لوموند: هجرة الشباب.. انعكاس للقلق الجزائري

هيئة التحرير30 نوفمبر 2025آخر تحديث :
لوموند: هجرة الشباب.. انعكاس للقلق الجزائري

في فرنسا، الهجرة الجزائرية هي موضوع متكرر في النقاشات السياسية والإعلامية بين باريس والجزائر لم تتوقف منذ الاستقلال في عام 1962

بعد عام من التحول المؤيد للمغرب من قبل مدريد بشأن الصحراء الغربية أدت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين إلى تقليص الرحلات بشكل كبير

الواقع مرعب بعد حلم الحراك بالتغيير الذي حطمه النظام يفضل الجزائريون من جميع الفئات الاجتماعية ومن جميع الأعمار الهروب من البلاد

 

الشعور بعدم الرغبة في البقاء في الجزائر عميق. إلى جانب العاطلين عن العمل والشباب نجد الموظفين والشرطة والعائلات مع الأطفال

 

 

 

وكالات / النهار

نشرت صحيفة “لوموند” تحليلا للصحفي مصطفى كسوس تناول موضوع هجرة شباب الجزائر وأبعاده ودلالاته.

 

وذكر أنه وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد هاجر أكثر من 54,000 جزائري إلى أوروبا، وخاصةً إلى فرنسا، بين عامي 2020 و2024. هذا التدفق لا يتوقف ويعكس خيبات أمل الشباب الذين يواجهون نقصًا في الآفاق في بلدهم.

ولفت الكاتب إلى أنه على وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر العديد من مقاطع الفيديو للحراقة (المهاجرين السريين) الجزائريين – هؤلاء الذين يغادرون بلادهم عبر البحر دون جواز سفر أو تأشيرة – وهم سعداء باقترابهم من الشاطئ الإسباني. وذكر أنه في 3 سبتمبر الماضي، وبفرح مدهش، وصل سبعة مراهقين إلى إيبيزا من خليج الجزائر على متن قارب ترفيهي مسروق. هذه الرحلة التي تم بثها مباشرة على “تيك توك” أثارت ضجة في الجزائر، مما أعاد إحياء مسألة “الهجرة” إلى أوروبا.

في فرنسا، الهجرة الجزائرية هي موضوع متكرر في النقاشات السياسية والإعلامية بين باريس والجزائر، لم تتوقف منذ الاستقلال في عام 1962 عن كونها موضوعًا للمفاوضات الأبدية

ففي فرنسا، الهجرة الجزائرية هي موضوع متكرر في النقاشات السياسية والإعلامية بين باريس والجزائر، لم تتوقف منذ الاستقلال في عام 1962 عن كونها موضوعًا للمفاوضات الأبدية، خصوصاً أن أعداد “الحراقة” من الجزائر لا تزال مرتفعة جداً في السنوات الأخيرة.

 

وأشار التقرير  إلى أنه من 1 يناير إلى 31 أكتوبر، سجلت وكالة فرونتيكس (الوكالة الأوروبية للحدود)، 8496 عبورًا غير قانوني لمواطنين جزائريين إلى جزر البليار أو شواطئ جنوب إسبانيا القارية. يمثلون أكثر بقليل من نصف تدفق المهاجرين (16,321) الذين سلكوا هذا الطريق المسمى “طريق البحر الأبيض المتوسط الغربي”. وهم يشكلون خامس جنسية بين الأكثر تمثيلاً بين الدخول غير الشرعي إلى أوروبا، وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية (OIM).

 

في تقدم كبير منذ عام 2023، تشهد هذه الطريق ازدهارًا جديدًا هذا العام: + 27% من الوافدين، بجميع الجنسيات، مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، وحتى + 66% فقط في جزر البليار، وفقًا لوزارة الداخلية الإسبانية. تُنسب فرونتيكس هذه الزيادة إلى تعزيز الرقابة على الهجرة في المغرب “مما يدفع المزيد من الأشخاص إلى اللجوء إلى خدمات المهربين في الجزائر”.

 

وذكر التقرير أنه بعد عام من التحول المؤيد للمغرب من قبل مدريد بشأن الصحراء الغربية، أدت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في فبراير 2023 إلى تقليص الرحلات بشكل كبير، بما في ذلك إلى جزر الكناري (− 58.6%). ونقل التقرير عن عالم الاجتماع المغربي علي زبيدي، المتخصص في الهجرة شرحه للأمر  بقوله «لقد تكيفت الشبكات وفقًا لذلك، بسبب عدم وجود تعاون هجرة وثيق بين مدريد والجزائر كما هو الحال مع الرباط».

