مقتل آمر “السرية الثالثة مشاة” التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الدبيبة في اشتباك مسلح مع جماعة منافسة في ورشفانة
هشاشة الوضع الأمني ويختبر قدرة الدبيبة على ضبط ميليشيات متناحرة موالية لحكومته
من المتوقع أن يؤدي مقتل اللفع إلى صراع نفوذ بين التشكيلات المسلحة المختلفة لسد الفراغ الذي تركه وقد يشعل جبهات اقتتال جديدة
كان اللّفع جزءًا من وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبدالحميد الدبيبة ومقتله داخل صفوف التشكيلات التابعة للحكومة نفسها ونتيجة لخلافات داخلية
قد تحاول أطراف محلية أو مدعومة خارجيًا إعادة ترسيم خريطة السيطرة في ورشفانة مستفيدة من فراغ القوة الذي خلفه غياب اللفع
طرابلس / النهار
عادت التوترات الأمنية بقوة إلى غرب ليبيا على إثر مقتل القيادي البارز رمزي اللفع آمر “السرية الثالثة مشاة” التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، في اشتباك مسلح وقع في منطقة ورشفانة، واثنين من أشقائه، وسط مخاوف من عمليات انتقامية وتصاعد المواجهات المسلحة.
وكان اللفع أحد أبرز القادة الميدانيين في ورشفانة وله تأثير على توازنات القوة في طرابلس وحزامها الجنوبي. ومن المتوقع أن يؤدي مقتله إلى صراع نفوذ بين التشكيلات المسلحة المختلفة لسد الفراغ الذي تركه، وقد يشعل جبهات اقتتال جديدة.
وقتل رمزي اللفع أمس الاثنين في اشتباك مسلح بين عائلتي اللفع والهدوي في منطقة أولاد عيسى بورشفانة، مما ينذر بتصعيد الثأر والاشتباكات العائلية في المنطقة. وقد قُتل معه شقيقاه حاتم ورضا، بالإضافة إلى ثلاثة آخرين من عائلة الدليو، مما يزيد من تعقيد الوضع.
وتعتبر منطقة ورشفانة خاصرة طرابلس وقد يمتد تأثرها بالاشتباكات إلى العاصمة الليبية، مما يعيد مشهد الفوضى والانفلات الأمني الذي شهدته طرابلس في السابق.
وكان اللّفع جزءًا من وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها عبدالحميد الدبيبة ومقتله داخل صفوف التشكيلات التابعة للحكومة نفسها ونتيجة لخلافات داخلية، يثير تساؤلات حول مدى التماسك داخل هذه التشكيلات، فيما تكشف هذه الحادثة هشاشة البنية الأمنية والانقسامات الداخلية التي قد تؤثر على استقرار العاصمة ومحيطها.
وقد تحاول أطراف محلية أو مدعومة خارجيًا إعادة ترسيم خريطة السيطرة في ورشفانة، مستفيدة من فراغ القوة الذي خلفه غياب اللفع. وقد وردت أنباء عن دخول قوات عسكرية من خارج ورشفانة إلى مناطق كانت تخضع لسيطرة آمر “السرية الثالثة مشاة”.
ويعيد مقتل اللفع إلى الواجهة الحاجة الملحة إلى تفكيك المليشيات وتوحيد المؤسسات الليبية، بينما تضع هذه الحادثة المجتمع الدولي أمام مسؤولية مضاعفة لتسريع جهود توحيد المؤسسات الأمنية تحت مظلة الدولة وإجراء انتخابات نزيهة.
وعقدت مديرية أمن الجفارة اجتماعًا أمنيًا طارئًا بحضور مدير الأمن وآمر الكتيبة 55 ورئيس المجلس الاجتماعي لورشفانة، لبحث تداعيات الحادثة. وقد تم التأكيد على ضرورة تكثيف التمركزات والدوريات الأمنية وتنسيق الجهود بين مختلف المكونات الأمنية لضبط الأمن.
