زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض.. ملفات ساخنة ونتائج مؤجلة

هيئة التحرير30 سبتمبر 2025آخر تحديث :
زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض.. ملفات ساخنة ونتائج مؤجلة

تميزت زيارات الرئيس أردوغان إلى الأمم المتحدة في نيويورك أولاً ثم إلى البيت الأبيض في واشنطن بمشاهد وصور لافتة

تسعى تركيا جاهدة للتغلب على اعتمادها على الطاقة وإحدى أدواتها هي تنويع مصادر مشترياتها أي تأمين احتياجاتها من دول متعددة

هاجم أردوغان إسرائيل وعدوانها المستمر على غزة وعرض صورا تظهر نساء يحملن أطباقا فارغة

وكالات / النهار

تميزت زيارات الرئيس أردوغان، إلى الأمم المتحدة في نيويورك أولاً، ثم إلى البيت الأبيض في واشنطن، بمشاهد وصور لافتة. فالدبلوماسية هي شكل من أشكال السياسة يولي أهمية كبرى بالتفاصيل الشكلية. ولم تقع أي أخطاء، بل قُدمت للرأي العام صور “في غاية الأناقة”.

وبهذا، عادت الحياة للعلاقات الأمريكية التركية التي كانت تعاني منذ فترة طويلة من جروح بليغة.

لقد رأى العالم هذا، وتعززت القناعات حول هيبة وقوة أنقرة، وهو ما سيترك تأثيره في كل من الغرب والشرق.

لا تشغلوا بالكم كثيراً بصفحات الإعلام الحالية وتفسيراتها، ولا تعتمدوا كثيراً على تعليقاتها التي تضخم التطورات وتُحمّل “المنتجات الترويجية” للبيت الأبيض معاني مبالغ فيها، فهم لا يستطيعون كبت أنفسهم عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الغرب.

فلنلتفت إلى ما هو أهم..

ماذا جَنَتْ تركيا وماذا قدَّمت؟ ومن أين برز ملف الطاقة؟

كانت تطلعات تركيا من الولايات المتحدة واضحة وملموسة ويمكن صياغتها في شكل بنود محددة. في المقابل، يبدو أن توقعات أمريكا كانت ذات طابع سياسي أكبر. وأقصد بذلك أن قضية الطاقة، على سبيل المثال، كانت إحدى القضايا التي لم تُذكر أبدًا تحت عناوين “الملفات المطروحة على الطاولة” قبل الزيارة.

فقد جرى التوقيع على اتفاقات حول الغاز الطبيعي المسال ومشروعات نووية لم يُعلن عنها سابقًا بشكل بارز. وتسعى تركيا جاهدة للتغلب على اعتمادها على الطاقة، وإحدى أدواتها هي تنويع مصادر مشترياتها. أي تأمين احتياجاتها من دول متعددة، وهو مسعى يرتبط مباشرةً بالأمن القومي. ومن ثم لا اعتراض على الاتفاقات المبرمة في هذا السياق. غير أنّها تكتسب معنى مختلفًا حين نضعها في سياق سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تدعو إلى تقليص الاعتماد على الطاقة الروسية. ويزداد المشهد دلالةً إذا أُضيف إليه إعادة فتح خط أنابيب النفط بين العراق وتركيا في التوقيت نفسه.

والعلاقات التركية الروسية بدورها متشابكة في ملفات كثيرة، لا سيما في الجانب الاقتصادي. ويكفي النظر إلى أعداد السياح الروس في تركيا خلال السنوات الأخيرة وما يجلبونه من عائدات، لفهم هذا الوضع.

ويجب التطرق إلى ملف البرنامج النووي بشكل منفصل. فأنقرة لا تنتهج سياسة صناعة الأسلحة النووية، وخطابها الرسمي يتبنى مبدأ “لا يجب لأحد أن يصنعها”. ولكن التهديدات التي تطورت في منطقتنا خلال العقد الماضي جعلت هذا الاحتمال يتردد بكثرة في أذهان وقلوب الرأي العام التركي.

