عدوى المشاعر والعواطف / رقية أبو الكرم / الجزء الأول

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
عدوى المشاعر والعواطف / رقية أبو الكرم / الجزء الأول

في عدوى الأمراض البدنية، قد يتوفر لك العلاج الكيميائي أو العشبي؛ فيساعد على شفائك من داء البدن، وربما بعض حقن اللقاح، قد تساعد في عملية تباطؤ الفيروس، والحد من نشاطه واندفاعه داخل خلايا جسمك. وربما توخي بعض الحذر، والابتعاد عن المصاب الذي تتوقع مسبقاً عدوتك منه، سيكون مساعداً آخر لردع العدوى.

هل في حال عدوى النفس اللا شعورية، ستقي نفسك من فايروس يتسلل إلى نفسك، ويصيب كامل طاقتك الحسية،حتى لتعجز عن الابتسامة! ويحيط بك الضجر، دون أن تكتشف السبب والسر الذي يقف وراء هذا الغموض؟

في حال إصابتك بوابل من الفرح والضحك بلا مبرر،والشعور بالحب الغامر، والسعادة التي تطغى علىجوانب من نفسك، حين تغزوك عدوى الفرح والحب والتفاؤل؛ هل ستكتشف المصدر؟

تبادل الابتسامات والتثاؤب والحركات في آن واحد،هل له مؤشر علمي ونفسي ثابت؟

هناك الكثير من الآليات الأساسية التي تحكم سلوك الإنسان، سواء أ كانت مكتشفة أو غير مكتشفة، مع ذلك لايمكننا معرفة متى تحدث ولماذا حدثت. منها ما يطلق عليه اسم العدوى العاطفية، أو التقمص العاطفي، وهي تتعلق في سلوكيات المشاعر والأحاسيس، التي يتقمصها البعض، دون الإحساس بعدوى الانتقال.

(جون كاسيو بو) عالم الأعصاب في جامعة شيكاغو، يرىأن هناك ما يدل على وجود (عدوى عاطفية)، تجعل المرء يشعر بذات المشاعر التي يشعر بها الآخرون؛ وتنتقل هذه المشاعر إليه بدون إدراك من الآخرين حوله.

وضعت عالمة النفس الأميركية (إلين هاتفيلد) إحدى وجهات النظر العملية؛ وهي إمكانية انتقال عدوى العواطف والسلوك، وحتى المواقف، تلقائياً من شخص الى مجموعة من الأشخاص، سواء بالشعور أو باللاشعور، وقد درس هذه الظاهرة عدد من الهيئات العلمية،مثل (شروك لايف وورور) في العام 2008، فوجدوا أن مفهوم العدوى العاطفية مماثل تماماً لمفهوم “المناخ العاطفي”، الذي يعتبر مرادفاً للروح المعنوية. إن للروح المعنوية قدرة عاطفية لخلق ظواهر مماثلة على مجموعة من الأفراد؛ فهل يمكن أن تخلق الروح المعنوية مواقف وظروف مماثلة لمجموعة من الأفراد؟!

 

العدوى العاطفية الضمنية

تعتبر العدوى العاطفية أقل وعياً، وأكثر تلقائية، وهي لاتعتمد على التواصل اللفظي، بل على حالات شعورية تتعلق بالتواصل الروحي للطرف الآخر، وهي مشابهة للاتصالات السلكية واللا سلكية. فعلى سبيل المثال يتفاعل الأشخاص الذين تفصل بينهم المسافات؛ منخلال رسائل البريد الإلكتروني أو الدردشة عبر الإنترنت،على نحو خال من أي تواصل لفظي وجسدي، ويعتمد هذا النوع من التواصل على الإدراك الحسي الروحي المباشر،ولا يشمل ذلك تقليد حركات السلوك من تعبير وجهه وغيرها، دون وعي من المتفاعلين. على سبيل المثال؛ أتحدث مع أخي الذي يعيش في مدينة أخرى عبر برنامج المحادثات، عن طريق الإنترنت، ولنفرض أني أتناول بعض الكعك وهو أيضاً يتناول بعض الكعك، وبدون أن أعرف أن العدوى العاطفية تجعلنا نتناول الكعك بنفس الدقائق، و تجعلنا نطبق نفس الحركات في الاكل وتعابير الوجه، بدون أي وعي من أي منا.

مثال آخر يقع لبعض قراء القصص والروايات؛ أثناء قراءته لرواية أو قصة ينتابه شعور أنه هو بطل القصة،وأن المشاعر التي يتحدث عنها الكاتب هي مشاعره ذاتها منسوخة على الورق، وهذا يحدث للأغلبية.

يصف (هاتفيلد) العدوى العاطفية، أنها عبارة عن سلسلة من الخطوات، تبدأ كسلوك بدائي تلقائي واعٍ، ثم تتحول إلى سلوك غير واعٍ، بحيث يدرك الشخص التعبيرات العاطفية من المرسل تلقائياً، ويقلدها بدون وعي.

 

العدوى العاطفية بين المتزوجين

يرى الدكتور (روبرت لفينسون) عالم النفس الفسيولوجي الذي استخدم الدراسات الطولية على المتزوجين، أن العدوى العاطفية لا تنتقل فقط في المشاعروالسلوك وتعبير الوجه، بل تنتقل إلى الشكل والمظهر العام لكل من المتزوجين، اللذين يصبحان مع مرور الزمن مثل التوأمين. كما عمل روبرت دراسة طولية على التوأم الذين يعيشون في ظروف مختلفة، واتضح له أن هناكعدوى سلوكية وعاطفية، بل أيضا عدوى في الأقدار، أن يتعرض كل من التوأمين لحادث سير في وقت مماثل، ولكن في مكان وظروف مختلفة؛ ما يوحي أن لبعض البشر أقدار متشابهة في توقيت واحد.

 

الجانب العلمي

توجد مجموعات من النوى في عمق الفص الصدغي من الدماغ الفقريات، بما في ذلك الإنسان، وتسمى (اللوز)والتي هي جزء من آلية الدماغ التي تركز على التعاطف والتناغم، ويرى (هوارد فريدمان) الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا أن (اللوز) هو الذي ينقل العدوى بين سلوك وعاطفة بعض الناس. ويرى علماء النفس أن العدوى العاطفية تظهر في السلوك الظاهري، مثل تعابير الوجه والحركات، وفي السلوك العاطفي مثل الحُب،الرغبة والشعور بالنشوة، وفي المصير والأقدار؛ كأن يتعرض شخص لحادث سير بينما يتعرض الآخر لحادثة غرق، كما أن الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى العاطفية بين بعضهم البعض؛ يصدقون بالتخمين بمشاعر ورغبات بعضهم البعض. كما يعتقد بعض الباحثين أن العدوى العاطفية لا تشترط أن تقع في ذات المكان، ولكنها تقع في توقيت موحد بين فردين أو مجموعة من الأفراد، أو بين فردوحيوان مقرب إليه.

عاجل !!