 

أسباب الرغبة في الهجرة

 

وتساءل كاتب التقرير لماذا يغادر الجزائريون بلادهم؟ والجواب: الباحثون والدبلوماسيون الفرنسيون متفقون: «الرغبة في الهجرة». «هذا الشعور بعدم الرغبة في البقاء في الجزائر عميق. إلى جانب العاطلين عن العمل والشباب، نجد الموظفين، والشرطة، والعائلات مع الأطفال. بإيجاز، هم أشخاص متكاملون مهنيًا»، يلاحظ عالم الاجتماع الجزائري ناصر جابي. «هؤلاء الحراقة لم يعودوا لاجئين اقتصاديين، بل أشخاص يبحثون عن مكان لبناء حياة جديدة والازدهار بحرية»، يضيف سعيد بلقيدوم، أستاذ محاضر متميز في جامعة إكس-مرسيليا.

 

هذه الظاهرة ومقولة “الحياة السيئة” ليست جديدة. فوفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد وصل أكثر من 54,000 جزائري إلى أوروبا بين عامي 2020 و2024 – أي حوالي 10,000 سنويًا – بشكل أساسي عبر طريق البحر الأبيض المتوسط الغربي.

 

ولفت التحليل إلى أن 2019 كانت سنة محورية. في ذلك الوقت، كانت الجزائر تهتز بسبب الحراك، وهو انتفاضة شعبية حاول خلالها ملايين المتظاهرين “إزاحة النظام”. الشباب، على وجه الخصوص، كانوا يعدون حينها بالبقاء لبناء الجزائر الغد، “حرة وديمقراطية”. في تلك السنة، انضم أكثر من 5000 جزائري إلى أوروبا. في العام التالي، كانوا تقريبًا ثلاثة أضعاف العدد.

 

الواقع مرعب. بعد حلم الحراك بالتغيير الذي حطمه النظام، يفضل الجزائريون من جميع الفئات الاجتماعية ومن جميع الأعمار الهروب من البلاد وفشل الحراك قد سرع من عمليات الهجرة

 

ووفق التحليل تُفسر هذه الزيادة الحادة، من بين أمور أخرى، بالاستعادة السلطوية للسلطة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون. وينقل ما قاله يذكر المحامي الجزائري عيسى رحمون، المنفي في فرنسا والأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH): «الواقع مرعب. بعد هذا الحلم بالتغيير الذي حطمه النظام، يفضل الجزائريون من جميع الفئات الاجتماعية ومن جميع الأعمار الهروب من البلاد» و«فشل الحراك قد سرع من عمليات الهجرة»، يؤكد ديدييه ليشي، المدير العام للمكتب الفرنسي للهجرة والاندماج (OFII)». «لأن الجزائر لا تقدم أي آفاق لجزء من شبابها، فإنهم يفرون». معدل بطالة الشباب (من 16 إلى 24 عامًا) يقترب من 30%.

 

هل هي “صمام أمان” للجزائر؟

 

ووفق التحليل تراقب فرنسا عن كثب هذه الهجرة غير الشرعية لأن «الغالبية تأتي إلى بلدنا، كما يقول السيد ليشي، 80% من المهاجرين الجزائريين في أوروبا هم في فرنسا».

 

وتساءل الكاتب: هل تترك الجزائر هؤلاء المهاجرين يهربون عمداً للضغط على فرنسا، في سياق الأزمة الدبلوماسية مع باريس، التي تجددت في يوليو 2024 بعد اعتراف إيمانويل ماكرون بـ “السيادة المغربية” على الصحراء الغربية؟

 

وذكر أنه في ذلك الصيف، كانت السفارة الإسبانية في الجزائر قد نبهت الدبلوماسيين الفرنسيين للإشارة إلى “زيادة في تدفق الحراقة”.

 

هل يمكن أن تكون هذه أيضًا صمام أمان يهدف إلى تهدئة التوترات الاجتماعية الجزائرية؟ ديدييه ليشي يقول للصحيفة إنه مقتنع بأن “السلطات تترك الأمور تمر بدلاً من أن تواجه غداً جيل زد الذي سيحاسبها”.

 

يؤكد ناصر جابي “السلطات لا تستطيع فعل أي شيء، لقد استسلموا”.

 

ووفق التحليل فإن الصحافة لم تعد تتحدث عن هذه الهجرة، معتبرة أنها واقع مفروض، ففي مجلة الجيش الجزائري “الجيش” لشهر سبتمبر، اعترفت السلطات بأنها ليست “محصنة” من “الهجرة غير الشرعية” التي “تؤثر بشكل رئيسي على شبابها”. وتؤكد السلطات أن “هذه الظاهرة” يعاقب عليها القانون، فرسميًا، يواجه “من يقوم بنقل الحراقة” الجزائري عقوبة السجن.

 

لكن التحليل يؤكد أنّ الحراقة يواصلون تحدي السلطات و«الجزائر الجديدة» التي يقول المسؤولون إنهم يريدون بناءها.