وتذكرون جميعًا أن انخراط تركيا مع روسيا في مشروع إنشاء محطة نووية مشتركة قوبل بأشد الانتقادات من الغرب حيث قالوا: “ماذا سيأتي بعد ذلك؟ هل ستصنعون أسلحة نووية؟”. أمّا وقد أُدرجت الولايات المتحدة الآن ضمن سياساتنا النووية في مجال الطاقة، فإنّ هذا الاحتمال يُطوى تمامًا ويتم استبعاده.

هل تدعو الولايات المتحدة تركيا للعودة إلى “الإعدادات الأصلية”؟

هناك تطورات أخرى حدثت أثناء الزيارة؛ على سبيل المثال، قيام طائرة الإنذار المبكر والتحكم المحمول جوا، التابعة لسلاح الجو التركي، بمهمة في ليتوانيا، ضمن إطار تدابير الضمان التابعة لحلف الناتو، في وقت تتصاعد فيه انتهاكات روسيا للمجال الجوي لدول الناتو.

 

وبالنظر إلى هذه التطورات، من الطبيعي أن يعلق العديد من الخبراء بقولهم “إنّ الولايات المتحدة تسعى إلى إعادة تركيا إلى المسار الذي يتلاءم مع سياساتها تجاه روسيا والصين”. سوف نرى مع الوقت ما إذا كانت أنقرة ستغير سياستها “المحايدة”. وإلا فإن رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا في جذب تركيا إلى مسارهما ونطاق نفوذهما واضحةٌ أصلاً.

ولفهم الوضع يكفي أن ننظر إلى سبب اختيار ريتشارد مور، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية، لإسطنبول لإقامة حفل وداعه وإطلاق برنامج تجنيد العملاء المسمى “الساعي الصامت” (Silent Courier). فالمكان الذي تطلق فيه “منتجًا” ما، هو المنطقة التي تستهدف فيها عملاءك. وإذا كنت تعرف سياسة لندن تجاه روسيا، فلن تسأل حتى “ضد من؟”.

وعود أمريكية آجلة مرتبطة بمتغيرات كثيرة

لننتقل إلى قضايا أخرى أيضًا..

نوقش ملف إسرائيل وفلسطين بشكل محدود في البيت الأبيض، إذ جرى التطرق إليه بصورة رئيسية في اجتماع غزة الذي عُقد على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وكان الجزء المذكور متعلقًا بذلك. وبالنظر إلى ما تسرب، فإن الملف تضمن لأول مرة خطة ملموسة ومدونة في بنود محددة، مع إيحاء بأن نتائجها ستظهر خلال فترة وجيزة.

 

لقد كان هناك حديث مطول حول ملفي طائرات F-35 و F-16. وقيل إن “الأول أسهل من الثاني”. ولكن بالنظر إلى تصريحات السفير باراك والرئيس ترامب، يبدو أن الباب سيُفتح أمام طائرات F-35 بحلول مطلع العام الجديد. سنراقب التطورات عن كثب.

وفيما يخص ملفي سوريا و “قسد/بي كي كي” الإرهابي، وعد الجانب الأمريكي بحدوث تقدم أيضاً بحلول نهاية العام. وقد نوقش هذا الأمر كثيرًا أيضاً. ما هو هذا التقدم وكيف سيتحقق؟ علينا أن ننتظر ونرى.

وأخيراً، وهو أمر مهم، فإن التوقعات الاقتصادية التركية أصبحت لها مكانتها في علاقاتنا مع العلاقات مع الولايات المتحدة. ولكن إذا كانت هناك مطالب في المقابل تتعلق بموقفنا الجيوسياسي والاستراتيجي، فيجب توخي الحذر الشديد.

في الختام، بمجرد أن يزول التعب الناجم عن زيارة الولايات المتحدة، سيتم إجراء تقييم متأنٍّ للمكاسب لكلا الطرفين. فما قدمه الجانب الأمريكي يبدو آجلاً ومرهوناً بعدد كبير من المتغيرات. وهذا لا يعني بالضرورة أنه أمر سيئ، ولكنه يدعو إلى الحذر. أما ما وضعته تركيا على الطاولة فهو أكثر وضوحاً؛ حتى أننا شهدنا خطوات ملموسة وقابلة للتوقيع في ملفات مثل الطاقة والدفاع.

