تقرير فرنسي يقدر التكلفة المالية للاتفاقية بنحو ملياري يورو مشيرا إلى إخلال الجزائر بالتزاماتها
يقود المبادرة الهادفة إلى إلغاء الاتفاقية النائب غيوم بيغو المنتمي إلى حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد بدعم من إريك سيوتي رئيس حزب وكتلة اتحاد اليمين
تُستخدم الاتفاقية كورقة ضغط في سياق التوتر المتصاعد وفي المقابل ترى الجزائر أن الاتفاقية أفرغت من مضمونها بفعل التعديلات والقيود الفرنسية التي طرأت عليها
أدت محاولة ترحيل مؤثرين جزائريين من فرنسا إلى تفاقم الأزمة حيث رفضت الجزائر في بعض الحالات استقبالهم متهمة باريس بانتهاك الاتفاقيات القنصلية
باريس / النهار
يستعد البرلمان الفرنسي نهاية الشهر الحالي للنظر في مشروع قانون يهدف إلى إلغاء اتفاقية الهجرة مع الجزائر، المبرمة في العام 1968، وسط توترات مستمرة في العلاقات بين البلدين، مما ينذر بمزيد من تأجيج الخلافات الدبلوماسية.
ويأتي هذا التحرك بعد أسبوع من نشر تقرير برلماني أعدّه النائبان شارل رودويل وماتيو لوفيفر، حيث قدَّر التقرير التكلفة المالية للاتفاق بنحو ملياري يورو، نتيجة ما وصفاه بـ”العبء الاجتماعي والإداري للهجرة الجزائرية”، في ظل غياب أي التزامات مقابلة من الجانب الجزائري.
ويقود المبادرة الهادفة إلى إلغاء الاتفاقية النائب غيوم بيغو، المنتمي إلى حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، بدعم من إريك سيوتي، رئيس حزب وكتلة اتحاد اليمين من أجل الجمهورية، الحليف السياسي للتجمع الوطني.
وقال سيوتي في مقابلة تلفزيونية على قناة “تي أف 1” الفرنسية إن التصويت المرتقب “سيمنح الجميع فرصة لتحمل مسؤولياتهم في هذا الملف الذي طال الجدل حوله”.
وكان سيوتي سحب في وقت سابق مقترح مشروع قانون ينص على إلغاء الاتفاقية قبل مناقشته في الجمعية الوطنية، وهي خطوة رأى فيها مراقبون حينها محاولة لـتهدئة التوتر في العلاقات الثنائية.
وتُستخدم الاتفاقية كورقة ضغط في سياق التوتر المتصاعد. وفي المقابل، ترى الجزائر أن الاتفاقية “أفرغت من مضمونها” بفعل التعديلات والقيود الفرنسية التي طرأت عليها على مر السنين، وأنها لم تعد تقدم الامتيازات الحقيقية التي كانت موجودة سابقًا، مثل فرض التأشيرة على الجزائريين منذ عام 1986.
وتتراكم ملفات الخلاف بين باريس والجزائر، ما يدفع بالعلاقات إلى نقطة اللاعودة، حيث تتهم فرنسا السلطات الجزائرية بعدم التعاون في قبول عودة رعاياها الذين صدرت بحقهم أوامر بالترحيل من الأراضي الفرنسية، سواء كانوا مهاجرين غير نظاميين أو متهمين بجرائم أو تطرف.
وتسببت قضية الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال، وسجنه بتهمة تعريض أمن الدولة للخطر، في دخول العلاقات نفقا مظلما، خاصة بعد رفض الجزائر كافة الدعوات لإطلاق سراحه، ومن بينها تلك التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون.
وأدت محاولة ترحيل مؤثرين جزائريين من فرنسا إلى تفاقم الأزمة، حيث رفضت الجزائر في بعض الحالات استقبالهم، متهمة باريس بانتهاك الاتفاقيات القنصلية.
