رأيت الأستاذ زيان عملاقا بكل معنى الكلمة. أو هو سفينة محملة بالفكر غير أنها لا ميناء لهاكتاباته ما بين القضايا العامة دفاعا عن الإنسان والإنسانية، والوقوف إلى جانب المفكرين العرب الأحرار. لذلك أعجبني أن أنقل لقراء جريدتنا الراقية (النهار) نماذج من كتاباته لتكون تمهيدا لمن أراد معرفة هذا العلم الفكري الشامخ.
فأبدأ بمقالته عن بيع الإنسان في سوق النخاسة:
1- (في زمنٍ يملأه الصخب ولا يسمع فيه أحد ، ويزدهر فيه التجميل بينما تنهار الحقيقة ، أفتح اليوم مزادي الخاص ، لا لبيع الذهب ، ولا لاقتناء التحف ، بل لعرض ما تبقّى من الإنسان…. إن تبقّى .
مرحبًا بكم في سوق لا تُعرض فيه ساعات فاخرة ولا لوحات نادرة ، بل تُعلّق فيه القلوب الصادقة على الجدران كذكريات قديمة ، وتُعرض الضمائر في صناديق زجاجية مع لافتة : “للنظر فقط “.
من يأتيني بقلبٍ من ذهبٍ نقيٍّ ، لا مطليٍّ بالتوقّع ولا مزخرفٍ بالتظاهر ، أهبه من خلاياي ما تبقّى دون مقابل .
ومن يأتي بكلمةٍ واحدةٍ صادقة ، لا تحتاج لتأويل أو توثيق ، أُقبّل يده وأشهد له أن الإنسانية لم تُعلن إفلاسها بعد .
من يجلب عقلًا سليمًا لم تخرّبه عناوين الأخبار ، ولم يُسمّم بدخان الشهرة السريعة ، أمنحه ضوء النهار ذاته ، خامًا نقيًا، لم تلوثه شاشات الإعلان .
من يأتي ببراءة طفلٍ لم تطفئها المدارس التجارية ولا الأُسر المرتبكة ، أُحضنه كما تُحضن المعجزة ، وأشتري له قطعة حلوى لا تذوب من الحرارة بل تذوب في الحلم .
من يقسم بإخلاصه ، لا بالتصفيق ، لا باللايك ، لا بتوصيات ” النجاح السريع “، أتبعه ولو إلى آخر هذا السوق المترنّح .
لكن…. من يجرؤ على المجيء؟
من يخرج من بينكم عاري الوجه لا يخجل من ضميره؟
من لا يخبّئ نفاقه في جيب داخلي ، ولا يُرتّب ابتسامته قبل أن يدخل إلى المزاد؟
هل ما زال فيكم من لم يوقّع عقدًا خلف الكواليس :
“أنا أجاملك علنًا، وأتغاضى عن حقي مقابل إعجاباتك”؟
” أنت تكذب قليلاً ، وأنا أُثني عليك كثيرًا “؟
“لنكن شركاء في بيع الإنسان…. شرط أن نظل أنيقين أمام الكاميرا”؟
ها أنا أفتح المزاد….
لا لبيع القيم ، بل للبحث عن شظاياها.
لا لشراء القلوب ، بل لقياس ما تبقّى من حرارتها .
ولا لبيع الحقيقة…. بل للوقوف أمامها، عراة من كل زيف .
يا سادة ، تأمّلوا المعروض جيدًا:
الصدق مكسور الزاوية ،
الإخلاص به خدش بسيط ،
والإنسان…. موضوع في الركن ، عليه لافتة : “سعر خاص – منسيّ منذ زمن).
إنها مناحة على الحرية وأقدار الناس
2- موقفه المشرف في الدفاع عن صديقنا الدكتور هادي حسن حمودي وشرح منهجه حيث هناك أكثر من عشر مقالات في هذا الصدد، منها:
مقالة رقيقة بعنوان (حنين الوطن وشوق الروح) مقالة نقدية لأبيت شعر نشرها الصديق هادي في الشبكة. فقام الأستاذ سمير بدراسة نقدية، بدأها بلفظة الخطاب المحب:
(الأستاذ الدكتور : هادي حسن حمّودي.
الأبيات التي أرسلتموها تحمل من العاطفة والصدق ما يجعل القارئ يقف مدهوشًا أمام عمق المعاني وسلاسة الأسلوب. فهي تطرح تساؤلاً مؤلمًا عن الفارق بين شوق الحبيب وشوق الوطن، وتبرز صورة الشاعر الذي يلتمس الحنين في كل زاوية، لكنه يكتم لوعته للوطن الذي يحترق شوقًا إليه.
