بعض القرى فقدت ثلث إنتاجها الزراعي هذا الموسم نتيجة خوف السكان من التوجه إلى أراضيهم
لم يعلن الجيش الإسرائيلي عن أسباب ذلك التوغل وأهدافه، كما لم يصدر تعقيب فوري من الجانب السوري
دمشق / النهار
توغل الجيش الإسرائيلي في بلدتين بريف القنيطرة وأجرى تفتيشا في المنطقة. واعتقل أربعة أشخاص بالتزامن مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع الإسرائيلي وصولاً إلى محيط العاصمة دمشق، في أحدث تصعيد لسلسلة من الانتهاكات تنعكس على الحياة اليومية للسكان الذين باتوا يعيشون في رعب ويخشون ال
وتُعد عملية التوغل باتجاه خان أرنبة وعمليات الدهم والتفتيش فيها الأولى من نوعها، وأفادت قناة “الإخبارية” السورية بأن “قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في بلدتي جباتا الخشب وأوفانيا بريف القنيطرة الشمالي مصحوبة بآليات عسكرية محملة بالجنود وتنفذ عمليات تفتيش وانتشار على بعض أسطح المنازل وسط تحليق منخفض للمسيرات”.
ولم يعلن الجيش الإسرائيلي عن أسباب ذلك التوغل وأهدافه، كما لم يصدر تعقيب فوري من الجانب السوري.
ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، يعيش الجنوب السوري، وتحديداً محافظتا القنيطرة ودرعا، حالة من التوتر المتصاعد نتيجة سلسلة من التوغلات الإسرائيلية شبه اليومية داخل الأراضي السورية، وخلال عشرة أيام في سبتمبر الجاري، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 11 عملية توغل بري تراوحت بين نصب حواجز مؤقتة، ومداهمات للمنازل، وتدقيق على المركبات، واعتقالات غامضة، في ظل تحليق مستمر للطائرات المسيّرة والمروحيات الإسرائيلية في الأجواء الجنوبية.
وتحولت هذه التحركات إلى مصدر رعب للسكان المحليين الذين باتوا يعيشون تحت ضغط يومي من الخوف والقلق وانعدام الأمان، وسط غياب أي ضمانات لحمايتهم أو مساءلة قانونية لجهة تنفذ عمليات على أرضهم دون رادع.
وتعكس التفاصيل الميدانية التي وثقتها التقارير الحقوقية مشهداً متكرراً يتمثل في دخول آليات عسكرية إسرائيلية إلى قرى حدودية مثل جباتا الخشب، العشة، الأصبح، عابدين والصمدانية، يعقبه انتشار عسكري مفاجئ وحواجز للتفتيش، وفي بعض الحالات نفذت القوات الإسرائيلية اعتقالات جماعية، كما حدث في الثالث من سبتمبر/أيلول حين داهمت منزلاً في جباتا الخشب واعتقلت سبعة شبان، أفرج عن خمسة منهم لاحقاً بعد تحقيقات غامضة، فيما بقي اثنان قيد الاحتجاز.
وفي حالات أخرى، اقتصرت العمليات على تفتيش منازل أو التدقيق على السيارات، لكنها تركت خلفها حالة ذعر عامة، خصوصاً في ظل تحليق الطيران المسيّر فوق القرى.
وبات الأهالي في القرى الحدودية يعيشون في خوف دائم، ويخشون حتى من التنقل على الطرقات أو إرسال أبنائهم إلى المدارس، والنساء والأطفال على وجه الخصوص تأثروا نفسياً جراء المداهمات الليلية المفاجئة، والاعتقالات التي تتم دون تفسير أو معلومات عن مصير المحتجزين.
ويقول أحد الناشطين المحليين، إن “القلق في الجنوب لم يعد مرتبطاً فقط بذكريات الحرب السورية أو الخوف من الاعتقال الداخلي، بل أصبح مرتبطاً أيضاً بتوغلات إسرائيلية متكررة تقلب حياة الناس رأساً على عقب”.
ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة، يعد دخول قوات أجنبية إلى أراضي دولة ذات سيادة دون موافقتها انتهاكاً لسيادتها ووحدة أراضيها. كما نصت المادة الثانية من الميثاق على حظر استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.
وتواجه المنظمات الحقوقية السورية المحلية صعوبة بالغة في توثيق الانتهاكات في الجنوب بسبب الرقابة الأمنية وخطر الاستهداف، ومع ذلك، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان والشبكة السورية لحقوق الإنسان عدة حالات لاعتقالات نفذتها القوات الإسرائيلية في القنيطرة ودرعا، مشيرين إلى أن مصير بعض المعتقلين ظل مجهولاً لأشهر.
كما أصدرت اللجنة السورية لحقوق الإنسان بياناً حذرت فيه من أن هذه التوغلات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تضع المدنيين بين سندان الاعتقالات والمداهمات ومطرقة التهديد العسكري المستمر، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته في حماية السكان المحليين.
ووفقاً لإحصاءات أممية حديثة، يعيش في محافظتي القنيطرة ودرعا نحو مليون ومئتي ألف نسمة، بينهم ما يقرب من 40 في المئة من الأطفال، هؤلاء السكان، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والتهجير، يواجهون الآن معاناة الخوف من الاعتقال، والانقطاع عن مصادر الرزق بسبب الحواجز المؤقتة، وتعطيل الحياة اليومية بفعل التفتيش والاقتحامات.
والوضع يفاقمه الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، فالمزارعون في الجنوب باتوا يخشون الوصول إلى أراضيهم القريبة من خطوط التماس، خشية التعرض للتوقيف أو التحقيق، ويؤكد ناشطون محليون أن بعض القرى فقدت ثلث إنتاجها الزراعي هذا الموسم نتيجة هذا الخوف.
وفي الوقت الذي تلتزم فيه أطراف إقليمية كبرى الصمت أو الحذر حيال هذه التطورات، تعكس وسائل الإعلام الإسرائيلية رواية تركز على “منع تهديدات أمنية محتملة”، لكن منظمات أممية ترى أن هذه العمليات، إذا استمرت بهذا الإيقاع، قد تدفع المنطقة إلى دوامة جديدة من التصعيد، خاصة مع تصاعد التوتر على جبهات أخرى في الشرق الأوسط.
ويكرس استمرار هذه التوغلات دون مساءلة أو تحرك دولي جاد واقعاً خطيراً، وفي غياب حل سياسي شامل يضمن سيادة سوريا ويحمي سكانها، سيبقى الجنوب السوري رهينة للتوترات الإقليمية، ومرآة لانعكاسات صراع طويل لم يترك لأهله سوى الخوف والانتظار.
وذكرت مصادر مطلعة أن سوريا تسرع المحادثات مع إسرائيل تحت ضغط أميركي، للتوصل إلى اتفاق أمني تأمل في أن يؤدي إلى استعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في الآونة الأخيرة لكنه لن يرقى إلى مستوى معاهدة سلام شاملة، حيث يعتبر الرئيس دونالد ترامب أن المسألة شخصية بتحقيق تقدم في هذه القضية.
وقالت أربعة مصادر لرويترز إن واشنطن تضغط من أجل إحراز تقدم كاف بحلول الوقت الذي يجتمع فيه زعماء العالم في نيويورك في نهاية الشهر لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو ما سيتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعلان عن تحقيق انفراجة.
وأضافت المصادر أنه حتى التوصل إلى اتفاق متواضع سيكون إنجازا، مشيرة إلى موقف إسرائيل المتشدد في المحادثات التي استمرت شهورا وموقف سوريا الضعيف بعد أعمال العنف الطائفية في الجنوب والتي أثارت دعوات لتقسيم البلاد.
وتحدثت رويترز إلى تسعة مصادر مطلعة على المحادثات وعلى عمليات إسرائيل في جنوب سوريا. وتضم المصادر مسؤولين عسكريين وسياسيين سوريين ومصدرين من المخابرات ومسؤول إسرائيلي.