وشهدت العلاقات تدهوراً حاداً بعد التصعيد الذي قابلت به الجزائر قرار فرنسا دعمها لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل قضية صحرائه، رغم أن الخطوة كانت منتظرة بعد عودة الدفء إلى العلاقات بين باريس والرباط.
ومن المرجح أن يؤدي إلغاء الاتفاقية إلى تصعيد كبير في الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وقد تدفع الجزائر باتخاذ إجراءات مضادة.
وفي حال الإلغاء، سيؤدي ذلك إلى تطبيق القانون العام للهجرة على المواطنين الجزائريين في فرنسا، مما قد يؤثر على شروط إقامتهم وعملهم وحقهم في لمّ الشمل. وتتزايد التخوفات داخل الأوساط الفرنسية من أن يؤدي هذا التحرك إلى إثارة مشاعر العداء ضد الجالية الجزائرية في فرنسا، خاصة في ظل صعود خطاب اليمين المتشدد.
ويُنظر إلى الأزمة بين فرنسا والجزائر من منظور السياسة الداخلية الفرنسية، حيث يستغل اليمين واليمين المتطرف ملف الهجرة والجزائر لتغذية أجندتهما السياسية وكسب أصوات الناخبين.
وتعيش الدبلوماسية الجزائرية حالة استنفار غير معلن مع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن الدولي المخصصة لبحث تطورات قضية نزاع الصحراء، والتي ستُعقد برئاسة موسكو، في وقت تشهد فيه العلاقات الروسية المغربية تقاربًا غير مسبوق أثار قلق الجزائر، خصوصًا بعد إشارات روسية إيجابية تجاه مقترح الحكم الذاتي المغربي واعتباره “حلا واقعياً وقابلا للتطبيق” لإنهاء النزاع المفتعل والمستمر منذ عقود.
وتأتي هذه التطورات بينما يشهد ملف النزاع المفتعل منعطفا كبيرا وتحولا لافتا لجهة تنامي زخم الدعم الدولي والإقليمي للموقف المغربي وترسخ قناعة لدى غالبية القوى بأن الطرح الانفصالي الذي تقوده جبهة بوليساريو بدعم من الجزائر بات من الماضي وأن دعاية التحرر التي روجت لها الجبهة تحت مسمى تقرير المصير، باتت فعلا من الماضي.
كما أصبح لدى القوى الإقليمية والدولية قناعة أكبر أن بوليساريو على ارتباط وثيق بشكل مباشر او غير مباشر بجماعات متطرفة كثير منها منصنفة على قوائم الإرهاب الدولية وأن كثيرا من عناصر أو كانوا من منتسبيها على صلة بمافيات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وأفادت مصادر دبلوماسية في العاصمة الجزائرية بأن هذا التحول في الموقف الروسي شكّل صدمة ضمن أروقة وزارة الخارجية الجزائرية، التي سارعت إلى التحرك في اتجاه موسكو في محاولة لاحتواء الموقف، فقد أعلن بيان رسمي أن وزير الخارجية أحمد عطّاف أجرى اتصالًا عاجلًا بنظيره الروسي سيرغي لافروف، خُصص لبحث “القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها ملف الصحراء الغربية”، في إشارة واضحة إلى انزعاج الجزائر من تزايد التناغم بين الرباط وموسكو.
ويأتي هذا التحرك في ظل فتورٍ ملحوظ في العلاقات الجزائرية الروسية خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن أخذت موسكو تتوسع في نفوذها داخل دول الساحل الإفريقي على حساب النفوذ الجزائري التقليدي في المنطقة، وهو ما فُسّر في الجزائر كتحوّل في أولويات السياسة الخارجية الروسية من “الشراكة العسكرية” مع الجزائر إلى “التغلغل السياسي والاقتصادي” في فضاء الساحل عبر اتفاقات أمنية ومشاريع استثمارية مباشرة.
