رغم هشاشتهم في بلدانهم – هل يستطيع تحالف “إي 3” إنقاذ أوروبا من “ترامبوتين”

هيئة التحرير1 ديسمبر 2025آخر تحديث :
رغم هشاشتهم في بلدانهم – هل يستطيع تحالف “إي 3” إنقاذ أوروبا من “ترامبوتين”

القادة الثلاثة يواجهون صعوبات في الداخل، لكنهم نشيطون في الخارج وكتبت أنه على الرغم من أن القادة الثلاثة يعانون من هشاشة سياسية داخل بلدانهم وتهديدات خارجها

هل هذا الثلاثي الهش في داخل بلدانهم بشعبية متراجعة يستطيع أن ينقد القارة العجوز من الثنائي “ترامبوتين” كما يوصف خاصة في الملف الأوكراني ؟

يتواصل مستشارو الأمن القومي -جوناثان باول من بريطانيا، إيمانويل بون من فرنسا، وغونتر زوتر من ألمانيا- عدة مرات أسبوعيا لضمان التنسيق المتواصل في ملفات حساسة

كانت رحلة قطار استغرقت 11 ساعة إلى كييف، قام بها القادة الثلاثة في بدايات عهد ميرتس، “لحظة محورية” رسخت الروابط الشخصية وعمّقت التفاهم الإستراتيجي بينهم

 

وكالات / النهار

نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية تقريرا بعنوان “ماكرون، ميرتس، وستارمر يشكلون قيادة ثلاثية جديدة” تحدثت فيه عن ملامح محور جديد في قلب أوروبا بدأت تتبلور، مع بروز قيادة ثلاثية غير رسمية تجمع رئيسَ الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس.

ولفتت إلى أن القادة الثلاثة يواجهون صعوبات في الداخل، لكنهم نشيطون في الخارج، وكتبت أنه على الرغم من أن القادة الثلاثة يعانون من هشاشة سياسية داخل بلدانهم وتهديدات خارجها، فإن تحالفهم المعروف باسم “إي 3” لا يقوم على مؤسسات رسمية أو هياكل ثابتة، بل على تنسيق عملي فرضته تحديات إستراتيجية مشتركة في مقدمتها حرب أوكرانيا، والتهديد الروسي لأوروبا، وطموحات إيران النووية، وتقلبات سياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ولكن هل هذا الثلاثي الهش في داخل بلدانهم بشعبية متراجعة يستطيع أن ينقد القارة العجوز من الثنائي “ترامبوتين” كما يوصف خاصة في الملف الأوكراني.

واعتبر التقرير أن ملامح هذا التعاون بين القادة الأوروبيين الثلاثة بدأت تتشكل بعد تولّي ميرتس منصبه في مايو/أيار الماضي، عقب انتخاب حكومة بريطانية جديدة جعلت إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أولوية.

 

وبحسب التقرير كانت رحلة قطار استغرقت 11 ساعة إلى كييف، قام بها القادة الثلاثة في بدايات عهد ميرتس، “لحظة محورية” رسخت الروابط الشخصية وعمّقت التفاهم الإستراتيجي بينهم.

ومنذ ذلك الحين، يتواصل مستشارو الأمن القومي -جوناثان باول من بريطانيا، إيمانويل بون من فرنسا، وغونتر زوتر من ألمانيا- عدة مرات أسبوعيا لضمان التنسيق المتواصل في ملفات حساسة، مثل الحرب في أوكرانيا، وأمن أوروبا، والأزمة مع إيران، والوضع في قطاع غزة.

ونقل التقرير عن بنجامين حداد، الوزير الفرنسي المنتدب للشؤون الأوروبية، قوله إن القادة الثلاثة مقتنعون بأن على أوروبا تحمل مسؤولية أكبر عن أمنها، حتى مع استمرار علاقاتها الوثيقة بواشنطن.

 

ووفق التقرير، فإن صيغة (إي 3) ليست جديدة كليا، إذ ظهرت عام 2003 عندما سافر وزراء خارجية الدول الثلاث إلى طهران للتفاوض بشأن تخصيب اليورانيوم الإيراني.

 

وقد حافظ التنسيق حول هذا الملف على الإطار، لكن مستوى التعاون الحالي بين القادة لم يكن له مثيل منذ ما قبل استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

 

ويعود قدر كبير من التماسك المستجد بين القادة الثلاثة إلى الشخصيات نفسها. فعلى الرغم من اختلاف الأساليب بين ستارمر “المتحفظ”، وميرتس “العملي”، وماكرون “الاستعراضي” -حسب وصف التقرير – فإن ثلاثتهم يشتركون في خلفيات مهنية خارج السياسة، ويتميزون بالجدية والبراغماتية في إدارة الشؤون الخارجية.

 

كما أن كلا منهم “غير محبوب في بلده”، ويقود حكومة ضعيفة، ويواجه تهديدا من اليمين الشعبوي، ما يجعلهم يتعاطفون مع بعضهم بعضا بسبب ما يتعرضون له من مصاعب سياسية مشتركة، على حد تعبير التقرير الإخباري.

 

ووفق التقرير فإن فرنسا اتخذت في هذا المحور خطوة نحو “الاستقلالية الإستراتيجية الأوروبية” التي يروج لها ماكرون منذ سنوات، والتي تجعل من الضروري إشراك بريطانيا، باعتبارها القوة النووية الأوروبية غير العضو في الاتحاد الأوروبي.

