مصالح إيطاليا تدفع بها نحو تعزيز التعاون مع الجزائر متجاهلة فرنسا

هيئة التحريرمنذ ساعة واحدةآخر تحديث :
مصالح إيطاليا تدفع بها نحو تعزيز التعاون مع الجزائر متجاهلة فرنسا

الإعلام الفرنسي يعتبر أن ميلوني وجهت رسالة واضحة بعدم الاكتراث لموقف باريس  وترسيخ العلاقات مع الجزائر بصفتها دولة ذات سيادة

وشملت الاتفاقيات الموقعة قطاعات الطاقة والدفاع والأمن وصناعة التعدين والسيارات والإنتاج الصيدلاني والتكنولوجيات

منذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم سنة 2019 انحسر الوجود الفرنسي الاقتصادي شيئا فشيئا إذ غادرت عدة شركات البلاد على غرار “راتيبي باريس

 

الجزائر / النهار

 أحدثت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام إلى إيطاليا المدفوعة بمصالح اقتصادية بالدرجة الأولى نظرا لحاجة إيطاليا للغاز الجزائري، انزعاجا في أوساط فرنسية لا سيما اليمينية المتطرفة، من تجاهل روما للأزمة بين باريس والجزائر.

وخلال زيارته التي تعد الثانية لإيطاليا منذ تسلمه الحكم نهاية 2019، عقدت القمة الحكومية الخامسة رفيعة المستوى بين تبون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وأعضاء من حكومتي البلدين.

كما استقبل الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا نظيره الجزائري، الذي زار بدوره دولة الفاتيكان والتقى البابا ليون الرابع عشر.

وتوجت الزيارة بتوقيع الجزائر وإيطاليا أكثر من 40 اتفاقية ومذكرة تعاون 14 منها مؤسسية، والبقية بين شركات عمومية وخاصة من البلدين.

وشملت الاتفاقيات الموقعة قطاعات الطاقة والدفاع والأمن وصناعة التعدين والسيارات والإنتاج الصيدلاني والتكنولوجيات والرقمنة والتعلم العالي والزراعة والصيد البحري وتربية الأحياء المائية والثقافة ومجالات أخرى.

وعقد البلدان، خلال الزيارة، منتدى أعمال رفيع حضره أكثر من 500 من رؤساء شركات حكومية وخاصة وخبراء ورجال أعمال من البلدين.

وفي الإعلام الفرنسي، ظهرت ملامح انزعاج واضح عقب زيارة تبون إلى روما وتحول الملف إلى محور نقاش واسع في القنوات الإخبارية المحلية.

ووجهت خلال تلك النقاشات انتقادات حادة للدبلوماسية الفرنسية التي وُصفت بالعاجزة عن حماية مصالح البلاد في المنطقة المغاربية، بعد عززت الدبلوماسية الجزائرية شراكتها مع إيطاليا.

وعرضت قناة “CNEWS” الفرنسية اليمينية المتطرفة، مشاهد من الزيارة، ظهر فيها تبون يسير إلى جانب ميلوني، وسط مراسم رسمية كاملة.

واعتبر الصحافي الفرنسي لويس دي راجونيل أن ميلوني وجهت رسالة واضحة بعدم الاكتراث لموقف باريس، وترسيخ علاقات إيطاليا مع الجزائر بصفتها دولة ذات سيادة.

ومنذ وصول الرئيس تبون إلى الحكم سنة 2019، انحسر الوجود الفرنسي الاقتصادي شيئا فشيئا، إذ غادرت عدة شركات البلاد على غرار “راتيبي باريس” التي كانت تسيّر مترو أنفاق الجزائر العاصمة، و”سيغز” المشرفة على إدارة المياه وشبكة الصرف الصحي بالعاصمة وولاية تيبازة الساحلية المجاورة.

كما قلصت الجزائر وارداتها من فرنسا بشكل كبير في عدة منتجات على غرار الحبوب وخصوصا القمح، والأبقار الحلوب وعجول الذبح والتسمين ومنتجات الأجبان وغيرها.

كما تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بعد اعتراف الرئيس ماكرون بمغربية الصحراء.

