سباق “الستوتات” ينتظر انتهاء الدعاية الانتخابية لبدء “موسم الرزق”

هيئة التحرير9 نوفمبر 2025آخر تحديث :
سباق “الستوتات” ينتظر انتهاء الدعاية الانتخابية لبدء “موسم الرزق”

مع بدء فترة الصمت الانتخابي في العراق، تتحوّل شوارع المدن إلى مسرح مفتوح لسباقٍ من نوع آخر، ليس بين المرشحين هذه المرة، بل بين أصحاب “الستوتات” الذين ينتظرون انتهاء الدعاية الانتخابية لبدء حملات “الصيد” في اللوحات والصور المنتشرة على الجدران وأعمدة الكهرباء، في مشهد بات مألوفاً عقب كل موسم انتخابي.وسط كركوك حيث طريق بغداد، يوقف محمد الحسيني “أبو كرار الستوتي”، محرك عربته الصغيرة ويمسح العرق عن جبينه، قبل أن يقول لوكالة شفق نيوز مبتسماً: “منذ يومين وأنا أراقب اللوحات، أعرف أماكنها واحدة واحدة، وعندما سيعلنون الصمت الانتخابي سأخرج قبل الفجر حتى احصل على الجيد منها.”

أما أبو كرار، وهو شاب في الثلاثين من عمره، فيقول إن هذه الفترة تمثل “موسم عمل مؤقت لكنه مربح”، إذ تُباع كثير من المواد المستخدمة في الحملات الدعائية بأسعار جيدة في الأسواق الشعبية، خصوصاً الحديد، الأخشاب، والنايلون المقوّى المستخدم في اللوحات الكبيرة.ويضيف” أحياناً نبيع الإطار الحديدي بسعر أفضل من أجرتنا اليوميّة، وبعض الصور نبيعها لأصحاب محال الحدادة أو نستخدمها كغطاء من المطر.”

 

سوق خفيّ بعد الانتخابات

 

في أسواق الأحياء القديمة، مثل سوق القورية في كركوك أو شارع الميثاق في ديالى، تنتعش تجارة غير رسمية للمواد الدعائية بعد كل انتخابات.

ويقول قاسم مازن، وهو صاحب محل خردة في كركوك، لوكالة شفق نيوز، “منذ أول يوم بعد الصمت الانتخابي تأتي الستوتات محمّلة بلوحات المرشحين، البعض يأتي بها مقطعة حتى لا تُعرف الصورة، والبعض يتركها كاملة، ونحن نشتريها بالوزن، ما نهتم للصور ولا للأسماء.”

 

وأضاف، أن هناك “شبكة غير معلنة” من السماسرة الصغار الذين يتواصلون مع أصحاب “الستوتات” عبر الهاتف، ويشترون منهم المواد فور جمعها، ثم يعاد تدويرها في الورش أو تُستخدم لأغراض البناء.

“صارت مهنة موسمية، كل أربع سنوات تعمل الناس لأسبوع واحد وتعيش منها لشهر كامل.”، كما يقول مازن.

 

حكايات من موسم “اللقطة”

 

في حي تسعين وسط كركوك، يجهّز “حيدر الزيدي” عربته القديمة التي كانت مخصصة لنقل الأثاث، ويقول لوكالة شفق نيوز ضاحكاً، “أنا لا أحب السياسة لكن أحب رزقها، كل انتخابات أشتغل بها، مرة جمعت أكثر من خمسين لوحة في ليلة واحدة.”

ويتابع الزيدي، أن أغلى ما يمكن الحصول عليه هو اللوحات الكبيرة ذات الإطار المعدني أو الأقمشة المطبوعة عالية الجودة التي تُستخدم أحياناً لتغطية “بسطيات” السوق أو لتصليح أسقف الأكواخ.

أما صديقه “أبو مروان”، وهو رجل خمسيني من سكنة حي واحد حزيران، فقال لوكالة شفق نيوز: “قبل أربع سنين، أخذت صور أحد المرشحين من حي القورية، وبعد يومين جاء شخص من جماعته وقال لي أرجعها. فدفعت له لأن الصورة كانت معلّقة على سطح بيته، السياسة تخيف، لكن العمل لا يتوقف.”

 

بين الرزق والفوضى

 

وعلى الرغم من أن الظاهرة تُعد وسيلة رزق للكثير من العاطلين، إلا أن بعض الأهالي ينظر إليها كفوضى منظمة تُشوّه المشهد العام.

 

وقال المواطن عبد الله صالح، وهو صاحب محل أدوات كهربائية في كركوك، لوكالة شفق نيوز: “ليست لدي مشكلة أن يرفعوها، على أن لا يتركوا بقايا المسامير والأسلاك، بعضهم يخلع اللوحات بعنف ويرتك الجدار مشوّه، والبلدية لا تتمكّن من التنظيف”.

وأضاف صالح: “الغريب أن الأحزاب نفسها لا تهتم، قبل الانتخابات تصرف الملايين على الصور، وبعدها تختفي كأن لم يحدث شيء”.

 

المشهد يتكرر في كل مدينة

 

في بعقوبة والحويجة والشرقاط، تكررت المشاهد ذاتها، إذ تنتشر “الستوتات” مع ساعات الفجر الأولى محمّلة بأكوام من اللوحات والصور.

وقال سائق الستوتة ” شعلان المفرجي”، لوكالة شفق نيوز: “نحن نعرف القانون، لكن الكل يفعل الشيء ذاته البلدية ما لا تتمكّن من الإزالة، ونحن نعمل بسرعة قبل الزحمة.”

وأضاف أن بعضهم يتعامل مباشرة مع مرشحين خاسرين يطلبون منه إزالة صورهم طوعاً حتى لا تبقى بعد الانتخابات.

ويضيف، ان “مرشحاً اتصل بي ذات مرة وقال لي: ارفع كل صوري قبل أن تبدأ الناس بالضحك علينا، دفعت له عشرة آلاف دينار، ورفعتها كلها.”

عاجل !!