وبدأت الجهات المختصة بمركز شرطة السواني في اتخاذ الإجراءات القانونية وفتح تحقيق في تلك الأحداث وإبلاغ النيابة العامة بتطورات الوضع.
ويعكس مقتل رمزي اللفع في ورشفانة استمرار حالة الانقسام والفوضى الأمنية في غرب ليبيا، ويهدد بإعادة المنطقة إلى دائرة العنف والاشتباكات، مما يعرقل أي جهود نحو استقرار حقيقي.
ويهدد انفلات السلاح في ليبيا بما في ذلك أحداث ورشفانة بإشعال موجة جديدة من العنف في المنطقة التي تشهد أصلا توترات أمنية مزمنة.
ولم يكن اللفع مجرد قيادي محلي عادي، فقد كان رقما صعبا في المعادلة الأمنية بالمنطقة ولعب أدوارا مهمة في إعادة ترتيب الوضع الأمني المعقد بطرابلس وحزامها الجنوبي، من بينها مشاركته قبل ثلاثة أشهر في عملية معقدة تمت بأوامر من رئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ضد جهاز الدعم والاستقرار وهي العملية التي أفضت إلى تصفية خصمه اللدود عبدالغني الككلي الملقب بـ”غنيوة”، فيما أظهرت تلك العملية أن دور اللفع لا يقتصر على تأثيره في منطقة ورشفانة بل يمتد إلى نطاق أوسع.
وسارعت الداخلية الليبية التابعة لحكومة الدبيبة في عقد اجتماعات على أكثر من مستوى لاحتواء الأزمة وتطويقها وسط مخاوف من اتساع نطاق المواجهات التي عادة ما تأخذ طابعا ثأريا بين عائلتين وقد تتوسع لتشمل أطراف أخرى في المنطقة التي تتسم بانتشار السلاح وتعدد الولاءات.
وبحسب مصادر محلية فإن مقتل اللفع قد يشكل ملامح تحولات جديدة ويعيد رسم خارطة النفوذ بقوة السلاح مع انتشار مكثف لمجاميع مسلحة تابعة للداخلية والدفاع وتدفق تشكيلات شبه عسكرية وأمنية إلى خاصرة طرابلس وحزامها الجنوبي، فيما تنذر هذه التحركات باحتمال انزلاق الوضع إلى ما هو أسوأ.
وتقول المصادر ذاتها إن أحداث ورشفانة ليست سوى فصل جديد في مسلسل صراع دموي يمتد لسنوات طويلة بين عائلتي رمزي اللفع والكتيبة 55 التابعة لمعمر الضاوي، فقد سبق أن شهدت المنطقة مواجهات عنيفة في سبتمبر/ايلول 2022 في “غوط أبوسابق” ثم تلتها في يناير/كانون الثاني 2023 مواجهات أخرى حين تعرض منزل اللفع لهجوم مسلح أنكر الضاوي مسؤوليته عنه.
وتسود في الوقت الراهن مخاوف من أن يؤدي الفراغ الأمني الذي خلفه مقتل اللفع، إلى انتشار سريع لخصومه وبالتالي إعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة.
ومن غير المستبعد كذلك إذا لم تنجح حكومة الدبيبة في احتواء الأزمة، أن تشهد المنطقة موجة عمليات انتقامية جديدة قد تشعل مواجهات مسلحة أوسع نطاقا.
والمشهد بتجلياته الراهنة وبتطوراته يختزل معضلة انفلات السلاح وصراع النفوذ بين التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية التي يراهن عليها الدبيبة للاستمرار في السلطة وهي أيضا تشكل اختبارا لمدى قدرته على ضبط الوضع الأمني والسيطرة على الجماعات المسلحة المتنافسة والموالية في آن واحد لحكومته.
وتعمل النيابة العام الليبية على تسريع جهودها لتفكيك ألغاز المقابر الجماعية في مدينة ترهونة جنوب شرق طرابلس واعتقال عناصر ميليشيا الكانيات المتهمين بارتكاب جرائم حرب بحق أبناء المدينة ما بين عامي 2014 و2020.
