركية تجاه دمشق.
وتشير هذه المباحثات الأميركية-السورية إلى تغير في مواقف واشنطن تجاه دمشق، وقد تكون بداية لمفاوضات تهدف إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية.
ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024، تجرى الإدارة السورية الجديدة إصلاحات اقتصادية وسياسية، وتبذل جهودا مكثفة لإطلاق وتعزيز التعاون مع دول عديدة.
وفي 8 ديسمبر 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث، بينها 53 عاما من حكم أسرة الأسد.
ولا يبدو الربط بين قرار إنهاء الحماية المؤقتة والزيارة الدبلوماسية مصادفة، إذ يمكن تفسير هذه التطورات على أنها جزء من استراتيجية أميركية جديدة تهدف إلى إقامة علاقة مباشرة مع الحكومة السورية الجديدة. فمن جهة، تعلن واشنطن عن تغيير في سياستها تجاه المهاجرين السوريين، مستندة إلى تقييمها للأوضاع الداخلية في سوريا. ومن جهة أخرى، تستقبل وزير خارجيتها وتجري معه مباحثات على أعلى مستوى.
ويبدو أن الإدارة الأميركية ترى أن استقرار الأوضاع في سوريا، بقيادة الحكومة الجديدة، يبرر قرارها بإنهاء وضع الحماية، ويعكس في الوقت نفسه رغبتها في فتح صفحة جديدة من التعاون.
ومع ذلك، تظل التساؤلات قائمة حول مدى استقرار الأوضاع في سوريا بالفعل، وما إذا كان هذا القرار سيؤدي إلى عواقب إنسانية وخيمة على آلاف الأشخاص.
وتحاول السلطة السورية نيل ثقة شخصيات أميركية وازنة تبدي تفاؤلا بمستقبل البلاد تحت إدارة أحمد الشرع، في ظل مساعيه لإقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب بإلغاء جميع العقوبات عنها، ويبدو أنه هذه المحاولات بدأت بإحراز نتائج حيث اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور الجمهوري جيم ريش أن سوريا لديها “فرصة تاريخية” لبناء ديمقراطية مستقرة تعود بالنفع على المنطقة بأسرها.
وقال ريش في منشور على منصة “أكس”، الجمعة عقب لقائه وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد حسن الشيباني في العاصمة واشنطن “يسّرت لقاءً مثمراً مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وبحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك”.
وأضاف “ناقشنا خلال اللقاء الخطوات الضرورية لسوريا لضمان وصولها الكامل إلى الاقتصاد العالمي، لدى سوريا فرصة لبناء ديمقراطية مستقرة، وهو أمر تحتاجه المنطقة بشدة الآن، وآمل أن تكون على الطريق الصحيح”.
وجاء ذلك في إطار الزيارة التي يجريها الشيباني إلى الولايات المتحدة، والتي تتضمن سلسلة محادثات موسعة مع قيادات سياسية بارزة.
وتابع المبعوث الأميركي توماس باراك رداً على منشور ريش، قائلاً إن “قيادة ريش وحكمته عنصران أساسيان لأمل السلام والازدهار في جميع أنحاء العالم”.
من جانبها، شددت عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور الديمقراطية جين شاهين على أهمية تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي في سوريا، مبيّنة أن العقوبات المفروضة تعرقل الاستثمار العاجل والضروري للاقتصاد السوري.
وأوردت شاهين في بيان عقب لقائها الشيباني، وبحضور المبعوث الأميركي الخاص توماس باراك ومجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، أن “القادة المجتمعين أجمعوا على المصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة وسوريا في تحقيق دولة مستقرة ومزدهرة اقتصادياً، وأشاروا إلى أن العقوبات تعيق الاستثمار العاجل واللازم لاقتصاد سوريا”.
وحذّرت شاهين، التي طرحت تشريعاً ثنائياً لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، من مخاطر التقاعس عن التحرك، مضيفة “إذا تباطأنا في التحرك، فإننا نخاطر بدفع السوريين إلى الصراع مجدداً، وهو أمر لا يخدم إلا روسيا وإيران، لدينا فرصة ضئيلة لوضع سوريا على مسار الاستقرار والازدهار”.
كما بيّنت أن أعضاء الوفد البرلماني الثنائي الحزبي الذين زاروا سوريا مؤخراً، إلى جانب كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، توصّلوا إلى أن الوقت قد حان لمجلس الشيوخ لاتخاذ خطوات باتجاه إلغاء عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا.
واجتمع الشيباني بالسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، حيث جرت مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة ورفع العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق.
كما التقى عضو مجلس الشيوخ الأميركي كريس فان هولن بحضور المبعوث الأميركي الخاص توماس باراك، وتم بحث آليات توسيع التعاون بين البلدين.
وبحث الشيباني، الخميس مع مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية، سبل إعادة ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي.
وقالت وزارة الخارجية السورية، إن اللقاء جرى في واشنطن بحضور المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، حيث تمت مناقشة “سبل إعادة ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي بشكل مسؤول وآمن، وبما يضمن تعزيز الجهود المشتركة في مكافحة تمويل الإرهاب”.