وتأزمت العلاقات أكثر عقب توقيف الكاتب الجزائري الحاصل على الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وإدانته لاحقا بالسجن 5 سنوات، إضافة إلى ملفات تتعلق بالهجرة.

ومنذ العام الماضي سحبت الجزائر سفيرها من باريس وخفضت تمثيلها إلى القائم بالأعمال، وبالمقابل استدعت فرنسا سفيرها من الجزائر واقتصر التمثيل أيضا على القائم بالأعمال.

جمال قسوم، وهو محلل سياسي وباحث في العلوم الاجتماعية وناشط جزائري مقيم بفرنسا، رأى أن الانزعاج الذي عبرت عنه السلطات الفرنسية ودوائر سياسية وإعلامية، يمكن تفسيره بعدة عوامل بينها “النزعة الاستعمارية المتبقية”.

وأوضح قسوم أن عاملا آخر يتعلق بمسألة “الشعور بالإهانة والإذلال الذي عبرت عنه دوائر سياسية فرنسية”، وهذا الأمر مرتبط وفق ما يعتقد، بما كانت باريس تراهن عليه لعزل الجزائر.

وذكر أن هذا الشعور “يرتبط بكون باريس كانت تراهن على عزل الجزائر دبلوماسيا، ليس فقط من طرف فرنسا، بل خصوصا من خلال الاتحاد الأوروبي”.

 

واعتبر أن “زيارة تبون لروما جاءت دليلا على غياب التضامن من طرف دولة أوربية مهمة مثل إيطاليا، وهو ما يقوض مسعى العزل”.

وأشار قسوم إلى أن فرنسا لا تملك أي نفوذ على الجزائر، سواء على الصعيد السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي.

بدوره، اعتبر مجيد توهامي، الناشط في الجالية الجزائرية بفرنسا ورئيس شركة خاصة في مجال الإنشاءات، أن رهان علاقة الجزائر بإيطاليا يعكس تباينا جوهريا في الرؤى بين باريس وروما.

وأوضح أن إيطاليا اختارت مع الجزائر “طريق الواقعية والمصالح المشتركة”، بينما لا تزال فرنسا تعاني من “تردد استراتيجي وانغلاق نابع من نظرة قديمة لم تعد صالحة في عالم متغير”.

واعتبر أن الغاز الجزائري لم يعد مجرد مورد طاقة، بل أصبح أداة سيادية تعبر بها الجزائر عن خياراتها في العلاقات الدولية.

ووفق المتحدث، فإن شركة “سوناطراك” تمثل اليوم أكثر من مورد غاز جزائري إلى إيطاليا، بل هي شريك استراتيجي يعزز استقلال روما بالطاقة، وهو ما تجسد من خلال تعاون مؤسسي وثيق مع شركة “إيني” الإيطالية، بعيدا عن أي اعتبارات أيديولوجية أو استعمارية قديمة.

في المقابل، رأى توهامي أن حالة الانزعاج في فرنسا لا تعود إلى التحركات الجزائرية أو الإيطالية، بقدر ما تعكس فراغا استراتيجيا لدى باريس.

وأشار إلى أن التأخر الفرنسي في تطوير البنية التحتية المرتبطة بالغاز الطبيعي المسال، وغياب رؤية واضحة تجاه دول المغرب العربي، جعلا من باريس متفرجة على تحولات كبرى تجري على حدودها.

 

وقال “إن التحالف مع إيطاليا جاء نتيجة لتطابق الرؤى في ملفات الطاقة والأمن والاقتصاد، وليس موجها ضد أي طرف، فالجزائر ببساطة تتعامل كدولة ذات سيادة، تدير ملفاتها وفقا لأولوياتها، لا أولويات الآخرين”.

وأعلنت الجزائر سحب جميع بطاقات امتياز الدخول إلى موانئها ومطاراتها التي كانت تستفيد منها سفارة فرنسا، في إطار المعاملة بالمثل، ردا على ما قالت إنها “قيود مستمرة” فرضتها سلطات باريس على إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية الجزائرية بفرنسا، في تصعيد جديد ينذر بمزيد تأجيج التوتر بين البلدين.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن استدعت الخارجية الجزائرية في وقت سابق القائم بأعمال السفارة الفرنسية بالجزائر، للمرة الثانية، على خلفية ما اعتبرته الجزائر “انتهاكا صارخا للالتزامات الدولية” من قبل الحكومة الفرنسية، في إشارة إلى عرقلة إيصال واستلام الحقائب الدبلوماسية.