وأردفت المصادر تقول إن المقترح السوري يهدف إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي استولت عليها في الأشهر القليلة الماضية، وإعادة المنطقة العازلة المتفق عليها في هدنة عام 1974 كما كانت منزوعة السلاح، ووقف ما تقوم به إسرائيل من غارات جوية وتوغلات برية في سوريا.
وذكرت المصادر أن المحادثات لم تتناول وضع هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. وقال مصدر سوري مطلع على موقف دمشق إن هذه المسألة ستُترك “للمستقبل”.
والبلدان في حالة حرب من الناحية الفعلية منذ قيام إسرائيل في عام 1948 وإن كانت هناك فترات من الهدوء بين الحين والآخر. ولا تعترف سوريا بدولة إسرائيل.
وبعد التوغل داخل المنطقة منزوعة السلاح على مدى شهور، تخلت إسرائيل عن هدنة عام 1974 في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول، وهو اليوم الذي أطاحت فيه المعارضة السورية بالرئيس بشار الأسد. وقصفت إسرائيل أصولا عسكرية سورية وأصبحت قواتها على مسافة 20 كيلومترا من دمشق.
وأضافت المصادر أن إسرائيل أظهرت خلال المحادثات المغلقة ترددا في التخلي عن هذه المكاسب.
وقال مصدر أمني إسرائيلي “الولايات المتحدة تضغط على سوريا لتسريع عملية التوصل إلى اتفاق أمني. ويعتبر ترامب هذا أمرا شخصيا”.
وذكر المصدر أن الرئيس الأميركي يريد أن يقدم نفسه باعتباره مهندس نجاح كبير للدبلوماسية في الشرق الأوسط. لكنه استطرد يقول إن “إسرائيل لا تقدم الكثير”.
وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن واشنطن “تواصل دعم أي جهود من شأنها تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين بين إسرائيل وسوريا وجيرانها”.
وأشارت المصادر إلى أن إسرائيل تبدي عداءً للحكومة السورية، متذرعة بخلفية الرئيس أحمد الشرع وعلاقاته السابقة بجماعات جهادية، كما ضغطت على واشنطن لإبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة.
غير أن الولايات المتحدة شجعت على المضي في المحادثات، في إطار سعيها لتوسيع دائرة الدول المنضمة إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، على غرار “اتفاقات أبراهام” التي أُبرمت خلال الولاية الأولى لترامب.
وبدأت الاتصالات الاستكشافية بين سوريا وإسرائيل في أبوظبي عقب زيارة الرئيس أحمد الشرع للإمارات في أبريل/نيسان الماضي، والتي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل. وبعدها، اجتمع الطرفان في العاصمة الأذربيجانية باكو في يوليو/تموز.
لكن النقاشات سرعان ما دخلت في حالة ارتباك، عندما نشرت القوات السورية وحدات عسكرية في منطقة السويداء جنوب غربي البلاد، واعتبرت إسرائيل ذلك خرقاً لتطبيق “المنطقة منزوعة السلاح”، لترد بقصف وزارة الدفاع في دمشق.
وبوساطة أميركية، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار أنهى العنف، لتستأنف بعد شهر المفاوضات الثنائية في باريس، في أول اعتراف علني من دمشق بوجود محادثات مباشرة مع خصمها التاريخي. غير أن أجواء اللقاء اتسمت بالتوتر وانعدام الثقة، بحسب مصدرين سوريين ودبلوماسي غربي.
واقترحت إسرائيل على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك، الانسحاب من جنوب سوريا مقابل تخلّي الشرع عن الجولان، وفق مسؤول إسرائيلي، لكن الأخير أقر بأن المؤشرات الأميركية أوضحت أن الطرح “غير قابل للنقاش”.
