سلوى الشهيدة  في رواية (رقص ورصاص فوق جسر السنك) / أ.د مصطفى لطيف عارف / ناقد وقاص عراقي

هيئة التحرير7 يوليو 2025آخر تحديث :
سلوى الشهيدة  في رواية (رقص ورصاص فوق جسر السنك) / أ.د مصطفى لطيف عارف / ناقد وقاص عراقي

     تُعد الشخصية أحد أعمدة الحبكة الروائية فلا يمكن للرواية أن تُصاغ دون شخصية فكل وضعية سردية تحتاج من ينهض بأحداثها ، وتطور الشخصية لا يتم بالنظر إليها وفق تأثير الواقع عليها فقط, وإنّما إلى ما يسعى الروائي (عبد الزهرة عمارة)  إليها  لذلك فهي تخضع لصرامة الكاتب, وتقنيات إجراءاته, وتصوراته وأيدولوجيته فالشخصية تُعد  بنية متحركة فاعلة؛

ولذلك تساعد على استخراج المحاور الدلالية والوصول إلى الدلالات الخفية للنص الروائي وقد  تساهم الشخصية في الكشف عن الكثافة النفسية والجوهر النفسي في بناء النسيج الأدبي, وتشكل الشخصية في العمل الروائي دورًا بارزًا وهي من العناصر المهمة وبواسطتها يتم معرفة أفكار الكاتب, إذ بها تتضح الأفكار والمضامين إلى القارئ بواسطة حوار الشخصيات مع الشخصيات الأخرى. والشخصية قبل القرن التاسع عشر لم تكن عنصرًا رئيسًا في الرواية فحسب التحليل الأرسطي تكون المأساة أساسًا لعمل ما, فكان من الضروري وجود شخصيات لها تقوم بالعمل, وفي هذا التحديد الأرسطي تكون طبيعة الأحداث هي المتحكمة في رسم صورة الشخصية أي إنّ الأحداث هي التي تصور الشخصية فهي تمثل محاكاة للشخصية وتعبر عن صفاتها وحقائقها لكن في القرن التاسع عشر احتلت الشخصية مكانًا بارزًا في الفن الروائي وأصبح لها وجودها المستقل عن الحدث, بل أصبحت الأحداث نفسها مبنية أساسًا لتقديم المعرفة عــن الشخصيات أو تقديم شخصيات جديدة , ومن الشخصيات المتميزة التي تناولها الروائي (عبد الزهرة عمارة) في روايته الواقعية (رقص ورصاص فوق جسر السنك ) شخصية (سلوى) الفنانة الشابة خريجة معهد الفنون الجميلة التي أحبت (عيسى) الذي وقف إلى جنبها  على الرغم من الأحداث المريرة ,والمؤلمة التي مرت بهما في بغداد فنراها تقول: إذا كنت إلى جانبي اعتقد أنني يمكنني أن استمر  يمكنني أن اعبر عن كل ما في قلبي من خلال الفن , وأحول هذا الوجع إلى شيء يشعل قلوب الآخرين 0 – قال عيسى بابتسامة مليئة بالثقة , لن تكوني وحدك أبدا نحن في هذه المعركة معا لوحاتك هي سلاحك , وكلماتي ستكون دمك لا يمكننا أن نخفي الضوء في قلبنا لمجرد أن الظلام يحيط بنا سنظل نرسم ونكتب حتى لو كانت كلماتنا مغمورة في بحر الصمت, وبذلك أصبحت الشخصية كيانًا مستقلًا عن باقي عناصر السرد فهي لا تفهم على أنّها جزء من الحبكة, بل على العكس من ذلك لها وجود مستقل, والحدث تابع لها وقد تركز اهتمام النقد البنيوي على الوظائف والأدوار التي تقوم بها الشخصيات أكثر من الاهتمام بصفاتها فمن هذه الأدوار ينشأ المعنى الكلي للنص، وعنوا بدراسة طريقة تقديم الشخصية، وتصنيفها، ووظائفها، وعليه فإنّ الشخصية في الدراسات البنيوية قامت على وحدة الأفعال التي تسند إليها في السرد وليس على جوهرها السيكولوجي ، وهذا ما ذهب إليه (تودوروف) عندما أطلق تسمية الشخصية على مجموع الصفات والأفعال التي أسندت إلى الذات (الفاعل) على طول الحكي وتماشيًا مع التصور اللساني ينظر بعض الباحثين إلى الشخصية على أنّها وحدة دلالية قائمة بذاتها وجعلها مشابهة للعلامة اللغوية، قابلة للتحليل والوصف. أي: من حيث هي دال ومدلول وليس معطى قبليًا ثابتًا أمّا النقاد الجدد فيرون إنّ الشخصية لا تعدو كونها عنصرًا من مشكّلات السرد في العمل الروائي, ومن أجل ذلك لا ينبغي أن تمنح كل هذه الأهمية ولا ينبغي تمييزها عن المكونات السردية الأخرى.