ما لم يُناقش على متن الطائرة وعرض بهجلي المتكرر

من يطالع الحوار الذي أجراه الرئيس على متن الطائرة في رحلة العودة مع الصحفيين، سيشعر أنّ الأجواء اتسمت بما يمكن وصفه بـ الهدوء الإعلامي. لكن النصوص لا تُقرأ بما تحويه فقط، بل أيضًا بما تُغفله. وغياب الحديث عن ملفات كبرى مثل الطاقة أو سوريا أو حتى الطائرات، أو الاكتفاء بالإشارة إليها، قد يثير لديك شعورًا بوجود “شيء غريب” في هذا اللقاء الذي وصفه الطرفان بأنه “جيد جداً”.

ولكن لا ينبغي أن يثير ذلك قلقكم.

القضية هي أن تركيا تتبنى موقفاً فيما يتعلق بالقضايا الحاسمة في هذا التقارب الدافئ مفاده: “دعوا الولايات المتحدة تنفذ وعودها أولاً، ولنرَ النتائج، وبعد ذلك لكل حادث حديث”، ومن الواضح أن تركيا لم تنجرف وراء الجو الساحر الذي خلقته الزيارة، وهذا موقف سليم للغاية. فالثقة تُكتسب عند تحققها على أرض الواقع.

أخيراً، فإن إعادة طرح دولت بهجلي في ختام الزيارة لمقترح”محور روسيا والصين وتركيا” بالغ الأهمية. علينا أن نأخذ على محمل الجد هذه المبادرة التي بدت تكتيكية عند بداية الزيارة، وخصوصاً مع وضع حلف الناتو طرفا أساسيا فيها.

وشارك أردوغان وترامب اللقاء بقادة عرب ومسلمين لمناقشة الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة على هامش اجتماعات الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ووصف أردوغان النقاش بأنه “مثمر”.

ومع ذلك، اتخذت تركيا أيضا موقفا قويا مؤيدا للفلسطينيين، مما جعلها في بعض الأحيان على خلاف مع السياسة الأميركية، حيث تتهم الدوائر الصهيونية بواشنطن تركيا بأنها داعم صريح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وقبل ذلك الاجتماع، وخلال كلمته -أمس الأول- أمام الجمعية العامة، هاجم أردوغان إسرائيل وعدوانها المستمر على غزة، وعرض صورا تظهر نساء يحملن أطباقا فارغة، وقال “إنها للحياة اليومية في القطاع، مضيفا “أنصت إلى ضمائركم، أجيبوا على السؤال التالي: هل من منطق معقول يبرر هذه الوحشية في العام 2025؟ هذه الصورة المخجلة في غزة، قائمة، وتتكرر يوما بعد آخر خلال 23 شهرا”.

وتطرق أردوغان للهجوم الإسرائيلي على دولة قطر، واعتبر ذلك برهانا على خروج قيادة إسرائيل عن السيطرة، وقال “كل دول المنطقة عرضة للتهديدات الإسرائيلية الرعناء. الحكومة الإسرائيلية المهووسة بالأرض الموعودة تهدد أمن المنطقة”.

من جهته، قال سنان سيدي، مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية قريبة من إسرائيل، إنه “في ظل حكم أردوغان الإسلامي، تعد أنقرة قوة مزعزعة للاستقرار، مريحة مع حماس، وتغازل موسكو وتتبني سياسات عدوانية تجاه حلفاء أميركا الحقيقيين”.

من هنا -يضيف سنان- “عندما يجلس أردوغان على الجانب الآخر من ترامب في المكتب البيضاوي وأمام قائمة مطالبه، يجب أن تكون إجابة الرئيس الوحيدة صريحة: لا”.

وأدى شراء تركيا لأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية “إس-400” في 2019 إلى قيام أميركا بإخراج تركيا من برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة “إف-35” وحظر بيعها إليها.

