مقولة “الأقربون أولى بالمعروف” هي عبارة شائعة، يُفهم معناها الأصلي في سياق الصدقات والأعمال الخيرية، حيث يُفضل تقديم العون المالي والإحسان للأقارب المحتاجين قبل غيرهم، وهذا أمر حثّت عليه الشريعة لتقوية صلة الرحم.
لكن، عندما تُقتحم هذه المقولة مجال الوظائف العامة بالعراق وفي عهد رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني حيث يمنح الوظائف العليا لأقاربه او تابعيه سواء في مكتبه او مستشاريه هبه عطاءا وحسنة لا لكونهم كفاءات، بل ” من اهل البيت والعشيرة ” ومنحهم المنح، والحقوق التي تُصرف من المال العام، فيتحول معناها إلى مصدر للجدل والفساد، ويصبح العنوان الأصح هو “الأقربون أولى بالتوظيف” أو “الأقربون أولى بالواسطة”.
في سياق العمل والمناصب العامة بالعراق، القواعد واضحة منذ العهد الملكي وماتلاه وحسب الكفاءة، والعدالة، والمساواة في الفرص هي الأساس. المصلحة العامة للمؤسسة أو الدولة يجب أن تكون هي العليا، لا المصالح الشخصية أو العائلية.
ان مشكلة السوداني هو فقره بقراءة التاريخ والشخصية، بل يتبع هواه لمن يمدحه او قريب منه، فاستغلال النفوذ لتفضيل الأقارب أو المعارف في التعيينات والترقيات، حتى لو كانوا أقل كفاءة من مرشحين آخرين. فالنتيجة تتحول المؤسسات من مراكز للكفاءات إلى “مستوطنات عائلية”، مما يطرد الكفاءات الحقيقية، ويؤدي إلى تدهور مستوى العمل والخدمات. وهذا يُعتبر خيانة للأمانة واعتداءً على المال العام وحقوق المستحقين. في توجيه المنح هوية مستشار، أو المساعدات السكنية، او الصحية، أو أي خدمات أخرى تُقدمها الدولة إلى دائرة الأقارب والموالين، دون الالتزام بمعايير الاستحقاق الموضوعية. ودليلي على ذلك لكي لايكون كلامي للقذف والتشهير فان احد اللاجئين العراقيين المقيمين بالسويد من اكثر من ثلاثين سنة جاء به السوداني لانه من اهل البيت ونصبه مستشارا في مكتبه وافرد له وظيفة مدير المركز الوطني للأرشيف والذاكرة العراقية التي كانت بعهدة مخرج كبير وذو تاريخ نضالي ضد الدكتاتورية الفنان قاسم حول فأزاحه السوداني لعيون احد من اقاربه وجاء به من ستوكولهم لبغداد وكان العراق ليس فيها فنان او باحث او اعلامي يقتفي اثار الاعمال السينمائية والتلفزيونية والبصرية عموما ان ظلم للمستحقين الحقيقيين، وتغذية الشعور بالظلم والإحباط، وزيادة الفساد الإداري. ظاهرة رافقت سنوات السوداني طيلة رئاسته للحكومة.
كما عندما يُطبَّق مبدأ “الأقربون أولى” في غير موضعه (أي في الحقوق العامة)، فإنه يؤدي إلى الفساد المالي والإداري حيث تُهدر الموارد وتُتخذ القرارات بناءً على العاطفة أو القرابة بدلاً من الكفاءة والمصلحة العامة. ثم تراجع الكفاءة اثر استبدال الموظف الكفء بقريب غير مؤهل، مما يُعيق الإنتاجية ويُضعف المؤسسة. وتآكل الثقة بين المواطن ثقته في نزاهة المؤسسات ويشعر بأن الفرص ليست متاحة للجميع.
“الأقربون أولى بالمعروف” مقولة نبيلة في المال الخاص والصدقات، تعني تقوية صلة الرحم والإحسان للأهل. لكن في المال العام والوظيفة العامة والمنح، لا يمكن إلا أن يكون المبدأ الحاكم هو العدل، والمساواة، والكفاءة. الوظائف والمنح هي حقوق عامة تُمنح للمستحق الأجدر، بغض النظر عن قرابته.
العدل في توزيع الفرص هو صمام الأمان للمجتمع، وتطبيق هذا المبدأ في غير موضعه هو طريق مؤكد للفساد والظلم.