وفي المقابل، تبدو الجزائر اليوم في وضع دبلوماسي أكثر حرجًا، بعدما تقلّصت هوامش المناورة وفقدت جبهة بوليساريو جزءاً مهماً من الدعم الدولي الذي كانت تحظى به من بعض العواصم، فالتقارب المغربي مع واشنطن وباريس ومدريد، والاختراقات الدبلوماسية التي حققها في إفريقيا وأميركا اللاتينية، جعلت النظام الجزائري أمام معادلة جديدة: إمّا مراجعة خطابه الخارجي التقليدي، أو المجازفة بعزلة أعمق.
وتتجلى ملامح هذا التحول في السياسة الجزائرية أيضًا تجاه أوروبا، وخصوصًا إسبانيا، التي تشهد العلاقات معها منذ مطلع عام 2025 ديناميكية جديدة تعكس رغبة في تجاوز التوتر الذي اندلع عام 2022 حين أعلنت مدريد دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية، فبعد أن لوّحت الجزائر حينها بإجراءات اقتصادية وبتجميد التعاون، يبدو أنها اليوم تتراجع تدريجياً عن سياسة التضييق خشية ردّ فعل أوروبي منسّق أو فرض عقوبات تضامنية مع مدريد.
وفي مؤشر عملي على هذا التبدّل، أعلن وزير الداخلية الجزائري سعيد سعيود، عقب لقائه نظيره الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، عن تفعيل بروتوكول التنقل والعودة الموقع عام 2008، وتشكيل لجنة تقنية مشتركة لإعادة تنشيط التعاون الأمني في مكافحة الهجرة غير الشرعية. وهي خطوة تُترجم إرادة سياسية جزائرية لإعادة بناء الثقة مع مدريد، ولتقديم صورة أكثر براغماتية عن سياستها الخارجية في المتوسط.
وهذا الانفتاح الجزائري على إسبانيا، بالتوازي مع مساعي احتواء الموقف الروسي، يعكس إدراكًا متزايدًا في الجزائر بأن التحولات الجيوسياسية في المنطقة لم تعد تسمح بسياسات الاصطفاف الصارم، وأن هامش المبادرة يضيق مع تراجع الدعم الخارجي لجبهة البوليساريو وتزايد الاعتراف الدولي بالمقاربة المغربية.
وعشية الجلسة التي سيترأسها الجانب الروسي في مجلس الأمن، تبدو الجزائر أمام امتحان دبلوماسي مزدوج: محاولة الحفاظ على تماسك خطابها التقليدي بشأن الصحراء، من جهة، وتجنب خسارة حليفٍ استراتيجي كروسيا أو الدخول في عزلة أوسع داخل الساحة الأوروبية، من جهة أخرى.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقريره الأخير إلى مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المغربية، على التعاون المتميز والتفاعل البناء بين المملكة المغربية والآليات الأممية لحقوق الإنسان، مشيداً بالتزام المغرب الثابت بالنهوض بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها.
وأشار التقرير إلى الرسالتين الرسميتين اللتين وجههما المغرب إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في 25 يونيو/حزيران و2 يوليو/تموز 2025، مبرزاً أن المملكة تجري حواراً منتظماً وإرادياً مع المنظومة الأممية، من خلال تزويد المفوضية بالمعلومات بشكل دوري واستقبال عدد هام من المكلفين بولايات أممية، الذين قام العديد منهم بزيارة الصحراء المغربية.
واستقبل المغرب أكبر عدد من زيارات الإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان في المنطقة، وهو مؤشر على الانفتاح المستمر للسلطات المغربية على التفاعل الدولي وتعزيز المصداقية الوطنية والدولية.
كما سلط التقرير الضوء على الدور الحيوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وخصوصاً لجنتيه الجهويتين بالعيون والداخلة، اللتين تواصلان إنجاز العمل الميداني في مجال حماية الحقوق والحريات الأساسية في الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى معالجة الشكايات وتقديم الوساطة، بما يعكس التزام المملكة بترجمة المبادئ الدولية إلى برامج ملموسة على الأرض.
وأشار التقرير أيضاً إلى التفاعل الإيجابي للمغرب مع المكلفين بولايات موضوعاتية في إطار الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، ما يعكس شفافية المملكة واستعدادها للمساءلة والتعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان.
