قرأة في قصيدة للشاعر ناهض الخياط .. / بقلم د.عزيز جبر الساعدي

هيئة التحرير17 يوليو 2025آخر تحديث :
قرأة في قصيدة للشاعر ناهض الخياط .. / بقلم د.عزيز جبر الساعدي

يسقط الرمز.. حينما يُسلّم النرجسي مركزاً مهماً في المجتمع*

في كل أمة رموز، وفي كل مجتمع قيادات تتصدر المشهد الثقافي أو السياسي أو الإداري. لكن المأساة تبدأ حينما يُمنح المقعد لمن لا يستحقه، حينما يتربع النرجسي على كرسي القيادة.

النرجسي لا يرى سواه. يرى نفسه مصدر الحكمة والحق والجمال، ويتغذى على المديح، ويتعامل مع المنصب كمرآة مكبرة لنرجسيته. لا يستمع، لا يتعلم، لا يعتذر. بل يعيش حالة تمثيل دائم لبطولة متوهمة.

عندما يسقط الرمز، لا يسقط وحده، بل يخلّف خلفه خرابًا في الوعي والثقة، وربما يفتح المجال لخراب أكبر: اللامبالاة، والاستهانة بالرموز، والعزوف عن الإصلاح.

الشاعر ناهض الخياط يصفهم بدقة:
“فآرتدوا حياءَكم … وآجعلوا مرآتكم .. زجاجاً شفيفاً”
فيا من تظن أن المنصب تأليه، تذكّر أن الناس تقرأك، وتراك، وستسقط إن اكتشفوا أنك تاجر وهمٍ لا صانع أمل.

الرموز الحقيقية لا تحتاج إلى صدى.. بل إلى صدق.
: في قصيدة الشاعر ناهض الخياط، يقدّم تشريحًا دقيقًا للنفس النرجسية التي تتصدر المشهد دون استحقاق، بل بتضخم ذاتي خادع. لنقرأ بعض مفاتيحها:

“النرجسيون .. ليس منا!”
بداية حاسمة وحادة، يضع فيها الشاعر فاصلًا قيميًا بين الإنسان الحقيقي والنرجسي، ويعلن أن من يعيش لنفسه فقط لا ينتمي للمجتمع الواعي.

“فهم يتزوقون بما يدّعون”
يستخدم الشاعر تعبيرًا ساخرًا عن التجمّل الكاذب. هؤلاء لا يبدعون بل يدّعون، يتغنّون بصور مصطنعة عن أنفسهم.

“ويمطّون قاماتهم .. حيث يمشون أو يجلسون!”
صورة جسدية دقيقة تعكس تعاليهم وتكلفهم، فهم دائمًا في حالة استعراض.

“رعودُ برقٍ خُلّبٍ بعيدْ”
تشبيه بديع: صوتهم قوي كالرعد، لكنه بلا أثر ولا مطر، تمامًا كأفعالهم.

“وأسألهم: لماذا أنتم هكذا مضحكون؟”
هنا نبرة تهكم مريرة، الشاعر لا يغضب، بل يضحك من خواءهم.

“فآرتدوا حياءَكم … وآجعلوا مرآتكم .. زجاجاً شفيفاً”
دعوة أخلاقية راقية: ارتدوا الحياء بدل الغرور، وانظروا إلى أنفسكم بصدق، لا بزيف.

حين يسقط الرمز النرجسي، تبهت القيم ويضيع الأمل، فلا بد أن نستعيد القدوة بالصدق، لا بالتمثيل.

. النرجسية حين تتسلم موقعاً عاماً*

في المجتمعات التي تتطلع للنهضة، تُبنى القيادات على الثقة والمعرفة والخلق. لكن حينما يتسلل النرجسي إلى موقع التأثير، تُشوَّه الصورة ويضيع الاتجاه.

النرجسي لا يرى في المنصب تكليفًا، بل مساحة للعرض الذاتي، لتضخيم الأنا وتثبيت الحضور الاستعراضي. وهنا تتجلى رؤية الشاعر ناهض الخياط في قصيدته التي يقول فيها:

“النرجسيون.. ليس منا!”
هي ليست مجرد جملة، بل صفعة أخلاقية لكل من يعتلي مقامًا ليس له، ويدّعي الفضل كذبًا.

*”فهم يتزوقون بما يدّعون
ويمطّون قاماتهم ..
حيث يمشون أو يجلسون!”
تعبير ساخر عن الأداء النرجسي: كل ما يفعلونه محكوم بالتصنّع، لا الجوهر.

الشاعر لا يكتفي بوصف، بل يحاكم النرجسية:

وأصواتهم بيننا ..
رعودُ برقٍ خُلّبٍ بعيدْ!”**
إنهم يُحدثون ضجيجًا بلا أثر، ووعودهم لا تُثمر، كبرقٍ لا يحمل المطر.

في هذا السياق، لا يعود سقوط الرمز خطأً فردياً، بل نتيجة طبيعية حين يُختار النرجسي لا لفضله، بل لعلاقاته أو ادعاءاته.

فآرتدوا حياءَكم…
وآجعلوا مرآتكم ..
زجاجاً شفيفاً…”
هكذا يدعو الشاعر لعودة التواضع والشفافية، فالمجتمع لا يُدار بالزيف.
إن سقوط القدوة النرجسية أخطر من مجرد فشل شخصي، لأنه يُفرغ المؤسسات من معناها، ويحوّل الثقة العامة إلى تهكم عام. لذا، فالمهمة ليست فقط في إسقاط الرموز الفارغة، بل في بناء بدائل حقيقية: أشخاص يشبهون المجتمع، لا يتعالون عليه.
بقلم د.عزيز جبر الساعدي

عاجل !!