التثاؤب شكل من العدوى العاطفية
أثبت علماء من جامعة بيزا الإيطالية، أن اقتراب إنسان عاطفياً من شخص ما، عامل حاسم في التقليد غير المتعمد لهذا الشخص، وهو ما يجعل التثاؤب أكثر عدوى بين أفراد الأسرة الواحدة، ثم بين الأصدقاء، ثم المعارف، ثم الغرباء. وبذلك تنطوي عدوى التثاؤب ضمن نماذج التقمص العاطفي عند توافر الظروف العاطفية المناسبة؛حسبما أكد الباحثون تحت إشراف اليزابيث بالاغي، في مجلة (بلوس ون) الأميركية. وقال الباحثون في دراستهم إن التقمص العاطفي، أي القدرة على التعرف إلى مشاعر الآخرين وإصدار ردود أفعال عليها، هو عنصر حاسم فيتكون السلوك الاجتماعي. ويعتقد بعض الباحثين أن مايعرف بمرآة الخلايا العصبية، التي توجد على شكل شبكة من الخلايا العصبية، يجعلنا نرد تلقائياً على بسمةالآخرين، وليست عدوى التثاؤب أمراً جديداً على العلماء،فهم يرجحون منذ وقت طويل وجود مثل هذه الأشكال من التقمص العاطفي للآخرين، ولكنها لم تثبت بهذا الشكل إلا أخيراً. وراقب الباحثون على مدى عام كامل، سلوك 109 أشخاص – 56 امرأة و53 رجلاً – من أوروبا وأميركاالشمالية وآسيا وإفريقيا، ثم حللوا التصرفات التي بدرت منهم في 480 تجربة، بما في ذلك الزاوية التي يرى فيها المراقب بدايات التثاؤب، وتوصلوا دائماً إلى النتيجة نفسها، ألا وهي أن العلاقة الاجتماعية كانت في كل مرة العامل الأكثر حسماً في انتقال عدوى التثاؤب، يليها عامل الجنس – ذكر أم أنثى – ثم القومية أو ظروف الموقف ذاته.بل إن التثاؤب ينتقل بسرعة أكبر بين الأشخاص الذين تربطهم قرابة، عنه بين المعارف؛ بحسبما أثبتت الدراسة،ولكن عنصر التقليد لا يلعب دوره إلا عندما يكون التقمص العاطفي ظاهراً أصلاً لدى الشخص المتقمص. ولا يلعب هذا العنصر دوراً لدى الأطفال الصغار، وكذلك لدى الأشخاص المصابين بالتوحد.
الضغوط النفسية تنتقل لا شعورياً بالعدوى
جاء في دراسة علمية جديدة أن “الضغوط النفسية يمكن أن تنتقل بالعدوى من إنسان إلى آخر، بطريقة لا شعورية ومن دون وعي”. وقبل الخوض في تفاصيل الدراسة،علينا أن نستعرض إحدى الحالات التي تعد نموذجاً لهذهالنظرية. إذ تقول البريطانية (جولي هول) من ويمبلدون،38 عاماً “إنها كانت وعلى مدى أشهر تعشق وظيفتها،وتنعم بتناغم مع زملائها، وتتمتع بحماس وإقبال على العمل، ولكن الأمور سرعان ما تغيرت بتعيين مديرة جديدة لإدارتها، التي كان مزاجها يتسم بالعصبية والحساسية.ثم بدا واضحًا أنها تعاني من توتر نتيجة تعرضها لأي موقف، وباتت ردود أفعالها تجاه الموظفين، يصاحبها نوعمن التذمر كما أنها اعتادت أن تصب جام غضبها بصوتعالٍ.
تقول جولي؛ إنها بطبعها شخصية سلسلة وسهلة القيادة، ولكنها بدأت تشعر أن التوتر قد نال منها، في ظل توتر المديرة الجديدة، وبات من الصعب عليها التركيز،وهو الحال نفسه الذي بدأ يشعر به باقي زملائها في العمل، إذ اعتادت المديرة الجديدة على أن تتصرف معه بعدوانية، وسرعان ما بدأ التوتر ينتشر في أرجاء المكتب؛وينتقل مع جولي وزملائها إلى منازلهم، وبدا الأمر وكأن الجميع قد أصابتهم عدوى عصبيةِ وتوتر مديرتهم.
تؤكد صحة هذه النظرية دراسة جديدة إذ تقول نتائجهاإن “الضغوط النفسية والتوتر يمكن أن ينتقلا بالعدوىمن شخص إلى آخر، مثله مثل أمراض البرد والإنفلونزا، لاسيما في أماكن العمل”. وجاء في الدراسة أيضاً “أنكعندما تجلس إلى جوار زميل لك في العمل، دائم الشكوى والتبرم والنواح، بسبب ضغوط وسياسات العمل، أو تستمع لمخاوف زميل آخر من رئيسه في العمل أو حبيبه،أو تأزمه من الأوضاع المالية والبنكية، فإنك تعرض نفسك للإصابة بمخاوفه نفسها، وأنينه وتبرمه وشكاواه”. فقد اكتشف العالم السيكولوجي في جامعة هاواي البروفيسور (إيلاين هاتفيلد) إمكان انتقال مشاعر القلق السلبية والضغوط ومعاناة الآخرين، بسهولة وسرعة في أماكن العمل. ويقول هاتفيلد “إن الناس بصفة عامة يتمتعون بالقدرة على محاكاة أصوات وأوضاع الآخرين،والملامح والتعبيرات التي ترتسم على ملامح وجوههم بسرعة مذهلة، وبالتالي فإن هؤلاء الناس قادرون أيضاًعلى تقمص شخصية الآخر وحياته العاطفية، وبالتحديد تبرمه وضغوطه النفسية”. وتقول الدراسة أيضاً “إن الإنسان عادة ما يكون أشبه بالاسفنجة التي تتشرب وتلتقط ما يمكن أن نطلق عليه اسم العدوى العاطفية،التي تنبعث من الأفراد المحيطين به. وما إن يتشرب الإنسان ضغوط الآخرين، فإنه سرعان ما يبدأ بالإحساسبالضغوط ذاتها أيضًا، والتركيز على مواقف يمكن أن تزعجه”. كما كشفت الدراسة عن “أن النساء، مقارنةبالرجال، أكثر عرضة للإصابة بعدوى انتقال الضغوط النفسية والمخاوف والقلق ومشاعر السخط والتبرم؛ وذلك بسبب أن النساء يميلن إلى التعاطف مع الآخرين،وبالتالي العزف على نغمة الشكوى نفسها والتبرم التي يبديها الآخر”.