المغرب بين الالتزام الدولي والدور الإقليمي
ويتجاوز التعاون المغربي مع الآليات الأممية البعد الشكلي إذ يمثل استراتيجية متكاملة لتعزيز مكانة المملكة الإقليمية والدولية، من خلال ترسيخ سيادة القانون وحماية الحقوق الأساسية في كافة جهات البلاد، بما فيها الصحراء المغربية. فالمغرب يظهر نموذجاً فريداً في الجمع بين الالتزام بالقيم الكونية لحقوق الإنسان والحفاظ على مصالحه الوطنية، وهو ما يعزز مكانته كفاعل موثوق داخل النظام متعدد الأطراف.
ويعكس هذا الانفتاح على الإجراءات الأممية قدرة المغرب على تحويل الالتزامات الدولية إلى برامج عملية، تسهم في تعزيز التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي، ورفع مؤشرات الحوكمة الشفافة في المناطق الحساسة. كما يمنح المملكة مصداقية إضافية على الساحة الدولية، ويضعها في صدارة الدول الرائدة في حماية حقوق الإنسان ضمن المنطقة.
علاوة على ذلك، يعكس عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية التزام المغرب المستمر بآليات رصد الحقوق والحريات، وتقديم حلول عملية للشكايات المجتمعية، ما يعزز الثقة بين الدولة والمواطنين، ويؤكد قدرة المملكة على دمج المعايير الدولية ضمن سياسات وطنية فعّالة.
في هذا السياق، يتضح أن المغرب ليس فقط طرفاً ملتزماً بالمبادئ الدولية، بل فاعلاً عملياً قادراً على ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان على أرض الواقع، مع إظهار توازن دقيق بين الالتزام بالقوانين الدولية وحماية المصالح الوطنية. وهذا المزيج من الانفتاح والمصداقية يعزز دوره كركيزة أساسية لدعم السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، ويجعل من المملكة نموذجاً يحتذى به في قيادة المبادرات الحقوقية ضمن إطار متعدد الأطراف.
وفي تحول لافت، أكدت جبهة بوليساريو استعدادها لتقاسم ما وصفته بـ”فاتورة السلام” مع المغرب، وقبولها العودة إلى طاولة المفاوضات بعد أن فقدت هامش المناورة، وذلك بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة ملف الصحراء المغربية. ويعكس الموقف الجديد للجبهة الانفصالية رغبتها في التكيف مع الواقع الذي يفرض عليها الموافقة على مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لإنهاء النزاع المفتعل، في ظل الإجماع الدولي على أنه الحل الوحيد لتسوية القضية.
ودعا محمد يسلم بيسط، وزير خارجية الكيان غير الشرعي، خلال ندوة صحفية عقدها الأربعاء بالعاصمة الجزائرية، إلى “إيجاد حل للنزاع بطريقة تفتح المجال أمام مرحلة جديدة”.
وتابع أن “السلم مع المغرب ستترتب عنه فاتورة كبيرة”، مضيفاً “نحن كصحراويين مستعدون أن ندفع الجزء الذي يعود لنا من هذه الفاتورة، مهما مثَّل ذلك من تنازلات سياسية أو نفسية أو اقتصادية”.
ولم يأتِ تخلي الجبهة الانفصالية عن نبرتها العدائية من فراغ، بل هو نتيجة تفاقم عزلتها الدبلوماسية وتلاشي طرحها الانفصالي الذي بات من الماضي، بعد أن نجح المغرب في فرض مبادرة الحكم الذاتي كإطار وحيد للتفاوض.
وكان إبراهيم غالي، زعيم جبهة بوليساريو، قد بعث قبل أيام من انعقاد جلسة مجلس الأمن برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أشار فيها إلى أن “الجبهة مستعدة لتقاسم فاتورة السلام مع المغرب”، ما يؤكد استعدادها لتقديم تنازلات.