 

ويخلص تحليل “لوموند” إلى أن ذلك  يعبر عن افتقار الشباب الجزائريين إلى المستقبل، وقد أصبحوا أيضًا نقطة خلاف في العلاقات المتوترة بين فرنسا والجزائر.

وفي مقابلة مطوّلة خصّ بها صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، عاد الكاتب والروائي الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال ليروي تفاصيل سجنه، ويتحدث عن العلاقات المتوترة بين الجزائر وباريس، وصديقه “برونو ريتايو”، وموقفه من حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف الفرنسي، ومواضيع أخرى.

“ليبراسيون” أوضحت أن صنصال بدا حرّاً ومفعماً بالحيوية رغم بلوغه الـ80 عامًا، وحذراً في كلماته حتى لا يعيد إشعال النار بين باريس والجزائر، اللتين تتفاوضان بشأن إطلاق سراح الصحافي كريستوف غليز. كما أشارت الصحيفة إلى أنه في كامل لياقته، بشعر مقصوص ونظرة صافية، لم يفقد شيئاً من حدّته الهادئة، ولا من خفة روحه، ولا من قناعاته.

عن ظروف سجنه في الجزائر – حيث أمضى نحو عام في السجن قبل الإفراج عنه قبل أسبوعين – تحدّث بوعلام صنصال عن القساوة والعنف بين السجناء، وسوء المعاملة عند الدخول، لكنه أشار أيضاً إلى أنه حصل لاحقاً على معاملة “خاصة” بعد اكتشاف إصابته ببداية سرطان البروستات ومعالجته في المستشفى. عاش في زنزانة ضيقة مع سجين يُدعى منير، تبيّن لاحقاً أنه شرطي سابق، وكان يساعده في شؤون الحياة اليومية.

كما أوضح الكاتب والروائي أنه رغم الضوضاء والاكتظاظ، حاول القراءة ودرّس بعض السجناء، مُشيراً إلى اهتمام السجناء وإدارة السجن بقضيته، ومتابعة الإعلام لأخباره، وكيف أصبح يُنظر إليه داخل السجن بوصفه “أسطورة”.

أوضح صنصال أنه رغم الضوضاء والاكتظاظ، حاول القراءة ودرّس بعض السجناء، مُشيراً إلى اهتمام السجناء وإدارة السجن بقضيته، ومتابعة الإعلام لأخباره

عن اعتقاله، روى الكاتب كيف صودر هاتفه وحاسوبه وتم استجوابه من قبل المحققين حول صلاته بأصدقاء فرنسيين، خصوصاً الدبلوماسي السابق في الجزائر كزافييه دريانكور والذي يعدّ من الأصوات الفرنسية الأكثر صداماً مع النظام الجزائري، والذي وصفه صنصال بأنه صديق مقرّب له.

أشار صنصال إلى أنه علم بأن قرار اعتقاله اتخذه الجنرال عبد القادر حداد، رئيس الأمن الداخلي، الذي أُقيل لاحقاً وفرّ إلى إسبانيا، قائلا إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وجد نفسه في موقف محرج بعد احتجاج باريس.

عن الاتهامات بـ “المساس بسلامة الدولة والإرهاب” التي وُجهت إليه في بلده الثاني الجزائر، اعتبر الكاتب والروائي أنها كانت ثقيلة جداً.. رغم اعتراف المحققين بعدم وجود أدلة. وذكَّر أن زيارته لإسرائيل عام 2012 كانت إحدى النقاط التي استخدمتها الأجهزة الأمنية ضده، على الرغم من أن الزيارة جاءت بدعوة من صديق فلسطيني.

ردّ بوعلام صنصال أيضاً خلال هذه المقابلة المطولة على أسئلة “ليبراسيون” حول موقفه القديم من الإسلام والإسلاميين، موضّحاً أن تجربته مع صعود التيار الإسلامي في الجزائر منذ السبعينيات شكّلت نقطة تحوّل في حياته، وسبباً في إخراج بناته من البلد؛ مشيرا إلى أن تصريحاته قد تجرح المسلمين، ومشددا على أنه يرفض الرقابة الذاتية.

كما تطرق إلى علاقاته في فرنسا، بما فيها مع شخصيات من اليمين واليمين المتطرف، معتبراً أن حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف تغيّر مقارنة بفترة زعامة جان-ماري لوبان له. لكنه استبعد في الوقت نفسه وصول الحزب إلى السلطة، معتبراً أن الأمر ما زال مبكراً. كما أوضح بوعلام صنصال أنه يحاور الجميع ولا يرفض النقاش مع أي طرف.

رداً على سؤال “ليبراسيون” عن إمكانية عودته إلى الجزائر، شدّد صنصال على نيته العودة إلى الجزائر لاستعادة بيته وأغراضه، رغم تحفّظات الرئاسة الفرنسية، قائلاً إنه يحلم بمرافقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر لتحقيق مصالحة كبيرة بين البلدين.

عاجل !!