رؤيتي :
- “أيشكو شاعر من حبّ ليلى / فيمسح ذا الجدارَ وذا الجدارَا”
.البيت يستحضر صورة الشاعر العاشق الذي بلغ به الشوق حد الهوس، يتلمّس آثاره في الجدران. هذه الصورة تعكس حنينًا غامرًا لحبّ شخصي.
- “ولا أشكو إلى الأوطان شوقا / تلوّى في حنايا الروح نارا؟”
.البيت الثاني يقارن شوق الوطن بشوق الحب الشخصي، لكنّه يعبّر عن الألم الصامت للشاعر الذي لا يبوح بشوقه للوطن رغم أن هذا الشوق أشدّ وقعًا وألمًا في أعماقه.
الثناء:
أرجو أن تقبل مني، أ.د. هادي حسن حمودي، أصدق التحية والإعجاب بعمق معانيكم التي تجلّت في هذه الأبيات الرائعة.
لقد رسمتم صورة شعورية تعكس الحنين بجميع أبعاده الإنسانية والوطنية، وعبّرتم ببراعة عن صراع داخلي يلامس وجدان كل قارئ.
….
الرد شعراً:
“إذا ضاقَ الحنينُ وضاعَ سِرُّهْ وصارَ الدمعُ للروحِ المُقرَّهْ
أجبتُ: الشوقُ للوطنِ اعتذارٌ وفيه يسكبُ العاشقُ عُذْرَهْ”
النص الذي كتبه الاستاذ الدكتور الجليل / هادي حسن حمودي، سأحاول تقسيمه إلى عناصر أدبية ولغوية ومضمونية مع تسليط الضوء على الجوانب المختلفة:
- اللغة والأسلوب:
النص مكتوب بأسلوب شعري نثري (خواطر)، يمتاز ببلاغة واضحة وقوة تعبيرية. استخدام المفردات مثل: “الأزل”، “الصراع”، “التوائح”، و”الهواية” يعكس بعدًا فلسفيًا عميقًا وتحليلًا وجوديًا. التكرار في استخدام كلمات مثل “دروب” يعزز التأكيد على الترحال والمصير.
- المضمون والمعنى:
النص يتحدث عن الزمن وقطار العمر الذي يمر بلا توقف، ويركز على الغاية البشرية التي وصفها بـ “غاية قابيل”، مما يربط بين فكرة الجريمة الأولى والاختيارات البشرية منذ الأزل. طرح تساؤلات وجودية عن طبيعة الدروب التي يسلكها الإنسان، هل هي “خدعة” أم “صَكَّة عاوية”، مما يشير إلى صراعات داخلية وخارجية. الخاتمة توحي بالتسليم لمصير الإنسان (“لعَلَّ الذِّئابَ بها أرفقُ”)، مما يثير الإحساس بالمفارقة والقدرية.
- الرمزية والتاريخ:
اختيار “قابيل” كشخصية محورية هو رمز للإنسانية الأولى وللجريمة والصراع الأبدي بين الخير والشر. النص يحمل إشارات ضمنية لفكرة القدر، والتأرجح بين الفناء والمعنى.
- البنية الفنية:
البنية مقسمة إلى وحدات قصيرة مكثفة، كل منها تمثل فكرة أو حالة شعورية. استخدام الصور البيانية مثل “دروب تسير إلى الهاوية” يخلق أفقًا تخيليًا واسعًا.
- النقد الأدبي:
النص عميق ويستهدف القارئ المهتم بالفكر الفلسفي والروحاني.النص يفتح المجال لتعدد التفسيرات.
الخلاصة:
النص يعكس رؤية فلسفية تتناول الحياة كممر مليء بالصراعات والاختيارات التي قد تقود إلى الفناء. يحمل النص بعدًا إنسانيًا عامًا يمكن أن يُفهم في سياقات مختلفة بناءً على خلفية القارئ الفكرية والثقافية.
……
ونمضي في ظلالِ الليلِ نَخشى رؤى الأحلامِ إنْ طالَتْ تُبيدُ
كأنَّ الدهرَ أفعى في خفاءٍ يُسَيِّرنا، ونجهلُ ما نُريدُ)
حقيقة إنها سفينة ولكن في بحر من الرمال، تناشد نهر الأشواق أن يمد ذراعيه إلى النيل ودجلة والفرات وأرز لبنان الخالد.