وبذلك فإنّ الشخصية الروائية هي الوسيلة الأساسية التي تساعد على تحقيق الأفعال وإنّه لا يمكن عزل الشخصية عن بقية عناصر البناء الدرامي لأنّها تمثل الوعاء الذي يقوم بنقل التفاعل العام، إذ أصبح لها كيانها المستقل عن بقية عناصر السرد الروائي وقامــــــت عليها الدراسات وأختلف النقاد فيما بينهم في دراسة هذا العنصر السردي.فالشخصية من وجهة نظر رولان بارت هي كائن ورقي, وإنّ المؤلف(المادي) للقصة, لا يمكن أن يختلط مع راويها في أي شيء من الأشياء كما رأى أنّها  نتاج عمل تأليفي ، وبذلك فإنّها تتميز بما تتحدد به من صفات وأوصاف تسند إليها في العمل الروائي، أراد (بارت) من خلال هذا القول أن يوضح كيفية التعامل مع الشخصية في الرواية، على أساس أنّها كائن ورقي حي له وجود، فتوصف ملامحها وصوتها وملابسها وأهواؤها، ذلك إنّ الشخصية تلعب الدور الأكثر فاعلية في أي عمل روائي, استطاع الروائي   (عبد الزهرة عمارة ) من خلال ثنائية الشخصية سلوى / عيسى أن يعطينا صورة واقعية عاشها الشباب المطالب بالحرية ,والتخلص من الظلم والاضطهاد , فهو يرسم لنا بريشته الفنية الأحداث السياسية, ولاجتماعية  التي تحدثت عن مأساة الحب/ الحرب في الرواية , فنراه يقول :- على جسر السنك حيث يتناثر ضوء المساء كخيوط ذهبية بين أفق المدينة المكتظة بالأنفاس كانت سلوى وعيسى يرقصان معا في قلب المعركة كانت قدماهم تطأ الأرض بثبات تتنقلان كأنهما يغازلان صدى الجسر الذي حمل ذات يوم أحلام الوطن بينما كانت أجسادهم تنحني في تناغم مع نسمات الرياح الباردة وكأنها ترسم خطوط الحرية على جسد المدينة الذي شهد عشرات الثورات وعشرات الانتصارات 0  أمّا (جيرار جينيت) فرأى إنّ الشخصية ما هي إلا أثر للخطاب, وفي الوقت ذاته لا تنتمي إليه, ويفضل دراسة الوسائل التي يستعملها الخطاب في رسم الشخصية, أي التشخيص بدل الدراسة المباشرة.أمّا آراء (غريماس) حول الشخصية فقد اعتمدت على استخدام مصطلحين هما (العامل) و(الممثل), فضلاً عن ذلك أعتمد ستة أدوار العوامل التي تمثل الشخصية فيها دوران أو أكثر, أو قد تمثل الدور الواحد أكثر من شخصية واحدة، كما يجد إنّ  كفاءة شخصية تطوّر يكثر أو يقل على امتداد الخطاب السردي) وبذلك تظل الشخصية مكونًا هامًا في السرد الروائي ويعتمد وجودها على عبقرية المبدع وخياله في بنائها، وهنا يتضح دور الكاتب وقدرته في أن    يضع عددًا من  الكتب الكلامية ويمنح هذه الكتل أسماء كما ينسب إليهم حركات وإشارات معقولة ويجعلهم يتكلمون بواسطة إشارات معقوله وهذه الكتل هي الشخصيات)أمّا من حيث طرق تقديم الشخصية والتي يُقصد بها الوسائل الفنية التي يهدف الراوي من خلالها إلى تعريف القارئ بشخصياته، أو هي مجموعة