وأوضح بيان أصدرته الوزارة أن هذه العراقيل، التي كانت تقتصر في البداية على سفارة الجزائر بباريس، توسعت لتشمل أيضا المراكز القنصلية الجزائرية في فرنسا، رغم تعهد الخارجية الفرنسية، سابقا بمراجعة هذه الإجراءات.

والخميس الماضي، عبرت الجزائر، عقب استدعاء سابق للقائم بالأعمال الفرنسي، عن استغرابها من منع دبلوماسييها من دخول المناطق المخصصة لاستلام الحقائب الدبلوماسية في مطارات باريس، ووصفت الحادثة بأنها “انعدام تام للشفافية” و”انتهاك خطير” لاتفاقية فيينا.

وتجيز اتفاقية فيينا المنظمة للعمل الدبلوماسي، في المادة 27 (الفقرة السابعة) للبعثة الدبلوماسية “إيفاد أحد أفرادها لتسلم الحقيبة الديبلوماسية من ربان الطائرة بصورة حرة مباشرة”.

وحسب بيان للخارجية الجزائرية حينها، فإن السلطات الفرنسية أوضحت خلال الاجتماع أنها لم تبلغ مسبقا بهذا الإجراء من قبل وزارة الداخلية الفرنسية.

وأوضحت أن هذه المساعي مكنت من التأكيد بأن هذا الإجراء قد تم اتخاذه من طرف وزارة الداخلية الفرنسية، دون علم وزارة الخارجية. وتمثل هذه التطورات تصعيدا جديدا في أخطر أزمة يواجهها البلدان منذ استقلال الجزائر في 1962، وصلت حد سحب السفراء.

وخفضت كل من الجزائر وباريس، تمثيلهما الدبلوماسي لدى بعضهما البعض لمستوى القائم بالأعمال، إثر تدهور العلاقات بينهما منذ 30 يوليو/تموز 2024 إثر اعتراف الحكومة الفرنسية بمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت سيادة المملكة كحل وحيد لإنهاء النزاع المفتعل.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشب خلاف علني بين وزير الداخلية الفرنسي بيرنو روتايو، وزميله في الحكومة وزير الخارجية جان نويل بارو، على خلفية التباين في المواقف تجاه الجزائر.

ويدعو روتايو، الذي تتهمه الجزائر بتغذية الكراهية والعداء تجاهها، إلى تبني قبضة حديدية ومبدأ القوة مع الجزائر، منتقدا سياسة “دبلوماسية المشاعر الحسنة مع الجزائر”.

وفي معرض رده، قال وزير الخارجية بارو، عبر منصة إكس “لا توجد دبلوماسية قائمة على المشاعر الحسنة، ولا على الاستياء.. هناك فقط دبلوماسية”.

وقد يؤدي التصعيد المستمر بين البلدين إلى تغيير جوهري في طبيعة العلاقات الجزائرية الفرنسية، والتي تتسم تاريخياً بالتقلبات والتوترات المستمرة بسبب القضايا التاريخية والحالية.

وعلى الرغم من بعض الاتصالات المتقطعة، فإن غياب قنوات الحوار الدبلوماسي الفعالة والمنتظمة بين كبار المسؤولين في البلدين يقلل من فرص التهدئة.

ومع اقتراب الانتخابات في فرنسا، خصوصًا الرئاسية في 2027، قد يميل السياسيون الفرنسيون إلى تبني مواقف أكثر صرامة تجاه الجزائر لإرضاء الناخبين اليمينيين، مما يقلل من مرونة أي مفاوضات.

ولوحت الجزائر بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل ردّا على قرار باريس منع الدبلوماسيين الجزائريين، من دخول منطقة تسلم وتسليم الحقيبة الدبلوماسية في المطارات الفرنسية، في أحدث فصل من فصول التوترات بين البلدين، فيما لا تلوح في الأفق أي بوادر لانفراجة في الأزمة الدبلوماسية.

