لصّ الذات
رافد عزيز القريشي
أنا لصٌّ بلا ملامح،
أغزو أحلامي كما يغزو السرابُ صحراءَ الظمأ،
وأختطفُ اللحظاتِ من كفّي المرتجفة،
كأنّي ليلٌ يختنقُ بنجومه
لئلا يفضحَ عتمته.
كفرتُ بالحلم فسرقتُ طفولتي،
وخفتُ من الغد فانتزعتُه،
حتى اللحظةُ التي أتنفّسها
غرزتُها في فجوةٍ تكبر كجوعٍ لا يشبع،
كأنّ الزمنَ نفسه
يرتدي عباءة القاضي
ويُدينني بنسيانٍ بارعٍ في التخفّي.
كلّما نضجتْ لحظةٌ في كفّي
أحرقتها،
كأنّي أرتوي من النقص
وأخشى الامتلاء،
كأنّ الاكتمالَ فضيحةٌ
لا تليق بي.
سرقتُ وجهي من المرآة،
فارتدى الظلُّ قناعًا يشبهني،
لكنه لا يعرفني،
يعكسُ خواءً متقنًا في التنكّر،
وروحًا مثقلةً بلا كنز،
بلا نجاة،
بلا ذات.
كلّما سرقتُ من نفسي،
خفَّ جسدي،
وازداد خوائي،
كأنّي أُفرغُني منّي
لأُصبحَ صالحًا للغياب.
والسرقةُ الكبرى
أنّي سلّمتُ حياتي
لضياعٍ يبارك الجريمة،
وأقمتُ طقوسَ الفراغِ كلّ صباح،
أُقدّمُ لحظتي قربانًا
لعدمٍ لا يُشبع.
شيخوخةٌ شفّافة
تُقيّدُ الروح
من غير أن تُعلن نفسها،
كأنّي أشيخُ في نواةِ ذاتي
حيث لا تقيسُ السنينُ
بلاغةَ الانطفاء.
كلّما ناديتُ اسمي،
عادَ صدىً اجتثَّ الاسمَ،
وتركني
بلا أنا.