صراع الثقافات في قصائد الشاعر العُماني حمد الراشدي / د. أحمد نعمة (*)

هيئة التحرير21 يونيو 2025آخر تحديث :
صراع الثقافات في قصائد الشاعر العُماني حمد الراشدي / د. أحمد نعمة (*)

الشاعر الذي نتحدث عن بعض أشعاره الآن هو حمد الراشدي  له من الإصدارات، إضافة إلى ديوانه (خِلال وظِلال) كتاب (بين بلاغين) عن سيرته في الإعلام. وفي عام 2024 أصدر ديوانه الثاني (نحن الزهور) وفيه نصوص عديدة عن صراع الثقافة التوراتية والثقافة الإسلامية بشأن حياة إبراهيم الخليل ثم الانتقال إلى الصراع السياسي الحالي.

وهو على العموم يمثل موقف المثقفين العمانيين بشأن ما جرى ويجري في لبنان وغزة.

فمن اللحظة الأولى التي بدأت فيها الأحداث، نشر الشاعر العماني حمد بن محمد الراشدي مجموعة قصائد عن المسير والمصير.

لقد انتبهت إلى أن الشاعر العُماني كأنما استقرأ الأحداث مسبقا، فقبل شهر واحد من المأساة ناقشتْ قصيدتُه (أتى الفدْيُ) الفكرة التي نشرها الطرف الآخر عن أن الذبيح إسحاق لا إسماعيل (في قصة النبي إبراهيم الخليل) وبنوا عليها مسألة ساميّتهم. مما انخدع بمقالتهم الكثير من القدامي والمعاصرين، ذكرهم الشاعر في أول قصيدته تلك، مبتدئا بقول المعري في المديح:

(فلَوْ صَحَّ التناسخُ كُنتَ موسى

وكان أبوكَ إسحٰق الذّبيحا)

فقد ذكر أن الذبيح هو إحساق واتفق معه حافظ إبراهيم:

وشاعِرُ مِصْرَ والنّيلِ المُوَشَّى

بنفسِ الشِّعْرِ أبْداهُ مَليحا

” وكمْ أزْرَتْ بنا الأيامُ حتّى

فَدَتْ بالكَبْشِ إسحٰقَ الذّبيحا

ثم يوظف الشاعر نصوصا تثبت بطلان تلك الدعاوي التي أرادت تثبيت النظرة العنصرية في تفسير حقائق التاريخ. (انظر ديوان: خلال وظلال).

وما هي إلا فترة قصيرة من ظهور الديوان حتى تفاقمت الأوضاع، فتناغم الشاعر معه، واندمج مع آماله وآلامه، ففي قصيدته (هجم الأسود) عرض حق الفلسطينيين في ديارهم، وتضحياتهم في مواجهة القوة المتعطرسة الغاشمة:

هجم الأسودُ وذكّروا العادينا (المعتدين)

ها نحن ذا إن كنتمُ ناسينا

 

ومنها ما جرى لاحقا:

ومضوا صدورا قد تجلّت للردى

والنصر بان على الجباهِ يقينا

أبطال غزة بالإغارة سطروا

مَثلا على عزم الرجال مبينا (ديوان نحن الزهور 103-104)

 

وفي قصيدة لاحقة هي (رُفعَ الغطا) يلاحق الشاعر العُماني حمد الراشدي المجريات اليومية لشراسة العدوان قتلا للأبرياء الرجال والنساء وحتى الصغار عصافير الجنة، والتجويع، وقصف المستشفيات وغير ذلك من جرائم الحرب التي اعترف بها العالم ومؤسساته القضائية، قال في وصف ما فعله (العدو):

 

وبدا كعادته، وقد علقت به

 

قصفا وهدما للبيوت مُحينا

أي إن ذلك القصف والهدم قد محا البيوت والمساكن من الوجود، وكان من وراء القسوة هدف تهجير جديد للناس لافتقاد بيوت صالحة للسكن وافتقاد أوليات شروط العيش. ولكن سكان الأرض وعشاقها يرفضون التهجير، فتحملوا كل أنواع العذاب

وعن الكهولة والطفولة ما انتهى  فأحالهم مُهجا قضت وعيونا

ومضى يحاصر للغذاء ممانعا والماءِ أن يَصِلَ المريضَ عَوينا

ويهاجم المطبّعين ويرى أن عليهم وعلى سائر العرب وكل العالم الوقوف إلى جانب الضحايا الأبرياء في حملة الإبادة الجماعية هذه. (ديوان نحن الزهور 105- 111).

 

ثم تأتي قصيدته (وهم ظفروا) لتبتعد عن الشعارات متخذا الشاعر من نهج الخطاب وسيلة البيان:

ألا أيها الطوفان حين تفجرا  جلوت رقاق النصل ما قد تغيّرا

أعدت لحدّ السيف بالصلت فعله  وللبأس إقداما أبان وأبهرا

فقد أعادت غزّة للسيف كرامته، حين أعادت له وظيفته بالصلت على الأعداء الذين مارسوا شتى صور العدوان وإزهاق الأرواح وتدمير كل شيء تمهيدا لتهجير أهل الدار من ديارهم.

وما همّهم إلا التسلط دَيدنا  وفرض اقتياد بالمدافع مُخفرا

وهكذا تصل القصيدة إلى بيان زيف شعارات المعتدين:

ولا القول بالقانون جاء مرادفا  لأفعالهم جاشت تعالٍ تصعّرا

تشدّق بالحرية التفّ حولها نفاقٌ، عهودٌ غالَبوها تنكُرا

لقد برئت منهم وجودُ حضارة وحوشٌ لبغيٍ بالحديد تنمّرا

وكان أن أدان الشاعر أيضا تخاذل العرب عن نصرة غزة، ولا مبالاتهم بالظلم الذي حلّ بهم.والملاحظ على أسلوب الشاعر العماني حمد الراشدي أنه يُعنى بالتركيب اللغوي كثيرا، بحيث تذكرك قصائده بقصائد الفخر والانتصار في المعارك والحروب التي قالها الفرسان عبر تاريخ العرب والمسلمين، إضافة إلى تصوير الأوضاع العامة والحالات النفسية للناس.وبالخلاصة إنه صوت الحق في وجه الظلم، صوت الإرادة في تحدّي الظلم والعدوان..وآهٍ لو اجتمعت كلمة العرب على نصرة بعضهم بعضا.

 

* إعلامي وباحث لبناني – لندن

 

 

عاجل !!