ووصفت الجزائر الإجراء الفرنسي بأنه “مساس خطير” بحسن سير عمل بعثتها الدبلوماسية، مشيرة في بيان أصدرته خارجيتها إلى أن القرار يشكل “انتهاكًا صريحًا لأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات التي تضمن حصانة الحقائب الدبلوماسية وحرية الاتصال”، باعتبار أن الحقيبة عادة ما تكون مصونة ولا يجوز فتحها أو حجزها.

وشددت على احتفاظها بحقها في اللجوء إلى جميع السبل القانونية المناسبة، بما في ذلك إخطار الأمم المتحدة، من أجل الدفاع عن حقوقها وضمان حماية بعثتها الدبلوماسية في فرنسا.

ويأتي هذا القرار في وقت تقترب فيه العلاقات بين البلدين من القطيعة بسبب التصعيد المتبادل، فيما أدت أزمة اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال والحكم بسجنه خمس سنوات رغم الدعوات للإفراج عنه بسبب وضعه الصحي وتقدمه في السن، إلى مزيد تأجيج التوتر.

 

وكان وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو توعّد منذ نحو أسبوع بفرض إجراءات مشددة على النخبة الجزائرية في فرنسا متهما إياها بتشوية صورة بلاده، داعيا إلى مراجعة اتفاق الهجرة المبرم في العام 1968 والذي يمنح المهاجرين الجزائريين العديد من الامتيازات.

ويتبادل البلدان الاتهامات والتصريحات التي تعكس عمق الخلافات، خاصة من جانب وزير الداخلية الفرنسي، الذي حمّلته الجزائر “المسؤولية الكاملة” عن التصعيد الأخير.

وتطالب فرنسا السلطات الجزائرية باستعادة رعاياها “غير المرغوب بهم” على أراضيها وخاصة الذين صدرت بحقهم أحكام ترحيل في قضايا مختلفة، بينما ترفض الأخيرة ما تعتبره “تضييقا” على مواطنيها متهمة باريس باستخدام هذا الملف كورقة ضغط.

كما شهدت العلاقات توترات سابقة بسبب قضايا تتعلق بالتدخلات الأمنية وطرد دبلوماسيين واعتقال شخصيات، مثل قضية المؤثر الجزائري أمير بوخرص والصحافي الفرنسي المتخصص في كرة القدم كريستوف غليز الذي حكمت عليه محكمة جزائرية الشهر الماضي بالسجن 7 سنوات بتهم من بينها “تمجيد الإرهاب”.

وتثير الأزمة الدبلوماسية بين باريس انقساما في الساحة الفرنسية بين شقّ يدفع من أجل استخدام كافة أوراق الضغط التي تمتلكها باريس من أجل وضع حد للتصعيد الجزائري، وشق آخر، يضم العديد من الشخصيات وأحزاب من اليسار، ويحث على تفعيل الحل الدبلوماسي بهدف طي صفحة الخلاف وبالتالي إعادة الدف إلى العلاقات مع شريك تاريخي.

وتشير بعض القراءات إلى أن هناك أطرافا في كلا البلدين توظف الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حل.

وتذهب بعض التحليلات إلى حد القول إن العلاقات الفرنسية الجزائرية دخلت منعطفًا خطيرًا، وأن تحقيق انفراجة في الأزمة لم يعد ممكنا في حال لم تحدث مبادرات جادة لتسوية الملفات الخلافية، ويتصدرها ملف الذاكرة المتعلق بالفترة الاستعمارية، والتي تتطلب تنازلات من الطرفين.

ويرى مراقبون أن الجزائر التي تمتلك مفتاح التهدئة ترفض التسليم بأن باريس لن ترضخ لأي ضغوط تهدف إلى دفعها إلى مراجعة دعمها الراسخ لسيادة المغرب على صحرائه أو العدول عن مساعيها الرامية إلى مساندة القضية المغربية في المؤسسات الدولية ولا سيما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

عاجل !!