وأضافت في بيان عبر منصة شركة إكس الأميركية، أن المحادثات تأتي في إطار ما وصفته بـ”الزيارة التاريخية” التي يجريها الوزير الشيباني إلى الولايات المتحدة لإجراء مباحثات موسعة.
وفي سياق متصل، ذكرت الوزارة في تدوينة أخرى، أن الشيباني التقى أيضا النائب الأميركي عن ولاية أريزونا إيب حمادة، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية.
ويعرف النظام المالي العالمي بأنه شبكة من المؤسسات المالية الدولية والأسواق والبنوك المركزية التي تنظم حركة الأموال ورؤوس الأموال عبر الحدود، وتشمل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب أنظمة الدفع الدولية مثل “سويفت”.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، نفذت سوريا للمرة الأولى منذ 13 عاما، تحويلا مصرفيا دوليا مباشرا من بنك محلي إلى بنك إيطالي عبر نظام “سويفت”، في إطار قرارات أوروبية وأميركية لتخفيف ورفع العقوبات عنها.
وشكل هذا الإجراء استثناء سياسيا وقانونيا جاء بعد ترتيبات ورفع قيود، ما مهد الطريق أمام البنوك الأجنبية لقبول المعاملة، من خلال إتاحة العودة الجزئية إلى القنوات المالية الرسمية.
وتعد زيارة الشيباني إلى واشنطن، التي انطلقت الأولى لوزير خارجية سوري منذ 25 عاما.
وكانت إدارة الإعلام في الخارجية السورية أكدت أن الزيارة “تشكل محطة فارقة في مسار العلاقات السورية ـ الأمريكية بعد عقود من الانقطاع”.
ولم يجر أي وزير خارجية سوري زيارة رسمية إلى واشنطن منذ عام 2000 بسبب تدهور العلاقة بين البلدين، ما يجعل هذه الخطوة حدثا استثنائيا، ويعكس الرغبة في فتح قنوات اتصال جديدة.
ومنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد أواخر 2024، تجري الإدارة السورية الجديدة إصلاحات اقتصادية وسياسية، وتبذل جهودا مكثفة لإطلاق وتعزيز التعاون مع دول عديدة.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن اليوم الخميس أنه سيتنحى في المستقبل القريب بعد أكثر من ست سنوات في هذا المنصب في وقت تمر فيه سوريا بمرحلة انتقالية تاريخية بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد العام الماضي.
وأبلغ بيدرسن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن الأمين العام أنطونيو غوتيريش قبل استقالته. وقال أمام المجلس المكون من 15 عضوا “لدي رغبة منذ فترة في ترك المنصب لأسباب شخصية بعد فترة طويلة من الخدمة”.
وأضاف “أكدت تجربتي في سوريا حقيقة ثابتة هي أن ظلمة الليل في بعض الأحيان تكون أشد ما يمكن قبيل الفجر، فقد بدا التقدم لوقت طويل مستحيلا إلى أن حدث فجأة”.
وأطاحت المعارضة بالأسد في ديسمبر/كانون الأول في هجوم أنهى حربا أهلية استمرت 14 عاما كان قد اشتعل فتيلها في أعقاب احتجاجات على النظام. وأنهى الهجوم أيضا حكم عائلة الأسد الذي امتد 50 عاما.
وقال بيدرسن “قليلون من عاشوا معاناة بعمق معاناة السوريين. وقليلون من أظهروا مثل هذه القدرة على الصمود والإصرار… واليوم، إذ يطل فجر جديد على سوريا وشعبها، يتعين علينا جميعا أن نضمن أن يتحول هذا الفجر إلى مستقبل مشرق، فالشعب السوري يستحق ذلك”.
وكان بيدرسن خلال الحرب أحد مبعوثي الأمم المتحدة الذين قادوا بعثات سياسية سعت للتفاوض حول حل سلمي للأزمة بين نظام الأسد ومعارضيه.
لكن الحكومة، التي يقودها الإسلاميون وحلت محل الأسد، لم تتواصل عن قرب مع بعثة الأمم المتحدة مع إصرار مسؤولي الحكومة على عدم الحاجة للتفاوض على مستوى دولي حول عملية انتقال سياسي بعد الإطاحة بالأسد.
وأشار بيدرسون إلى تنامي خطر التدخل الخارجي في سوريا، مضيفا “شهدنا هذا الشهر مزيدا من التدخل الإسرائيلي”. وأكد ضرورة الإصرار على الاحترام الكامل لسيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها ومعالجة القضايا العالقة من خلال الحوار الدبلوماسي.
وأضاف بيدرسون أن وقف إطلاق النار الذي أعلنته السلطات السورية بمحافظة السويداء جنوبي البلاد في 18 يوليو/تموز الماضي، “صامد إلى حد كبير”.
وفي يوليو/تموز الماضي، شهدت السويداء اشتباكات مسلحة استمرت أسبوعًا بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، خلفت مئات القتلى، قبل أن يُبرم اتفاق لوقف إطلاق النار.
وزاد بيدرسون “تحاول الحكومة السورية المؤقتة والشعب السوري إطلاق عملية انتقالية، ويواجهان نفس الارتباك والصعوبات ووقائع في كل مكان تقريبا، عند النظر وفق هذا المعيار، يمكننا الإشارة إلى تغييرات ملحوظة في وقت قصير”.