بين الاحتياجات التنموية المشروعة والمخاوف الوجودية المُبرَّرة يبقى سد النهضة قضية مفتوحة على احتمالات التصعيد أو التسوية
أكدت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي استعدادها لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي، فيما تبدو رسالة تحذيرية موجهة إلى إثيوبيا
بحسب الحكومة الإثيوبية، فإن السد قادر على توليد أكثر من 5000 ميغاواط من الكهرباء أي ما يعادل ضعف الإنتاج الكهربائي الحالي في البلاد
آبيي أحمد : الكثير من أصدقائنا ناقشونا حذرونا وهددونا لكننا لا نرغب في أن يُسبب السد قلقًا أو مخاوف لأحد سواء في القاهرة أو الخرطوم
أديس أبابا / النهار
أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد، أن بلاده تتوقع تحقيق إيرادات سنوية تصل إلى مليار دولار من مشروع سد النهضة الذي شُيِّد على مجرى النيل الأزرق، مشيرًا إلى أن التشغيل الكامل للسد سيبدأ في سبتمبر/أيلول الجاري.
وفي مقابلة متلفزة مع وسائل إعلام رسمية ، قال آبيي إن العائدات المنتظرة من السد سيتم توجيهها “لاستثمارها في مشاريع أخرى”، مضيفًا أن أديس أبابا تخطط لإنشاء مشروعات كهرومائية جديدة مشابهة خلال الأعوام الخمسة إلى الخمسة عشر المقبلة.
أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا
وانطلق العمل في سد النهضة الإثيوبي الكبير عام 2011 بميزانية بلغت نحو 4 مليارات دولار، ويُعد اليوم أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 متراً، وتصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه.
وبحسب الحكومة الإثيوبية، فإن السد قادر على توليد أكثر من 5000 ميغاواط من الكهرباء، أي ما يعادل ضعف الإنتاج الكهربائي الحالي في البلاد، في وقت لا يزال فيه نحو 60 مليون إثيوبي محرومين من التيار الكهربائي، وفق تقرير للبنك الدولي صدر في يناير/كانون الثاني 2025.
توتر إقليمي وقلق مصري – سوداني
ورغم ما يمثله السد من أهمية استراتيجية لإثيوبيا، إلا أنه يظل محور توتر إقليمي حاد، خاصة مع مصر والسودان، اللتين تخشيان من آثار تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم. وقد فشلت جولات التفاوض الثلاثية المتكررة خلال السنوات الماضية في التوصل إلى أي تسوية شاملة، رغم الوساطات الدولية والإفريقية.
وتُعد مصر من أكثر الدول اعتمادًا على نهر النيل، إذ يغطي النهر 97% في المئة من احتياجاتها المائية، ما يجعلها ترى في المشروع الإثيوبي تهديدًا وجوديًا مباشرًا. أما السودان، فيخشى من الآثار المحتملة على أمنه المائي وسلامة بنيته التحتية المائية، لا سيما في ظل غياب آلية تنسيق وتشغيل شفافة.
وفي تعليقه على هذه المخاوف، قال آبيي أحمد “الكثير من أصدقائنا ناقشونا، حذرونا، وهددونا، لكننا لا نرغب في أن يُسبب السد قلقًا أو مخاوف لأحد، سواء في القاهرة أو الخرطوم”.
اقتصاد متعطش للطاقة والاستثمار
وتسعى إثيوبيا، التي يبلغ عدد سكانها نحو 130 مليون نسمة، إلى تأمين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل محدودية البنية التحتية وانقطاع الكهرباء المتكرر.
وتأمل الحكومة أن يتحول سد النهضة إلى محور اقتصادي محلي وإقليمي من خلال تصدير الفائض من الكهرباء إلى دول الجوار مثل السودان، وجيبوتي، وكينيا، ما يعزز مكانة إثيوبيا في سوق الطاقة شرق الإفريقية، ويمنحها نفوذًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا متزايدًا في المنطقة.
