شعرة الغضب لا بد أن تنقطع / رقية أبو الكرم

هيئة التحرير11 أكتوبر 2025آخر تحديث :
شعرة الغضب لا بد أن تنقطع / رقية أبو الكرم

تأتي إليك الصدفة في لحظة، لتستشف منها قصة ذات موعظة في جوهرها. لم يكن لقائي بها صدفة، ولكن ما دار بيننا من حديث، جاء بالصدفة المحضة.

عينان مغرورقتان بدمعٍ ساكنٍ، يكاد يفر من بين الكلمات، وهي تنطق اسم حبيبها (جعفر)، الذي شاركها عقدًا ونصف عقد من المودة والحب، والرفقة الطيبة.

“اشترينا كل قطعة أثاث معًا، فرشنا الأرض بسجادة من نور، كانت تمر عليه لحظاتٌ لا يستسيغ فيها لقمة هنيئة، حتى يتصل بي ليقول: (اشتهيتها لك، قبل أن اشتهيها لنفسي)”. قالتها (عائشة) وهي تمسح دمعة انسكبت من عينيها، لتسيل على خدها اللامع الطري.

سألتها مستنبطةً:

– ما الذي أطاح بهيبة ذاك الحب النقي، ما بين جعفر وعائشة؟

لا أظن أن عائشة هجرته عنوة، ولا أظن جعفر ذاك الغادر لحبيبته الذي يشتهي لها ما لا يشتهيه لنفسه. سكتتْ موجوعة، حتى عادت تروي لي ما حدث بين أهلها وبين أهل جعفر، وذاك الشرخ الذي أحدثوه بينهما، بعد مقتل أخي جعفر، حين كان أهله يقطنون في مدينة (الأعظمية)؛ مسقط رأس عائشة. وحادثة خطف زوج أخت عائشة الذي يعمل في تجارة الأدوات الكهربائية ببغداد، كل فرقة تظن أن الفرقة الأخرى سببتْ ما حدث لها من غدر، وتصفية للأنفس وتمثيل بالأجساد.

صمدت عائشة أمام أهلها، رفضت أي عريس طرق بابها بعد جعفر. إلا أن جعفر خضع أمام رغبة أمه، فتزوج بإحدى قريباتها. وظل يتواصل مع عائشة، خوفًا عليها من المرض والأذى، بقي الاتصال خفية بينهما، كلما سمعت صوته؛ بكت بصمت وأظهرت عدم مبالاتها، لكن الحنين أقوى من دمعة محتبَسة بين الجفون.

 

إن كانت الفتن تفرق بين قلبين التقيا بصدق، وافترقا على أحلام الرجوع، أ لم يكن حب جعفر الساكن في أعماقه لحبيبته عائشة كفيل بأن يعيد الحق يومًا، ويجمع بين شيعي وسُنية فرقتهما الفتنة؟ أ ليست عائشة الهاربة من مدّ حبها وجزره في فؤادها، تثابر من أجل عودة جعفر، بعد أن أهلكه الاشتياق لتقبيل يديها؟

ما إن تسمع عائشة دوي انفجار في مدينة (الكاظمية) ملاذ جعفر ومرقد شفيعه الإمام (موسى الكاظم) عليه السلام، حتى تنهار خوفًا على جعفر؛ لئلا يكون ممن طافت أنفسهم من أشلاء تناثرت عقب الانفجار، وهو ذاته شعور جعفر حين يسمع أن فتاة خطفتْ أو جثة مجهولة لفتاة ألقيت على قارعة أحد مداخل (الأعظمية) حنين عائشة وملاذها، وذكراها الجميلة مع جعفر، بعد أول لقاء جمعهما على عتبة مسجد الإمام (أبي حنيفة النعمان) رحمه الله تعالى.

بين خلجات الخوف، ودعاء المحب لحبيبه الذي لا يعرف الفرق بين (ش) و(س)، كل ما جمعهما هو شعور وُلِد بالفطرة الإنسانية، ما بين كائن وكائن، لا فرق بينهما سوى الفرق البايلوجي الذي جاء بخلق الله وحكمته، ولو تفرقت الأجساد وغشيت العقول، فسيبقى الحب كفيلًا بإعادة بناء وطن ذابت على جراحه أم ثكلى، وزوجة انقصم ظهرها بين خوف وعوز، واحتياج لعودة زوجها الغائب.

لا بد للنار أن تشبع وينفد الحطب؛ فتنطفئ نار الفتنة، وسيأتي السلام بعد كل خراب، هذا ما جاءت به رسائل كل الأديان على الأرض. أيقنتُ حينها أن كل الأديان عبارة عن عصبة خيوط تلتف في مغزل واحد، مروده الحب، وبَكرته السلام، وما دون ذلك، خارج عن ملة أي دين.

ينجلي الصبح بعد عتمة الليل الطويل، وتذيب خيوط الشمس صقيع الثلج؛ ليأتي الربيع، وبين الحب والسلام شعرة غضب؛ ستنقطع لا محال.

 

عاجل !!