وأكد مسؤول سوري أن الشرع أوضح لباراك أن أي تنازل عن الجولان يعني نهاية حكمه، مشدداً على أن أي اتفاق أمني يجب أن يستند إلى خطوط 1974.
وحقق الرئيس السوري أحمد الشرع إنجازات دبلوماسية كبرى منذ توليه السلطة قبل تسعة أشهر، لكنه يخاطر بخسارة المعركة الأهم التي تتمثل في الحفاظ على وحدة بلاده التي تواجه بشدة خطر الانقسام.
ففي شمال شرق سوريا، تقاوم القوات الكردية الاندماج في صفوف الدولة بعد حرب أهلية دامت 14 عاما، وتطالب بدستور جديد يعترف بحقوقها. وفي الجنوب الشرقي، يدعو الدروز علنا إلى الاستقلال بعد اشتباكات عنيفة مع القوات الحكومية.
وفي شمال غرب البلاد، يقول زعيم للطائفة العلوية إن إدارة الشرع تهدد وجود الطائفة بعد أن ارتكب مسلحون سنة تابعون للحكومة مجازر بحق مئات المدنيين هناك في مارس آذار.
وتنقلت رويترز عبر معاقل الأقليات العلوية والمسيحية والدرزية في سوريا، وتحدثت إلى عشرات السكان وزعماء الأقليات الذين عبروا عن غضبهم من إدارة الشرع الإسلامية في أعقاب تفجر العنف الطائفي منذ إطاحته بالرئيس بشار الأسد.
وقال أبوبلال (45 عاما) وهو أب لثلاثة أبناء ويعيش في جرمانا “كيف مواطن عايش بدولة والدولة بتقصفه.. إزاي أثق في هذه الدولة.. هما بيجرونا عشان نطلب التقسيم لكي نحمي أنفسنا”.
ودعا الزعيم الروحي للدروز الشيخ حكمت الهجري في نهاية الشهر الماضي إلى إنشاء إقليم منفصل، متهما القوات البدوية المدعومة من الحكومة بمحاولة “إبادة” الطائفة الدرزية. ووجه الشكر لإسرائيل على تدخلها بعد مهاجمتها قوافل للجيش في السويداء في يوليو/تموز وقصفها مبنى وزارة الدفاع في دمشق.
وفي أجزاء من السويداء، يقف مقاتلون دروز في نقاط تفتيش ويحرسون الطرق ويديرون مجالس محلية. وشهدت المنطقة سلسلة من الاحتجاجات الشهر الماضي، وهي المظاهرات التي طالبت بالاستقلال، ولوحت بأعلام إسرائيل إلى جانب الراية الدرزية متعددة الألوان.
ويتهم مسؤولون سوريون الدولة العبرية، التي سيطرت على مساحات شاسعة من الأراضي في جنوب سوريا بعد الإطاحة بالأسد، بتأجيج الانقسامات الطائفية في محاولة لزعزعة استقرار سوريا.
ورفضت حكومة الشرع الدعوات إلى نظام الحكم الفيدرالي أو تقسيم البلاد، وقالت إنها تريد توحيد البلاد وحكم جميع السوريين. وقال الشرع لرؤساء تحرير صحف عربية الشهر الماضي “إذا كانت الفيدرالية أو اللامركزية تعني التقسيم، فهذا غير مقبول”.
وقال مسؤول سوري رفيع المستوى، طلب عدم الكشف عن هويته، إن المصالحة في السويداء يجب أن تبدأ بالسماح للنازحين من البدو والدروز بالعودة إلى ديارهم، وتبادل الأسرى بين المسلحين السنة والدروز كوسيلة لإعادة بناء الثقة تدريجيا وأوضح أن الخلافات عميقة للغاية وستستغرق معالجتها سنوات.
وتعهد الشرع بمعاقبة المسؤولين عن أعمال القتال في السويداء، وفي أوائل سبتمبر/أيلول، أعلنت السلطات السورية اعتقال أفراد من وزارتي الداخلية والدفاع على صلة بعمليات القتل.