مشروع اقتصادي أم أداة جيوسياسية؟
ورغم الأبعاد الاقتصادية لسد النهضة، إلا أن المشروع يُنظر إليه بشكل متزايد كـأداة جيوسياسية تستخدمها أديس أبابا لإعادة رسم موازين القوى في حوض النيل. ويأتي الإعلان عن العائدات المتوقعة بالتزامن مع تصاعد القلق الإقليمي، ليطرح سؤالًا محوريًا:
هل تسعى إثيوبيا حقًا إلى التنمية المستدامة فقط، أم أنها تبني مشروعًا كهربائيًا يُوظَّف كورقة ضغط استراتيجية في مواجهة القاهرة والخرطوم؟
وبين الاحتياجات التنموية المشروعة والمخاوف الوجودية المُبرَّرة، يبقى سد النهضة قضية مفتوحة على احتمالات التصعيد أو التسوية، رهنًا بإرادة سياسية تضع المصالح المشتركة فوق منطق الهيمنة.
وأكدت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي استعدادها لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي، فيما تبدو رسالة تحذيرية موجهة إلى إثيوبيا التي أعلنت خلال الآونة الأخيرة اقترابها من تدشين سد النهضة الذي أدى إلى تأجيج التوتر بين البلدين.
وتصدرت هذه القضية المباحثات التي دارت بين عبدالعاطي ونظيره الأوغندي، هنري أورييم أوكيلو، بحضور وزير الري المصري هاني سويلم خلال زيارتهما الحالية غير محددة المدة للعاصمة الأوغندية كمبالا، وفق بيان للخارجية المصرية.
وتستمر مصر، التي تعتمد على نهر النيل بنسبة تصل إلى 97 بالمئة لتلبية احتياجاتها المائية، في حشد الدعم الدولي لموقفها، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وتدرس كافة الخيارات القانونية المتاحة لحماية حقوقها وهي رسالة واضحة للمجتمع الدولي ودول حوض النيل بأنها لن تتهاون في تسوية هذا الملف.
وتتشارك 11 دولة في نهر النيل، الذي يجري لمسافة 6 آلاف و650 كيلومترا، وهي: بوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان والسودان ومصر، وسط خلافات لاسيما بين القاهرة وأديس أبابا بسبب ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي ورفض مصري سوداني لاتفاقية عنتيبي بسبب مخاوف من تأثيرات على الحصص المائية.
وتناول اللقاء سبل تعزيز العلاقات المصرية الأوغندية، وتكثيف التنسيق والتشاور إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك بجانب ملف الأمن المائي.
وشدد وزير الخارجية المصري على “أهمية التعاون وفقا لقواعد القانون الدولي للحفاظ على مصالح جميع دول حوض النيل مع التأكيد على رفض الإجراءات الأحادية المخالفة للقانون الدولي في حوض النيل الشرقي”.
وأكد أن “مصر ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة اتساقاً مع القانون الدولي لحماية أمنها المائي”، دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات. من جانبه استعرض وزير الموارد المائية والري المصري خلال اللقاء “أوجه التعاون الثنائي والمشروعات القائمة بين مصر وأوغندا في مجال الموارد المائية”.
وأكد أن “احترام القانون الدولي في نهر النيل أساس التعاون الإيجابي لتحقيق المصلحة المشتركة لجميع دول حوض النيل”، مشيرا إلى أن مصر تتحرك بملف المياه في مسارين الأول مرتبط بدول حوض النيل والثاني متعلق بسد النهضة الإثيوبي.
وبشأن دول حوض النيل، طالبت وزارة الري المصري في أكتوبر/تشرين أول 2024، البلدان الموقعة على اتفاقية عنتيبي، بمراجعة مواقفها من الاتفاقية، والعودة للنقاش حول التعاون بين دول النهر.
وفي 1999 جرى الإعلان عن اتفاقية إطارية لدول حوض النيل، عرفت باسم “عنتيبي” (مدينة أوغندية)، ثم في 2010 وقعت عليها إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي، وانضمت إليها جنوب السودان في يوليو/تموز 2024، وسط رفض مصري وسوداني مستمر لها.
