شكرًا
نور البابلي
شكرًا…
لكلِّ ما مضى
لكلِّ ما كانَ يشبهُني حينًا
ويخذلُني أحيانًا
لكلِّ الوجوهِ التي عبرتْ روحي
كأنها مواسمُ عابرة
وتركَتْ على النوافذِ أثرَ الندى.
شكرًا…
للمساءاتِ التي بكيتُ فيها
ثمَّ نمتُ
وفي عيوني سؤالٌ لم يُجب عليه أحد.
شكرًا للظلام
لأنَّه كانَ مرآتي حينَ غابتِ المرايا
وكانَ صديقي الذي لا يخافُ من وجعي.
شكرًا…
لكلِّ خسارةٍ علّمتني أنَّ القيمةَ ليستْ في البقاء
بل في الأثر
وفي النورِ الذي نتركهُ بعدَ الرحيل.
شكرًا…
لذلكَ الطريقِ الطويلِ الذي مشيتُهُ وحدي
أتعثّرُ بنجومي
وأنهضُ على كتفِ صمتي
أتذكّرُ أنَّ اللهَ يراني
حينَ لا يراني أحد.
شكرًا…
لأبي حينَ غابَ
علّمني أنَّ الحضورَ الحقيقيّ لا يموت
وأمي
حينَ وضعتْ يدي على صدري وقالت
هنا… يسكنُ الله.
شكرًا
للأصدقاءِ الذينَ انطفأوا كالشمع
كانوا نورًا
ثمَّ صاروا درسًا في الحذرِ والحنين.
وشكرًا للذينَ بقوا
بسطاءَ
كضحكةٍ في وجهِ الغيم.
شكرًا…
لقلبي الذي لم ييأس
رغمَ كلِّ الحروبِ التي دارتْ في صمته
لأنه ظلَّ يزرعُ الوردَ في فوضى الرماد
ويُصدّقُ أنَّ الغفرانَ قوّة
وأنَّ اللينَ لا يعني الهزيمة.
شكرًا…
للألم
الذي جعلني أرى الجمالَ في الشقوق
وأسمعُ الحكمةَ في بكاءِ الصغار
وأفهمُ أنَّ الجرحَ نافذة
لا جدار.
شكرًا…
للوحدة
حينَ جعلتني أُصغي إلى أنفاسي
وأتعرفُ إلى اسمي من جديد
وأكتشفُ أنَّ في الصمتِ كلامًا
لا يقولهُ أحد.
شكرًا…
للمحبينَ الذينَ أحبّوني كما أنا
ولأولئك الذينَ أحبّوني كما أرادوا أن أكون
كلاهما ساهمَ في نضجي
كلاهما علّمني كيفَ أكونَ حرّةً
في الاختيارِ والوداع.
شكرًا…
للسماء
حينَ كانتْ تسندُني بالنجوم
وللأرضِ
حينَ كانتْ تحتملُ دموعي كأمٍّ صبورة.
شكرًا…
للحياةِ التي لم تُهادنني
لكنّها منحتني المعنى
وللألمِ الذي لم يرحمني
لكنّه جعلني إنسانة.
شكرًا…
لي أنا
حينَ اخترتُ أن أُكمل
أن أنهضَ من رمادِ الكلام
وأكتبَ قصيدتي الأخيرة
دونَ حاجةٍ إلى تصفيق.
شكرًا…
لأنني اليومَ أفهم
أنَّ الشكرَ صلاةُ العارفين
وأنَّ الامتنانَ
هو شكلٌ آخرُ من أشكالِ النور
وأنَّ كلَّ ما كسَرَني
صنعَ فيَّ موسيقى لا تُسمَع
لكنّها تُحيا
شكرًا…
لأنَّ الوجعَ كانَ معلمي
والفقدَ كانَ دليلي
والحبَّ برغمِ كلِّ خيبته
هو اللغةُ التي لم أخنها يومًا.
شكرًا…
يا الله
على هذا القلبِ الذي لم يفقدْ إيمانه
ولا إنسانيته
ولا دهشته