لكن أحد الأشخاص المشاركين في جهود الوساطة بين الدروز وإدارة الشرع قال إنه لم يتم إحراز تقدم يذكر منذ اشتباكات يوليو/تموز، وإن “تحالفا فضفاضا للأقليات” آخذ في الظهور في سوريا بدعم من إسرائيل.
واجتمع 400 ممثل عن الأقليات، من أكراد وعلويين ودروز، الشهر الماضي لمناقشة إقامة دولة سورية لا مركزية، في اجتماع دعا إليه زعماء أكراد في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا. ودعا بيان صادر عن اللقاء إلى وضع دستور جديد يضمن حقوق الأقليات.
وقال غزال غزال، رئيس المجلس العلوي الأعلى في سوريا خلال الاجتماع “نحن بحاجة إلى رص الصفوف لمواجهة الظلم والتفرقة التي أحرقت قلوبنا جميعا. الفكر الظلامي سلط السوريين على بعضهم، وانتُهكت الأعراض وسُلبت المقدسات”.
وحقق الشرع، القيادي السابق في تنظيم القاعدة، والذي كانت هناك مكافأة بعشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، انتصارا دبلوماسيا كبيرا في مايو/أيار عندما التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اجتماع بالرياض.
ورفعت الولايات المتحدة لاحقا معظم العقوبات المفروضة على سوريا، وأعلنت إدارة ترامب دعمها لجهود الشرع في توحيد البلاد وتحقيق الاستقرار فيها. ومن المتوقع أن يلقي الرئيس السوري في وقت لاحق من هذا الشهر كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهي المرة الأولى التي يلقي فيها زعيم سوري كلمة منذ ما يقرب من 60 عاما، وهي نقطة تحول في مسيرته من قائد فصيل مسلح إلى رجل دولة.
ولكن آندرو تابلر الزميل البارز في معهد واشنطن للأبحاث والمتخصص في شؤون سوريا والشام، قال إن الشرع يخاطر بتبديد رصيده السياسي إذا لم يتمكن من المصالحة بين الأقليات المهمشة في سوريا.
وأوضح “هناك خطر حقيقي من ألا يتمكن الشرع من إعادة توحيد البلاد. إما المصالحة أو أن يحكم جزءا فقط من سوريا. هذا لا يعني أنه سيُعزل، بل يعني أن سلطته ستقتصر على جزء من البلاد”.
ويقول مصدران حكوميان وثلاثة دبلوماسيون أجانب إن خطر تجدد الصراع في شمال شرق سوريا يلوح في الأفق إذا رفضت المنطقة التي يقودها الأكراد الاندماج في الدولة المركزية بموجب اتفاق توسطت فيه واشنطن في مارس/آذار.
وتعثر تنفيذ اتفاق مارس/آذار، الذي من شأنه أن يمنح الحكومة المركزية السيطرة على أصول النفط والغاز والكهرباء ذات الأهمية الكبيرة في الشمال الشرقي، إذ تقول السلطات الكردية إن الدستور المؤقت الذي أقره الشرع لا يحمي حقوق الأقليات بشكل كاف.
وقال مسؤول سوري رفيع المستوى إن تركيا، القوة الإقليمية المؤثرة، والتي برزت كداعم قوي لحكومة الشرع، بدأت تفقد صبرها وستدعم العمل العسكري ضد الأكراد.
وتعارض أنقرة بشدة الحكم الذاتي للأكراد وتعتبر المنطقة الكردية في شمال سوريا تهديدا لأمنها. وأضاف المسؤول أن دمشق طلبت من تركيا تأجيل أي هجوم عسكري لإتاحة الفرصة للمفاوضات. ووافقت السلطات التركية على توفير التدريب والذخائر للجيش السوري، الذي يعيد الشرع بناءه.