وتعتبر القاهرة والخرطوم أن الاتفاقية لا تراعي اتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي حددت حصص مياه معينة (55 مليارا و500 مليون متر مكعب لمصر و18 مليارا و500 مليون متر مكعب للسودان) وحقوق نقض لمصر والسودان لأي مشاريع تُقام على النيل ويمكن أن تؤثر سلبا على كميات المياه أو تعدّل وقت وصولها.
ويمكّن سريان الاتفاقية دول حوض النيل من إنشاء مفوضية يُناط بها إدارة الحوض والإشراف على استخدامات مياهه وحمايته وتنميته، دون مراعاة اتفاقيات 1902 و1929 و1959.
وبخلاف الاتفاقية التي تدعمها أديس أبابا، تطالب القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ بناؤه في 2011، ولاسيما في أوقات الجفاف لضمان استمرار تدفق حصتيهما من مياه نهر النيل.
في المقابل تعتبر أديس أبابا أن الأمر لا يستلزم توقيع اتفاق، وتردد أنها لا تعتزم الإضرار بمصالح أي دولة أخرى، ما أدى إلى تجميد المفاوضات لمدة 3 أعوام، قبل أن تُستأنف في 2023، وتجمد مرة أخرى في 2024.
وفي يوليو/تموز الماضي دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، نظيره الإثيوبي آبي أحمد، خلال لقاء في قمة مجموعة “بريكس” الاقتصادية التي استضافتها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، إلى إبرام وثيقة بشأن سد النهضة تضمن “عدم الإضرار بمصر”، وفق بيان لمجلس الوزراء المصري.
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد أنه تم استكمال مشروع سدّ النهضة الذي يثير قلق مصر والسودان وسيتم تدشينه رسميا في سبتمبر/أيلول، ما من شأنه يؤجج التوتر بين أديس أبابا والقاهرة التي أكدت مرارا تمسكها بالدفاع عن أمنها المائي معتبرة أن المنشأة تشكل تهديدا وجوديا.
ويشكل الإعلان تأكيدًا إثيوبيًا على أن مشروع سد النهضة أصبح حقيقة قائمة على الأرض، ما يعكس إصرارها على المضي قدمًا في مشروعها التنموي دون انتظار اتفاق شامل وملزم مع دولتي المصب، مصر والسودان.
ويشير اقتراب أديس أبابا من التدشين الرسمي للسد في غياب اتفاق ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل بين الدول الثلاث، إلى عدم الاستجابة للمطالب الأساسية لقاهرة والخرطوم بضرورة تسوية الخلافات بشأن هذا الملف قبل أي خطوات أحادية.
ويرجح أن يؤدي هذا الإعلان إلى تصعيد التوتر الدبلوماسي بين الدول الثلاث، خاصة وأن مصر تعتبر سد النهضة “تهديدًا وجوديًا” لأمنها المائي.
وأُطلق مشروع “سد النهضة الإثيوبي الكبير” في 2011 بميزانية بلغت أربعة مليارات دولار ويعد أكبر مشروع كهرومائي في إفريقيا إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا.
وتعتبر أديس أبابا أن السد ضروري لبرنامج إمدادها بالكهرباء لكنه لطالما شكّل مصدر توتر مع مصر والسودان المجاورتين إذ يشعر البلدان بالقلق من تأثيره المحتمل على إمدادات المياه.
وقال أبيي أمام البرلمان إن العمل على السد “بات الآن منجزا ونستعد لتدشينه رسميا”، مضيفا “إلى جيراننا عند المصب، مصر والسودان، رسالتنا واضحة: سد النهضة لا يشكّل تهديدا بل فرصة مشتركة”، مؤكدا أن “الطاقة والتنمية اللتين سيولدهما لن ترتقيا بإثيوبيا وحدها”.
وبدأت إثيوبيا توليد الكهرباء من المشروع الواقع شمال غرب البلاد على بعد حوالي 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، في فبراير/شباط 2022.
وتصل سعة السد إلى 74 مليار متر مكعّب من المياه وهو قادر على توليد أكثر من 5000 ميغاوات من الكهرباء، أي ما يعادل ضعف الإنتاج الحالي لإثيوبيا.