في الوقت ذاته، أشار أردوغان إلى رغبته باستئناف محادثات شراء المقاتلة “إف-35” بينما أعرب ترامب علنا عن تفاؤله. ومع ذلك، يعارض الكثير من أعضاء الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) في الكونغرس فكرة إعادة ضم تركيا لبرنامج تصنيع المقاتلة “إف-35″، أو بيعها لتركيا تحت ذريعة مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار البروفيسور هوارد إيسنستات، خبير الشؤون التركية بجامعة سانت لورانس بولاية نيويورك، والباحث غير المقيم في “معهد ستوكهولم للدراسات التركية”، إلى أنه “من الواضح أن شراء تركيا للمقاتلة الأميركية الأحدث في العالم (إف-35)، تعد أولوية لحكومة أردوغان، وأعتقد أن ترامب متعاطف بشكل عام وسيسعد ببيع تلك الطائرات لتركيا”.

وتوقع إيسنستات وجود صعوبات لوجستية أمام عملية التعاقد على شراء هذه المقاتلات، وقال “هناك قيود قانونية قد تجعل هذا الأمر صعبا.. وأتوقع تحركا بشأن هذه القضية، وأتخيل أن الطرفين يتوصلان إلى نوع من الصفقة هذا الأسبوع، حتى لو لم يتم البت في التفاصيل لأشهر أو سنوات بعد ذلك”.

وقال إيسنستات للجزيرة نت “تركيا تريد بشدة طائرات إف-35 من أجل المكانة وثقل التوازن مع إسرائيل، وبالمقابل يحب ترامب أن يكون لديه مبيعات كبيرة يشير إليها كدليل على جلبه الوظائف للعمال الأميركيين”.

بيد أن خبير الشؤون التركية في واشنطن، حسام عبد الكريم، رأى في حديثه للجزيرة نت أن “تركيا لعبت بذكاء مع ترامب عندما أعلنت نيتها استكشاف شراء الكثير من المقاتلة الأوربية الحديثة من طراز (تايفون) كبديل محتمل للـ إف-35 في صفقة قيمتها مليارات الدولارات”.

في الوقت ذاته، طالب سنان سيدي، برفض الطلب التركي. وقال في مساهمة له على موقع “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” إن “أردوغان قادم بقائمة تسوق، تتصدرها الطائرة المقاتلة الأميركية إف-35. لكن القانون الأميركي يمنعه من الحصول عليها، ويجب على ترامب إغلاق هذا الباب خاصة بعدما بصقت تركيا عام 2019 في وجه ترامب بشرائها نظام الدفاع الجوي والصاروخي إس-400 الروسي”.

وعن كيفية إدارة تركيا علاقاتها مع الولايات المتحدة وسط التوتر الشديد مع إسرائيل فيما يتعلق بسوريا وغزة وإيران، توقع إيسنستات “أن يبذل أردوغان قصارى جهده لتجنب النقاش المتعمق حول غزة، حيث هناك فرصة ضئيلة لتغيير الموقف الأميركي، في حين سيواصل تقديم تركيا كوسيط محتمل بين حماس وإسرائيل وكوصي محتمل بأي اتفاق سلام”.

وبشأن سوريا، توقع أيسنستات “أن يكون طلب تركيا ثلاثي الأبعاد:

– مواصلة دعم تجنب الاشتباك بين إسرائيل وتركيا.

– الاستمرار بدعم حكومة الشرع كأفضل أمل لتحقيق الاستقرار.

– سحب الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب في شمال سوريا.

“وحول سوريا، على الأقل، أعتقد أنه من المرجح حصول أردوغان على رد إيجابي، وإن لم ينل كل ما يريد”.

وعن موقف تركيا المزدوج من حيث هي عضو أساسي في حلف الناتو من جانب، ومن جانب آخر تملك علاقات عميقة ومتشعبة مع روسيا، وكيف يعقّد ذلك من علاقتها مع واشنطن، أشار الخبير حسام عبد الكريم، إلى أن “ترامب يُقدر أهمية تركيا وجيشها في منظومة حلف الناتو؛ فهي ثاني أكبر جيش عددا وعدة بين جيوش الحلف”.

ويضيف “يرى ترامب أن الجيش التركي يجب أن يلعب دورا أكبر في أوروبا يمكن من خلاله تخفيف الضغط العسكري وعبء الدفاع عن أوروبا، عن كاهل أميركا”.

واتفق الخبير إيسنستات مع الطرح السابق، وقال “أميركا وترامب يريان أن تركيا لها دور مفيد في الغالب في أوكرانيا”.

عاجل !!