التقنيات التي تفضي إلى تولد الشخصية، فيرى الدكتور “نجم عبد الله كاظم” إنّتقديم الشخصية يتم بإحدى طريقتين أو بكليهما. الطريقة الأولى: هي طريقة التقديم المباشر الإخباري أو التقريري, وفيها يقوم الروائي, بنفسه أو عن طريق الراوي, بتقديم الشخصية مما ينجم عن ذلك شخصيات جاهزة كليًا أو جزئيًا، أما الثانية: فهي طريقة التقديم غير المباشر/الاظهاري أو التمثيلي وفيها تظهر الشخصية بنفسها أو بعملها و تفكيرها وسلوكها, وقد يكون ذلك من خلال حوارات أو شخصيات أخرى خلال سير السرد.وهناك تصنيفات شكلية للشخصية الروائية التي ترتبط بكيفية تقديم الشخصية ووظيفتها داخل السرد، فهناك خصيصة الثبات والتغيير التي تقسم الشخصيات الروائية على قسمين: سكونيه ثابتة لا تتغير, ودينامية تمتاز بالتحولات داخل السرد فضلا عن ذلك  يمكن النظر إلى الشخصية بحسب أهميتها في الرواية والوظيفة التي تقوم بها, فهي إمّا شخصيه محورية (رئيسة),وإمّا شخصية ثانوية أي: مكتفية بوظيفة مرحلية.وتجدر الإشارة إنّ صفتي الثبات والتغيير لا ترتبط بالوظيفة التي تقوم بها الشخصية, فقد تمتاز الشخصية الرئيسة بصفة الدينامية أو السكون وينطبق ذلك على الشخصية الثانوية , ومن استنطاق الرواية نجد الروائي المبدع (عبد الزهرة عمارة ) رسم لنا الشخصية الرئيسة (سلوى) من بداية الرواية التي صورها لنا من خلال ولادتها في منطقة شعبية تحلم بان تكون مبدعة في حياتها العملية إلى نهاية الرواية لحظة استشهادها , فنراه يقول :- في تلك اللحظة إلي اختلط فيها الرصاص بنبضات القلب , سقطت سلوى كما تسقط نجمة في سماء الليل تنزف من جسدها حياة كانت قد وهبتها لهذا الوطن كان الألم يلتوي في جسدها كالثعبان السام يسرق منها النبض شيئا فشيئا بينما كانت ملامح وجهها الجميل تتناثر بين دموع وعذابات الرصاص الذي اخترق جسدها ويعتمد الناقد (حسن بحراوي) في تحليله لبعض الروايات على وفق معيارين هما: (التدرج والتحول), إذ يُمثل المعيار الأول: طبيعة تسلسل المعلومات بأن يقتضي أثناء تقديم الشخصية الانتقال بالوصف من العام, ومن المظهر الخارجي إلى الداخلي للشخصية، أمّا المعيار الثاني: فهو افتقاد الشخصية في النسق التقليدي إلى الصيغة النموذجية القارة وميلها الواضح إلى التحول تبعا للتغييرات التي تطرأ

فرواية ( رقص ورصاص فوق جسر السنك ) مستلهمة من الواقع تجسد الواقع الذي يعيش فيه شباب ثورة تشرين ، وصورها المؤلمة من قتل واعتقل ونفي اغلب شباب الحرية , صورها المبدع (عبد الزهرة عمارة ) بدقة حتى أنّ القارئ يشعر بواقعيتها، فرسم الروائي شخصياته من خلال البيئة التي يعيش فيها، وجسّدها بكل ما تعانيه من ظروف اقتصادية واجتماعية والظروف الصعبة والوضع المتردي الذي يمر به البلد، وأيضًا وجود الأحزاب السياسية خصوصًا بعد الاحتلال الأمريكي كان له الأثر الواضح في التأثير على الشخصيات، كل هذه الظروف أدت إلى صياغة شخصيات  الرواية ,وتنوع الروائي في تقديم شخصياته بين تقديم الشخصية عن طريق شخصية أخرى، اوعن طريق الحوار والوصف، أو عن طريق التقديم غير المباشر للشخصيات أو التقديم المباشر، أو بوساطة راوٍ يكون موضعه خارج القصة، وأيضا عن طريق السرد.

عاجل !!