وصرح قياديون في الجبهة مؤخرا بأنهم “مستعدون لقبول الحكم الذاتي المغربي إذا قبله الصحراويون من خلال استفتاء”، وأنهم قدموا مقترحاً موسعاً للأمين العام للأمم المتحدة يتضمن خيارات من بينها الاندماج وميثاق الارتباط الحر الذي يشبه المقترح الذي تطرحه المملكة.
وجاءت المرونة الجديدة للجبهة بعد نجاح الرباط في تفكيك ما تبقّى من شبكات الدعم القديمة، بفضل دبلوماسية هادئة وفعالة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس على مدى سنوات، تركزت على بناء شراكات اقتصادية وتنموية متينة في القارة الإفريقية، وتعزيز الحضور الدولي للمغرب داخل الأمم المتحدة ومؤسساتها.
ويُجمع المراقبون على أن المغرب استطاع أن يحوّل الملف من نزاعٍ سياسي إلى قضية تنميةٍ واستقرارٍ إقليمي، وهو ما جعل المجتمع الدولي يتعامل مع مبادرة الحكم الذاتي بوصفها الحل الوحيد الواقعي الذي يضمن مصالح جميع الأطراف.
ويصوِّت مجلس الأمن في 31 أكتوبر/تشرين الأول على مشروع قرار جديد بشأن الصحراء المغربية، وسط مؤشرات إيجابية بالنسبة إلى المملكة، بالنظر إلى أن ثلاث دول دائمة العضوية في المجلس تدعم المقترح المغربي، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فيما أرسلت روسيا إشارات تؤكد خروجها من دائرة الحياد الإيجابي إلى تأييد القضية المغربية.
وحققت الرباط اختراقات دبلوماسية كبيرة، أبرزها اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة على الصحراء، تلاه تأييد من دول أوروبية كبرى مثل إسبانيا وألمانيا وفرنسا لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الجاد والواقعي وذي المصداقية لإنهاء النزاع.
وقدمت واشنطن، منذ نحو أسبوع، لمجلس الأمن الدولي، بصفتها “حامل القلم” في ملف الصحراء المغربية، مسودة نصت على ترسيخ مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد وأساسي للحل. كما حثت الجزائر وجبهة بوليساريو على العودة إلى طاولة المفاوضات دون أي تأخير.
ويشير الموقف الجديد للجبهة الانفصالية إلى توجسها من احتمال مصالحة بين المغرب والجزائر بوساطة أميركية، وهو ما يضعها في موقف أكثر حرجاً ويجعلها في سباق مع الزمن لتأمين وجودها.
وتعتبر الولايات المتحدة إعادة تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، الداعم الرئيسي للجبهة الانفصالية، وسيلة للضغط على السلطات الجزائرية لرفع يدها تدريجياً عن الملف، وتسهيل القبول بالحل المغربي.
ولا يمكن للجزائر أن تقيم علاقات مستقرة وكاملة مع واشنطن دون إظهار قدر من المرونة تجاه المغرب الذي يُعتبر الشريك المحوري للولايات المتحدة. وفي حال توقفت الجزائر عن استخدام ملف الصحراء كأداة ضغط على الرباط، ستجد بوليساريو نفسها معزولة بالكامل، وتواجه بشكل مباشر قوة الموقف المغربي دون أي مظلة توفر لها الدعم والتمويل.
ويرى محللون أن الجبهة الانفصالية تسعى إلى التفاوض قبل فوات الأوان، وتحاول تأمين مقعد على طاولة المفاوضات مباشرة مع المغرب برعاية الأمم المتحدة لتحقيق بعض المكتسبات، قبل أن تُفرض عليها التسوية كأمر واقع في حال إبرام صفقة بين المغرب وراعيها الرئيسي الجزائر.
ويبدو أن بوليساريو بدأت تخطو، ولو متأخرة، نحو الاعتراف بالواقع الجديد الذي صنعته الدبلوماسية المغربية الهادئة: واقعٌ يُكرّس سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، ويُضعف تدريجيًا كل خطابٍ قائمٍ على الانفصال أو الوصاية الخارجية.




