النهار / حمدي العطار
*مدخل إلى عالم آخر
ليست كل الرحلات تشبه غيرها، وبعض الأماكن لا تكشف جمالها إلا لمن يجرؤ على الوصول إليها. هكذا هي قرية هجيج؛ مكان يبدو كأنه خرج من رحم الأساطير، معلق بين الجبال والغيوم، ويستقبل زائره بمزيج من الدهشة والأسئلة الأولى: كيف استطاع الإنسان أن يشيد حياة كاملة فوق هذا الارتفاع؟ وكيف تحولت العزلة إلى جمال يأسر القلوب؟
* لماذا هجيج؟ قرية صغيرة بباب إلى العالمية:
لم تعد هجيج قرية جبلية؛ فهي اليوم تقف على أبواب شهرة عالمية بعد ترشيحها ضمن أفضل القرى السياحية في العالم لعام 2027 وفق قائمة اليونسكو.
هذا الترشيح لم يأت من فراغ، بل من تاريخ ضارب في القدم، وطبيعة تخلب الأبصار، وعمارة نادرة الوجود.
على مرتفعات شاهو حيث تتنفس الصخور حياة:
تقع هجيج في ناحية نوسود من قضاء باوه، وسط جبال شاهو المكسوة بالخضرة.
ما إن تدخلها حتى ترى سر تفردها:
بيوت متدرجة فوق بعضها، بحيث يصبح سطح المنزل ساحة لجاره الأعلى، في مشهد عمراني يشبه المدرجات الطبيعية، ويمنح القرية لقبها الشهير:”ماسوله الصخرية في غرب إيران”.
وعلى مقربة من هذا المشهد الجبلي، يتلوى نهر سيروان بصمت، كأنه يحرس القرية منذ أجيال.
*من قوافل الحجاج إلى تراث متجدد:
اسم “هجيج” ارتبط قديماً بقوافل الحجاج التي كانت تتجمع فيها قبل التوجه لأداء المناسك.
واليوم، ما زال الزائر يشعر بأن المكان محطة عريقة تعبر منها القصص والطقوس والذكريات.
* ثقافة هورامية… ولغة لا تزال تتنفس:
يحافظ أهل هجيج على لغتهم الكردية الهورامية، وتقاليدهم التي تعكس هوية المنطقة.فالبيوت البسيطة، والضيافة الكريمة، والأزياء الكوردية الباهرة، كلها تجعل الزائر يعيش تجربة ثقافية صافية، بعيدة عن صخب المدن.
* عندما يصبح الماء جزءاً من الهوية:
من أبرز معالم هجيج عين بل؛ النبع الذي يعد منبع أقصر نهر في العالم.
إلى جانب ذلك توجد:
– البيت المائي (حوضخانه)
– الخلوة التاريخية
– مرقد السيد عبيد الله المنسوب لذرية الإمام موسى الكاظم (ع)
هذه المواقع الدينية والروحية تجعل القرية محطة للزوار الذين يبحثون عن السكينة والنذور والبركة.
*اكتشافات تعود إلى 40 ألف عام:
الأبحاث الأثرية في محيط هجيج، وبخاصة في مناطق ناو وأسپريز، كشفت عن آثار سكن بشري يعود إلى العصر الحجري القديم.
وهذا يمنح القرية بعداً تاريخياً يجعلها واحدة من أقدم المناطق المأهولة في غرب إيران.
*سياحة تحيي القرية من جديد:
خلال السنوات الأخيرة، أعادت السياحة نبض الحياة إلى هجيج.
فالزوار — من داخل إيران وخارجها — يتوافدون أسبوعياً، ما ساهم في:
– تنشيط الاقتصاد المحلي
– تحسين البنية السياحية
– دعم الحرف التقليدية
– تعزيز الوعي البيئي والتراثي لدى السكان
وقد أصبح إدراج هجيج في لوائح التراث العالمي خطوة منتظرة من شأنها رفع مستوى التنمية في منطقة أورامانات كلها.
*هجيج… الجوهرة المخبوءة في قلب الجبال
حين تغادر هجيج، لن تغادرك.
ستظل تفاصيلها عالقة:
تدرجات البيوت، خرير المياه، المعابد القديمة، رائحة الخضرة، ولهجة أهلها الهورامية التي تشبه الأغاني الجبلية.
*الخاتمة
هجيج ليست قرية فحسب، بل مرآة لروح أورامانات؛ تمتزج فيها الأصالة والحداثة، العزلة والجمال، التاريخ والحياة اليومية.
وإذا ما نالت اعتراف اليونسكو، فستتحول إلى نموذج عالمي للقرى التي استطاعت أن تحافظ على هويتها وتحول قسوة الجغرافيا إلى فرصة ذهبية للسياحة المستدامة.




