قصيدة جزء من ورقة خضراء للشاعرة سهى سلوم  يمكن قراءتها من زوايا متعددة .. لغوية، رمزية، وتشكيلية. عباسية مدوني   / إعلامية وناقدة من الجزائر

هيئة التحرير7 أكتوبر 2025آخر تحديث :
قصيدة جزء من ورقة خضراء للشاعرة سهى سلوم  يمكن قراءتها من زوايا متعددة .. لغوية، رمزية، وتشكيلية. عباسية مدوني   / إعلامية وناقدة من الجزائر

النص الذي كتبته وبين أيدينا  يمتلك عمقاً رمزياً وجمالياً واضحاً، ويمكن قراءته من زوايا متعددة — لغوية، رمزية، وتشكيلية.

و يمكن طرح  قراءة نقدية رصينة  في ضوء مقاربة كشذرة شعرية نثرية:

أولاً: البنية العامة واللغة

النص يتخذ شكل نصٍّ نثري شعري، يجمع بين البساطة الظاهرية في التعبير والعمق الدلالي في المعنى.

الكاتب يوظّف جمال الصورة وموسيقى اللغة الداخلية، دون الحاجة إلى الوزن أو القافية، ما يجعل النص قريبًا من روح قصيدة النثر الحديثة.

الجمل قصيرة، مشحونة بالإيحاء:

“أخربش على أوراق بيض / لتصبح بلون فكرة تلمع في رأسي.”

هنا يتحوّل الفعل الكتابي إلى فعل خلق، حيث تتحول الورقة البيضاء إلى كائن ينبض بفكرة، في تماهٍ بين الذات والكتابة.

ثانياً: المكان بوصفه ذاكرة وهوية

يحتل المكان (الحي، الشارع، المقهى، الجامع، الكنيسة) مركز النص.

لكن هذا المكان ليس جغرافياً فحسب، بل فضاء شعوري وإنساني، تنعكس فيه ذاكرة الجماعة، ووجدان الفرد.

“لم أكتب يوماً عن حارتي / فقد كتبتني بكل شارع”

الجملة تحمل مفارقة جميلة: الحارة ليست موضوعاً للكتابة، بل كيان يكتب الكاتب نفسه من خلالها.

هنا ينقلب الفاعل والمفعول، فيصبح المكان هو من يعبّر عن الإنسان، لا العكس.

إنها كتابة الذات عبر المكان — المكان كمرآة داخلية.

ثالثاً: الرموز والدلالات

النص مشبع بالرموز ذات الطابع الروحي والإنساني:

الجامع والكنيسة في مكان واحد:

هذا التوازي يرسم لوحة تعايشٍ دينيّ وإنسانيّ نادر، يجعل الحي رمزاً للعالم الصغير الذي يمكن أن يتسع للكل.

جرس الكنيسة “موسوم بالرهبنة” يجاور المئذنة، في دلالة على وحدة المقاصد رغم اختلاف الشعائر.

الرقص بدل الدعاء:

في العبارة الختامية:

“في يوم يشبه القديسين استبدل أهل حينا الدعاء بالرقص.”

يتحول الفعل الديني إلى طقس جمالي، فـ”الرقص” هنا رمز للفرح المقدّس، لا للنزوة.

إنه انفتاح الإنسان على الإلهي من خلال الجمال، لا الخضوع وحده — فالدعاء يتحوّل إلى احتفال.

السباع في الهواء و”الباب العالي”:

صورة أسطورية تشحن المكان بطاقةٍ غرائبية، تلمّح إلى تحدي الواقع وصعود الرغبة نحو العلوّ والحرية.

رابعاً: البعد الجمالي والتشكيل البصري

 

يمكن القول إن النص لوحة تشكيلية بالحروف:

ألوان (خضراء، بيض، نحاسي)، حركة (يرقص، يتمايل)، موسيقى (جرس، دف)، كلها عناصر تجعل القارئ يرى ويسمع ويشمّ النص.

هذا الاستخدام المتقن للحواس الخمس يجعل الكتابة سينوغرافيا لغوية، كما في المسرح أو الرسم.

خامساً: الرؤية الفلسفية

في جوهره، النص ينتمي إلى كتابة الأمل والعودة إلى الأصل الإنساني.

الكاتب يرى في الحارة نموذجاً مصغراً للعالم:

مكان تتجاور فيه الرموز، وتتسع السماء للرقص والدعاء معاً.

إنه احتفاء بالاختلاف بوصفه انسجاماً، وبالبساطة بوصفها خلاصاً روحياً.

ومنه ، يمكن ان تخلص الى ان

هذا النص القصير يرسم عالماً منفتحاً على الحبّ، والذاكرة، والروح.

إنه تأمل في معنى الانتماء والقداسة من خلال اليومي،

حيث تتحول الحارة إلى معبد صغير،

والكتابة إلى صلاة جمالية جديدة.

…………….

نص قصيدة الشاعرة سهى سلوم  الذي يحمل عنوان جزء من ورقة خضراء….

 

أخربش على أوراق بيض

لتصبح بلون فكرة تلمع في رأسي .

 

لم أكتب يوماً عن حارتي

فقد كتبتني بكل شارع ،

بكل همسة مخبوءة

في قلب وردة .

 

أسكن حياً بابه عال

لتقفز السباع في هوائه .

 

في شارعنا الطويل مقهى ،

يتوسطه جامع الحي ،

و كنيسة أبي الفقراء

جرسها النحاسي موسوم بالرهبنة .

 

في يوم يشبه القديسين استبدل أهل حينا الدعاء بالرقص .

اكتظت الشوارع بحلقات الفرح ،

وتمايل قارع الدف على أنغام السماء .

عاجل !!