موسى كريدى – – نظرة عن قرب / ( عبد الهادى الزعر )

هيئة التحرير2 أغسطس 2025آخر تحديث :
موسى كريدى – – نظرة عن قرب / ( عبد الهادى الزعر )

كلما مر موسى كريدى بخاطرى اتذكر عفته واباءه وعزة نفسه ، فهو ضرب نادر من الادباء الشامخين ، لايقبل المهادنة والمساومة والمراوغة على مبادئه التى اّمن بها ؛ فقد كانت صفاته تتسم بالشرف العربى  لكونه نجفي اصيل –

قبل ان يشتهر أديباً كان مدرساً

تسنم بعبقريته وتفرده السردى رئاسة تحرير  الموسوعة الصغيره حتى وفاته

 ( فى وقتٍ كثر فيه المتزلفين وقناصى الفرص )  وما أكثرهم فى كل زمان  –

 كل ما اقرأ سردياته بتأنى اكتشف شيئاً

 قصة ( الارنب ) التى كتبها وهو فى اوج سطوعه الفنى تمثله خير تمثيل ، بحيث كانت ناضجة فنياً ودلالياً   بالشكل والرمز –

ربما فاقت بنجاحها مجموعته الثالثة ( غرف نصف مضاءة ) الصادرة فى بغداد عام 1986 والتى كانت ضمنها كما له ( اوراق ضالة لرحلة قصيرة ) وقصة ( الكلب ) التى كرس فيها معظم المؤثرات الفكرية المبثوثة فى الساحة  المقروئة  ( حينذاك )-

كريدى لم يكن بعيدا عما يحدث حوله ، فبطله عزيز علوان يبحث عن ظله فى شوارع بغداد وازقتها ومقاهيها ، يتفرس وجوه المارة ويقرأ دواخلهم –

 ثم انه يلاحق صديقه الدكتور جلال صابر طبيب الجملة العصبية الذى ضرب معه موعدا فى مقهى السعاده ( يفتقده كلما يلتقيه ) وهى اشارة لموجة العبث واللامعقول التى بدأها صومايل بيكت – فى انتظار كودو  – كما هى اشارة للافكار الوجودية ( روكنتان بطل سارتر فى الغثيان ) التى شغلت مثقفى العراق فى عقدى الستينات والسبعينات –

ولا نستبعد اّثار كافكا وبطله كريكورى سامسا – المسخ – وكأن التداعى الحر والمقيد بما فيها  شطحات فرجينا وولف كانت جميعها فى سلم تفكيره –

ان شخصية عزيز علوان التى ابتدعها موسى كريدى وتجواله الممل بين الكرخ والرصافة شبيه بأبطال جيمس جويس وهم يتجولون بلا هدف فى شوارع دبلن وازقتها    ( دبلينيون ) ايام المحنة

  والانكى انهم يصورون بكاميراتهم التى يحملونها حالات الاحباط والقنوط واليأس التى سادت فى تلك الربوع  ، فهم مثل مثقفي  بغداد فى ستينيات القرن الماضى يتوجسون خيفة من قادمٍ لايسر ولا يريح ، والايام الاّتية حبلى بالانقسام والتشضى والتشرذم سببه تصارع القوى المستتر –

لم يكن ( ارنب ) موسى كريدى الا ذلك القلق الوجودى الذى لمسه شاخصا فى ذاته اولاً وفى ذوات الاّحرين ! فالحياة وان بدت هادئة مستقرة

( ظاهرياً )

 لكنها تنذر بشرٍ مستطير وكما  قيل هدوء يسبق العاصفة وتلك الارهاصات المرة  شهدناها  بمرارة تباعاً  –

” بين اعمدة شارع الرشيد التقاها صبية جميلة عيناها متألقتين ظن انها تبحث عنه رفع يده المرتبكة بالتحية  لم ترد عليه ، ابتعدت عنه وهى تقول :

  > هل انت ارنب <

 ( لم تلتفت تلك الصبية الى ملابسى البيضاء ولم تشم عطرى الفاخر لكنها نظرت الى اعماق روحى فجردتنى كى ترى مابداخلى )

قال  د- مالك المطلبى عن قصص موسى كريدى :

 ( ماكان يسرد بل كان يتأمل وهذا التأمل يجعل القارىء مترنحاً كرقاص الساعة لا يعرف الاستقرار )

كل تلك المواهب التى حظيّ بها اديبنا الكوفىّ  ذهبت ادراج الرياح فقد مات مبكرا وهو معدم الحال فقيرا يعمل سائق تكسى فى سيارته البرازيلية ايام الحصار البغيض وكان بمقدوره الالتجاء للمتنفذين ومسيرى الدفة  من السياسيين لأعانته ، لكنه ابى ان يكون رخيصاً مبتذلاً ودع الدنيا وهو شامخ كنخلة الزهدى – –   رحم الله موسى كريدى –

عاجل !!