وقال المسؤول إن “الموعد النهائي هو حتى نهاية العام بشكل أساسي. بعد ذلك، من يدري ما سيحدث”. وتابع أن دمشق تعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب منح تركيا حرية التصرف في حل القضية الأمنية الكردية.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ترغب في رؤية سوريا مستقرة وسلمية ومزدهرة، وهو ما يتطلب وحدة الصف، لكن الأمر متروك للشعب السوري لاختيار نمط الحكومة التي يريدها. وذكر الشرع علنا أنه جار إحراز تقدم نحو التوصل إلى اتفاق، لكن الأمر سيستغرق وقتا.
وحظيت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد، والتي تتهمها تركيا بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، بدعم أميركي خلال الحرب الأهلية السورية، وهي مجهزة تجهيزا جيدا، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين تحت قيادتها.
وقال عبدالوهاب خليل، عضو مجلس “قسد” إن قيادتها تدعم الاندماج مع الحكومة المركزية السورية على أساس شراكة حقيقية واعتراف دستوري بجميع مكونات المجتمع السوري، وإن الاندماج العسكري وحده ليس كافيا.
وقال تابلر من معهد واشنطن إن الشرع بحاجة إلى تقديم تنازلات مع الأقليات، وخاصة الأكراد، لإنجاح المصالحة، مضيفا “إذا أراد حكم سوريا كلها، فعليه تقديم تنازلات سياسية حقيقية”.
وعانت معاقل السنة في سوريا أكثر من غيرها خلال الحرب الأهلية، إذ تحولت مدن مثل حمص وحلب إلى أنقاض. وبعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد الذي شابه الفساد، يشعر الكثير من السوريين بالرضا لعودة السلطة إلى السنة، الذين يشكلون ثلثي سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليون نسمة. ويتمثل الشاغل الرئيسي لديهم في مدى قدرة الإدارة الجديدة على إنعاش الاقتصاد السوري، الذي لا يزال يعاني من العقوبات والحرب الأهلية.
وصور الأسد حزب البعث العلماني على أنه حامي الأقليات، التي نجت إلى حد كبير من الدمار الذي لحق بالمناطق السنية خلال الحرب. وبينما يتعهد الشرع بأن يكون الحكم لجميع السوريين، أثارت مذبحة طالت مئات العلويين في المناطق الساحلية في مارس آذار مخاوف من رد فعل عنيف ضد الأقليات.
وفي القرداحة، وهي قرية علوية في الجبال المطلة على الساحل الشمالي الغربي لسوريا، يتذكر السكان بمرارة مجازر مارس/آذار. ويتحدث الكثيرون الآن علانية عن التقسيم أو الحماية الدولية.
وقال أبوحسن (50 عاما) إن “الوضع ما بيسوى أبدا العالم كله خايفة ما فيه أمان خايفين من المجازر تتكرر بنخاف من الخطف ومن القتل، الهيئة موجودة هنا وتستمر في عمل الدوريات نريد حل نريد دولة نظامية لا نريد عصابة.. بشار تركنا وراح”.
ووعدت الحكومة بمعاقبة المسؤولين، فيما خلص تحقيقها في عمليات القتل، الذي نشر في يوليو تموز، إلى أن القادة السوريين لم يأمروا بشن هجمات على المدنيين، وهي نتيجة رفضها زعماء الطائفة العلوية.
وروى بعض السكان حالات اختطاف فتيات علويات على يد مسلحين. ودعت منظمة العفو الدولية الحكومة إلى التحقيق في اختطاف النساء العلويات وتقديم الجناة إلى العدالة. وأكدت الحكومة السورية أنها لم تعثر على أي حالات اختطاف لفتيات أو نساء علويات في مناطق الساحل.
وقال بعض الشباب في القرداحة وقرية جبلة المجاورة إنهم يتغيبون عن المحاضرات الجامعية لتجنب نقاط التفتيش التي تديرها القوات الحكومية والقوات الموالية لها، إذ تنتشر المضايقات والاختطاف والانتهاكات الطائفية.
