لأكثر من مرة راح يتطلع إلى قبر الزعيم ، بعد أن نجح في رشوة إدارة المقبرة و حقق حلمه بأن يكون حارسا لقبر الزعيم .
حفظ الوصايا التي تلاها عليه مدير المقبرة عن ظهر غيب و حرص على حماية قبر الزعيم من الأعداء الذين لا هم لهم سوى الانتقام حتى و لو من جثة الزعيم .
الوصول إلى الهدف المرسوم بعناية غاية لا ينالها إلا من خبر الحياة و خاض في معتركها العتيد ، أما العاطلون عن الحلم فما زالوا بعيدين جدا عن الولوج في متاهات الأمنيات .
كان يؤمن ان الحصول على هذه الوظيفة تستحق بأن يضحي بالأموال التي حصل عليها من ميراث جده .
مرة أخرى راح يمتع ناظره بمنظر قبر الزعيم ، متسائلا في الوقت نفسه ، أيعقل أن يكون هذا هو مصير الزعيم الذي أقام الدنيا و لم يقعدها .
بخطوات واثقة اقترب من قبر الزعيم ، أمسك بحفنة من ترابه ، على مهل قربها من أنفه ، شمها طويلا ثم ما لبث ان رماها و بصق على القبر .
ـ يا لك من عفن حتى قبرك لا يشبه بقية القبور ، قال في سره
جلس تحت ظل شجرة صفصاف انتصبت بعيدا عن قبر الزعيم و كأنها تريد ان تكون في أرض غير ملعونة ، و لأول مرة منذ أمد بعيد خلع يشماغه و راح يتحسس أذنه المقطوعة .
شعر براحة كبيرة بعد ان خلع اليشماغ الذي كان ثقيلا جدا و كأنه خوذة مصنوعة من النحاس .
انقضت خلال ساعات النهار و هو يحاول ان يستكشف المكان خصوصا و ان هذا هو يومه الأول في العمل .
من جديد جلس تحت شجرة الصفصاف ، على حين غرة غالبه الوسن ، استسلم بعدها لإغفاءة لم تدم طويلا ، فعلى ايقاع خطوات بالقرب منه فز مذعورا ، تحسس بندقيته تحسبا لأي طارئ .
كان ثمة دخلاء يقتربون من قبر الزعيم ، و هذا يعني الاختبار الحقيقي له .
لم تثن صيحاته الرجال عن تنفيذ ما جاؤوا من أجله ، و أخيرا أطلق الرصاص في الهواء مما جعلهم يفرون مسرعين .
بعد منتصف الليل أضاء الشموع حول قبر الزعيم ، مر شريط حياته بسرعة ، استذكر ذلك اليوم الأسود الذي ما زال يعاني من آثاره الى يومه هذا ، تحسس أذنه المقطوعة ، متسائلا و الدموع تغالبه أيعقل أن تقطع أذنه لأنه غاب عن وحدته العسكرية لمدة عشرة أيام ، كانت تلك الأيام العشرة هي الأسوء في حياته ، ففي تلك الأيام فقد أمه و زوجته .
لم تجدي توسلاته بآمر الوحدة العسكرية بشطب غيابه و انتهى به المطاف سجينا ، ثم تقطع أذنه .
مرة أخرى يقترب من قبر الزعيم ، تطلع مليا في الحجارة المصفوفة بعبث أمامه ، أخذ يتكلم مع الزعيم المقبور
ـ اذا كانت عقوبة الغياب لمدة عشرة ايام هي قطع الأذن و انا جندي بسيط ، فما الحكم الذي تستحقه بعد أن تركت ساحة المعركة و هربت و أنت القائد العام .
بحركة هستيرية جثا على ركبتيه و راح بنبش قبر الزعيم ، بصعوبة بالغة وضع الجثة عند حافة القبر و مزق الكفن بغضب شديد .
ـ هيا أجبني أيها القائد ما عقوبتك بعد أن تركت ساحة المعركة و اختبأت في جحر حقير كالجرذان .
هيا تكلم
بعد أن هدأ روعه ، استنشق الكثير من الهواء ، استل سكينا كان قد أخفاها في جيب بنطاله ، و بقوة قطع أذني الزعيم و هو يردد
واحدة بواحدة و البادي أظلم .