وكانت تلك الميليشيا تُعرف رسميا باسم “اللواء التاسع”، وقادتها عائلة الكاني. وارتبط اسمها بعمليات قتل خارج نطاق القانون واختفاء قسري ومقابر جماعية وقمع للمعارضين.
وتُعد ملاحقة عناصر ميليشيا الكانيات خطوة أساسية نحو بناء دولة القانون في ليبيا وتحقيق العدالة للضحايا، على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجه هذه الجهود.
وتُشير ملاحقة عناصر هذه الميليشيا إلى الجهود المستمرة التي تبذلها السلطات الليبية، لتقديم أفرادها للعدالة بعد اتهامات بارتكاب جرائم وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مدينة ترهونة والمناطق المحيطة بها.
و الكانيات هي جماعة مسلحة ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق في ترهونة، جنوب شرق طرابلس، بين عامي 2014 و2020. وكانت تُعرف رسميا باسم “اللواء التاسع”، وقادتها عائلة الكاني. وارتبط اسم الميليشيا بعمليات قتل خارج نطاق القانون واختفاء قسري ومقابر جماعية وقمع للمعارضين.
وتُجري السلطات الليبية تحقيقات مكثفة لكشف ملابسات الجرائم المرتكبة من قبل الميليشيا. كما تُشارك منظمات دولية، مثل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)في جمع الأدلة وتوثيق الانتهاكات.
وكان اكتشاف المقابر الجماعية في ترهونة بعد سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني عليها في عام 2020 دافعا قويا لمواصلة التحقيقات وملاحقة المسؤولين. ولا تزال فرق البحث تعمل على استخراج الجثث وتحديد هوياتها.
وتم اعتقال عدد من عناصر الميليشيا ويُنتظر تقديمهم للمحاكمة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في القبض على جميع المتورطين وخاصة القيادات الرئيسية التي قد تكون خارج الأراضي الليبية أو متخفية.
وأعلنت النيابة العامة الليبية عزمها ملاحقة عناصر ميليشيا الكانيات بعد قرار بسجن أحد عناصرها المتهم بقتل شخص واختطاف شقيقيه في أحد مقار المجموعة، بينما تظهر نتائج التحقيقات وما تم تحصيله من أدلة، مشاهد وحقائق صادمة لجرائم نفذتها تلك الميليشيا بشكل منهجي خلال سيطرتها على ترهونة.
وتأتي هذه التطورات بعد مطالبة المحكمة الجنائية الدولية السلطات الليبية بتسليمها عددا من المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان وبعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق ستة من قادة ميليشيا الكانيات.
وتواصل النيابة العامة الليبية جهودها على أكثر من مستوى بما ذلك التعاون والتنسيق مع الشرطة الدولية (الانتربول) لملاحقة الفارين من المشتبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وفظاعات بحق الليبيين.
ونجحت تلك الجهود في اعتقال أحد المطلوبين في مارس الماضي، في خطوة تعتبر مهمة بالنظر للتعقيدات التي ترافق هذا الملف وفي تطور من شأنه أن يمهد لمحاسبة الجناة، بينما عبرت رابطة ضحايا ترهونة عن أملها في أن تشمل الملاحقات القضائية جميع عناصر ميليشيا الكانيات من الفارين إلى دول مجاورة.
ولا تزال ليبيا تعاني من انقسامات سياسية وصراعات مسلحة، مما يُعيق عمل الأجهزة الأمنية والقضائية بشكل فعال ويعقد جهود تطبيق العدالة خاصة مع فرار العديد من قادة وعناصر الميليشيا من ليبيا، مما يُعقّد جهود تحديد أماكنهم.
كما اعتقلت السلطات الليبية اليوم أكثر من 1500 عامل أجنبي ممن لا يحملون تصاريح، في عمليات دهم لـ”بؤر سكانية” شرقي العاصمة طرابلس، في حملة تهدف إلى توجيه رسائل إلى الخارج بأن حكومة الوحدة الوطنية تسعى إلى تعزيز سيطرتها على الحدود ومنع دخول العمالة غير المنظمة، ومكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بحثا عن دعم غربي يضمن بقاءها في السلطة.
