يتحرك خطاب الاستثمار في العراق بين صورتين متوازيتين: صورة رسمية تؤكد وجود استقرار نسبي وإصلاحات إجرائية وتنامي شهية الشركات الأجنبية، وصورة ميدانية تحذّر من مخاطر أمنية وتنظيمية وقانونية ترفع كلفة المخاطرة وتربك سلوك رؤوس الأموال. هذا التناقض لا يمكن فصله عن البنية السياسية العراقية منذ 2003، حيث رسم الدستور مسارًا لتشجيع القطاع الخاص وضمان حماية الاستثمارات، فيما أفرزت البيئة الأمنية واقعًا مختلفًا تحكمه الفصائل وتوازنات القوى.تقارير المؤسسات الدولية بدورها تُظهر مفارقة واضحة: ففي الوقت الذي يسعى فيه الاقتصاد العراقي إلى تنويع قاعدته عبر مشاريع طاقة وبنى تحتية وشراكات مع شركات كبرى، ما تزال مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا في حالة تراجع منذ 2024 وفق بيانات الأونكتاد، وهو ما ينعكس على المنطقة برمّتها وليس العراق وحده. إن إدراك هذا الإطار الأوسع ضروري لفهم حساسية أي تصريح أو تحذير صادر عن عواصم كبرى أو بعثات دبلوماسية، كما أنه يضع الجدل الداخلي—بين الترحيب الحذر والاستثمار المشروط—ضمن سياق عالمي متقلب في شهية المخاطرة، بدل أن يُقرأ فقط في حدود المشهد المحلي، وفق مقاربات سياسية حديثة.