وتعد الدولة الواقعة في شرق إفريقيا الثانية لجهة عدد السكان في القارة إذ باتت تضم حوالي 130 مليون نسمة فيما تتزايد حاجاتها الى الكهرباء.
وعبّرت كل من مصر والسودان عن قلقهما حيال تشغيل سد النهضة من دون اتفاق ثلاثي، خشية تهديده إمكان وصول البلدين إلى مياه النيل. وفشلت المفاوضات في تحقيق أي تقدّم يذكر.
وترى القاهرة التي تعاني بالفعل من أزمة شح كبير في المياه أن السد يشكّل تهديدا وجوديا لها نظرا إلى اعتماده على النيل لتغطية 97 في المئة من احتياجاته.
والثلاثاء، عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان اجتماعا شددا فيه على “رفض الإجراءات الأحادية في حوض النيل الأزرق”، بحسب ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وأكدا “حرصهما على مواصلة التنسيق والعمل المشترك لحماية الأمن المائي” في المنطقة. من جانبه، لفت أبيي إلى أن أديس أبابا “مستعدة للتعاون بشكل بنّاء”، لافتا إلى أن المشروع “لن يأتي على حساب” أي من مصر أو السودان.
وأضاف “نؤمن بالتقدّم المشترك والطاقة المشتركة والمياه المشتركة. الازدهار لأحدنا يجب أن يعني الازدهار للجميع”.
ودعت إريتريا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على إثيوبيا لاحترام سيادة الدول المجاورة وسلامة أراضيها، في سياق متوتر بشكل متزايد بين البلدين الواقعين في القرن الإفريقي، فيما أدت الاتفاقية بين أرض الصومال المعروف بـ”صوماليلاند” وأديس أبابا التي منحت الأخيرة منفذا بحريا انطلاقا من ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر، إلى تفاقم الأزمة بين الجارتين.
وكانت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا متوتّرة منذ استقلال الأخيرة عام 1993. وبين عامَي 1998 و2000، اندلعت حرب دامية بين البلدين على خلفية نزاعات إقليمية ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف.
وعام 2018، أبرم رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد اتفاق سلام مع الرئيس أسياس أفورقي الذي يحكم إريتريا بقبضة من حديد منذ 1993 ثم توترت العلاقات مجددا عام 2022 بعد انتهاء الحرب في إقليم تيغراي (شمال) حيث دعم الجيش الإريتري القوات الإثيوبية ضد المتمردين.
وأثارت طموحات أبيي أحمد في حصول إثيوبيا على منفذ إلى البحر غضب أسمرة التي اتهمتها بالتطلع إلى ميناء عصب الاريتري.
وتنص المذكرة على تأجير 20 كيلومترا من ساحل أرض الصومال لإثيوبيا غير الساحلية لمدة 50 عاما. وكان إقليم أرض الصومال أعلن استقلاله من جانب واحد عام 1991.
وقال وزير الإعلام الإريتري يماني جبر ميسكل على منصة “إكس” مساء الثلاثاء إن “إريتريا تربكها طموحات إثيوبيا الخاطئة والقديمة المرتبطة بالوصول إلى منفذ بحري من خلال الدبلوماسية أو القوة العسكرية” داعيا المجتمع الدولي إلى “الضغط على أديس أبابا لاحترام سيادة الدول المجاورة وسلامة أراضيها”، معتبرا أن “استعدادات أسمرة المزعومة للحرب ضد إثيوبيا اتهامات كاذبة”.
وفي فبراير/شباط، أكّدت منظمة “هيومان رايتس كونسيرن إريتريا” غير الحكومية “HRCE” أن أسمرة أمرت بتعبئة عسكرية وطنية لجميع المواطنين الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما.
وقال الجنرال تسادكان جبري تينساي، الخبير الاستراتيجي للقوات في تيغراي التي تتشارك حدودا طويلة مع إريتريا، إن “حربا بين إثيوبيا وإريتريا قد تندلع في أي لحظة”.
وشهدت المنطقة واحدة من أعنف الحروب في العقود الأخيرة قُتل فيها 600 ألف شخص على الأقل، فيما كانت مسرحا لاشتباكات منذ أسابيع بين فصيلين من الحزب الحاكم في تيغراي.