وتأتي هذه الحملة في إطار جهود أوسع للتعاون مع دول أوروبية للحد من تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط. وقال وزير العمل والتأهيل علي العابد الذي كان حاضرا خلال المداهمات إنه “تم إكتشاف بؤر سكانية كبيرة عشوائية للعمالة الاجنبية الوافدة”، مشيرا إلى أن هؤلاء العمال لا يحملون تصاريح إقامة ولم يخضعوا لأي “إجراءات رسمية ولا حتى تحاليل طبية وهم من جنسيات مختلفة”.
وتفتقر ليبيا إلى الاستقرار منذ إطاحة معمر القذافي في العام 2011. وتتنازع السلطة في هذا البلد حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرا، وتعترف بها الأمم المتحدة ويرأسها عبدالحميد الدبيبة، وحكومة موازية في بنغازي في الشرق مدعومة من المشير خليفة حفتر.
وأصبحت البلاد منصة انطلاق رئيسية لعشرات آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الإيطالية الواقعة على بعد 300 كلم، في رحلات محفوفة بالمخاطر سعيا منهم للوصول إلى أوروبا.
وتقع المنطقة التي شهدت عمليات الدهم إلى الشرق من طرابلس وأقيمت فيها مخيمات عشوائية محاطة بجدران مرتفعة مع بوابة كبرى، فيما يُعتقد أن مئات من المهاجرين، غالبيتهم من مصر وإفريقيا جنوب الصحراء، يقيمون هناك.
وفي المخيم أفادت صحافية في فرانس برس بوجود متجر صغير ومحل قصابة وآخر لبيع الخضار. وقالت وزارة العمل إن الموقع يفتقر إلى “الاشتراطات الأساسية للسكن اللائق والصحة والسلامة المهنية”، وفق وكالة الأنباء الليبية.
وقال العابد “سوف يتم ترحيل وضبط هذه المجموعات بالكامل ونقلها إلى مراكز الإيواء التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية وسوف تتخذ فيهم الإجراءات القانونية بحسب اللوائح المعمول بها داخل الدولة”. ولم يتّضح إن كان ترحيلهم مطروحا على الفور.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، زار ليبيا المفوّض الأوروبي للهجرة ماغنوس برونر رفقة وزراء من اليونان وإيطاليا ومالطا، للتباحث في الهجرة غير النظامية انطلاقا من سواحلها.
ويتم اعتراض المهاجرين من قبل البحرية الليبية في المياه الدولية قبل وصولهم إلى الساحل الإيطالي، وإعادتهم قسرا إلى ليبيا ثم احتجازهم في ظروف تدينها المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة بشكل متكرر.
وغالبًا ما تثير مثل هذه الاعتقالات الجماعية مخاوف بشأن ظروف احتجاز هؤلاء العمال، فيما تشير تقارير إلى أن مراكز الاحتجاز في ليبيا تعاني من اكتظاظ ونقص في الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
وتواجه ليبيا تحديات في توفير أطر قانونية واضحة لحماية المهاجرين وطالبي اللجوء، مما يؤدي إلى احتجاز تعسفي لأجل غير مسمى في كثير من الأحيان.
وتتهم منظمات حقوقية ونشطاء الميليشيات التي إدارة مراكز الاحتجاز باستغلال المهاجرين، مما يزيد من تعقيد الوضع. وقد تؤدي التوترات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد إلى تصاعد مشاعر العداء للأجانب، خاصة في ظل مزاعم بوجود “عمالة أفريقية مرتزقة” في بعض الفترات.
وتعتمد عدة قطاعات في الاقتصاد الليبي على العمالة الأجنبية غير الرسمية، وإيقاف هذا العدد الكبير من العمال يمكن أن يؤثر على أدائها. وقد يكون الإجراء جزءًا من محاولات أوسع لتنظيم قطاع العمالة لزيادة الإيرادات أو لتحسين ظروف العمل.