وقال حسن لحام الذي يدير متجر بقالة “الطائفة العلوية حُكم عليها بالإعدام نحن شبابنا كلهم بناتنا صغار هذا الجيل حُكم عليه بالإعدام كلهم ما بتطلعوا أبدا من بيوتهم ما بتطلعوا من الضيعة لأنه كل الحواجز بصير عليها اعتقالات فيه 25 شاب من الضيعة موقفين فيه كتير ناس انقتلوا من الضيعة”.
والقرية هي موطن عائلة الأسد. وأعرب العديد من السكان عن شعورهم بالضغينة تجاه الرئيس المخلوع، الذي فر إلى روسيا، لتخليه عنهم وتحملهم تكلفة ارتباطهم به.
وترك رحيل الأسد فراغا في القيادة المحلية للطائفة العلوية. وتضغط العديد من الجمعيات العلوية في الخارج على الحكومات الأجنبية لحماية الأقلية في سوريا والضغط من أجل نظام حكم لا مركزي أو اتحادي.
ويقول مرهف إبراهيم، وهو طبيب يعيش في فلوريدا غادر سوريا في 2005 وأسس الرابطة العلوية في الولايات المتحدة، إنه قدم التماسا للكونغرس ولوزارة الخارجية الأميركية في وقت يسعى فيه للتواصل مع حكومات غربية أخرى وهي مساع ربما تشمل إسرائيل.
وقال “العلويون دفعوا ثمنا باهظا في عهد الأسد، اضطروا للقتال للدفاع عن نظامه. والآن يدفعون الثمن مرة أخرى بالتعرض لعمليات قتل وعنف جنسي وتجاوزات أخرى بحقهم”.
وأضاف أن الرابطة لديها تعاون وثيق أيضا مع الأكراد ومع شركاء للهجري في السويداء ومع جماعات مسيحية ومع سنة معتدلين.
وتفادت المجتمعات المسيحية في سوريا أسوا أعمال العنف الطائفي حتى الآن. وفي وادي النصارى في غرب سوريا، تمر دوريات تقوم بها قوات حكومية لكنها لا تتدخل في الحياة اليومية إلا نادرا. ويعتبر الوادي ملاذا آمنا ويحافظ على التقاليد المسيحية ويحتفل سكانه بالسيدة مريم العذراء “عيد العدرة” في منتصف أغسطس/آب بحفلات موسيقية.
لكن أكثر من 20 من السكان قالوا إنهم يخشون على مستقبلهم في ظل الدولة السورية الجديدة ويقولون إن الخيارات لن تكون متاحة أمامهم سوى للهجرة إذا لم تتح لهم فرصة حكم ذاتي أكبر.
وقال ميشالي (27 عاما) ويعمل في مطعم للشاورما “إحنا بالمنطقة المسيحية يعني محميين بس ما بقى فينا ننزل وين ما كان” في إشارة لمحدودية حرية التنقل لديهم.
وأضاف “أي بلد أجنبي يعني بيقبلني بتمنى أروح عليه، لكنني لا أملك المال لجمع حق سفري، ولكن نحن نعيش بخوف ونحن غير مؤمنين في أي لحظة يمكن أن يحدث لدينا شيء، في أي لحظة يمكن أن يحدث لدينا مشكلة ضدنا المسيحية”.
وفي دويلعة، وهو حي أغلب سكانه من المسيحيين في العاصمة دمشق، وقع تفجير انتحاري نفذته جماعة إسلامية متشددة في كنيسة مما أسفر عن مقتل 25 في يونيو حزيران مما عمق الخوف الذي يخيم على سكان المنطقة.
وقال سعيد بعصولو وهو مسيحي يملك متجرا “هنا الجو المسيحي إنه كلهم خايفين كتير. إحنا هنا مجتمع مترابط، بس المجموعات الجديدة اللي جم من الشمال شوهوا وجه الإسلام، هي دولة عن منطقة مختلطة بمسيحية وعلوية وسنة. أنا بفكر أهاجر ما في أمل بها البلد.. نحنا بدنا إسلام معتدل”.