 

أما ألمانيا وبريطانيا، فترحبان بهذا التعاون كوسيلة لتعويض الانقسامات الأوروبية والصعوبات المتزايدة في العلاقة مع الولايات المتحدة.

 

كما أن المعاهدات الثنائية التي وقعتها باريس وبرلين ولندن هذا العام أسست شبكة جديدة من “التعددية الثنائية” التي تمنح العلاقات الثلاثية دفعة إضافية.

 

ويبرز الملف الأوكراني كأهم مجال للتوافق، إذ يدعم القادة الثلاثة “تحالف الراغبين” الهادف إلى إنشاء قوة طمأنة في حال تحقيق وقف إطلاق النار. وقد أنشئ مقر عسكري لهذا التحالف قرب باريس، وفي حين يشارك ميرتس في رئاسة الاجتماعات لكنه يرفض نشر قوات ألمانية على الأرض.

 

وفي ملفات أخرى حساسة، مثل المفاوضات النووية الإيرانية، توفر صيغة (إي 3) صوتا أوروبيا موحدا، طبقا لتقرير المجلة البريطانية.

 

ومع ذلك -يشير التقرير- إلى أن هذه الصيغة تواجه حدودا واضحة، فألمانيا، لأسباب تاريخية، لا تستطيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية كما فعلت لندن وباريس.

 

كما تختلف الدول الثلاث في ميلها لشراء السلاح الأمريكي أو الأوروبي، وفي قدرة بريطانيا على المشاركة في ملفات تجارية تُعد اختصاصا حصريا للاتحاد الأوروبي، مثل سياسة الصين.

 

كذلك تتحسس دول أوروبية أخرى من هذا المحور؛ فإيطاليا تشعر باستبعادها، وبولندا المحبطة من تعثر “مثلث فايمار” -وهو تحالف تأسس في عام 1991 بين ألمانيا وبولندا وفرنسا- ترى في (إي 3) تهديدا لدورها.

 

وبحسب التقرير تكمن متانة هذا المحور في قدرته على البقاء مرنا واستيعاب دول أخرى عند الحاجة. وقد يستمد مستقبله من مهارته في تجنب الظهور كناد مغلق، ومن مدى قدرته على حماية مصالح أوكرانيا والحد من أسوأ اندفاعات ترامب.

 

وعلى الرغم من أن هذه الطموحات ليست مرتفعة، فإن إيكونوميست تعتقد أن القيادة الثلاثية الجديدة قد تكون “أفضل أمل لأوروبا” لتحقيق تلك الطموحات.

وفي سباق عالمي متسارع نحو إعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي، يسعى الاتحاد الأوروبي لوقف تآكل قاعدته الصناعية أمام المنافسة الأميركية والصينية، التي أضعفت منظومته الدفاعية والاقتصادية التي صمدت 70 عاما، وفقا لتقرير موسّع نشرته وكالة بلومبيرغ.

 

وتؤكد الوكالة أن الاتحاد “يخوض معركة لإنقاذ الصناعات الأوروبية المهددة”، في وقت حذّر فيه مسؤول أوروبي رفيع من أن بروكسل لم تستوعب بعد حجم الأزمة بالكامل، مضيفا أن الوضع “يتفاقم مع استمرار النهج المجزأ” في مواجهة التحديات الصناعية والتجارية.

سياسات أوروبية متأخرة في سباق محتدم

وتوضح بلومبيرغ أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يملك ترف الانتظار، إذ يواجه انهيارا تدريجيا في قدرته على المنافسة العالمية، بينما تتجه أميركا والصين نحو سياسات صناعية هجومية وحماية أسواقهما الداخلية.

وأشارت ماريا ديميرتسيس، مديرة مركز الاقتصاد والإستراتيجية والمالية في كونفرنس بورد ببروكسل، إلى أن “أوروبا بحاجة إلى سياسات صناعية واضحة، وأن تتوقف عن القلق بشأن الدفاع عن نظام متعدد الأطراف لم يعد قادرا على مواجهة الممارسات غير العادلة”.

ويستعد زعماء الاتحاد الأوروبي للاجتماع في بروكسل الأسبوع المقبل لبحث سبل تقليل “الاعتماد الإستراتيجي” وتعزيز “القاعدة الصناعية والتكنولوجية الدفاعية”.

وتشير بلومبيرغ إلى أن النقاشات أصبحت أكثر إلحاحا مع تزايد الضغوط الجيوسياسية، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 وتراجع التزامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأمنية تجاه أوروبا.

وتكشف الوكالة أن المفوضية الأوروبية تبحث فرض نقل التكنولوجيا من الشركات الصينية إلى نظيراتها الأوروبية كشرط للعمل داخل السوق الموحدة، في خطوة تعكس قلب السياسات الصينية نفسها ضدها. كما يدرس الاتحاد تقديم أفضلية للشركات الأوروبية في العقود العامة التي تبلغ قيمتها نحو 2.5 تريليون يورو (2.9 تريليون دولار) سنويا.

ومن المتوقع أن تصدر المفوضية بحلول نهاية العام “عقيدة للأمن الاقتصادي”، تحدد متى وكيف يمكن استخدام أدوات الدفاع التجاري لحماية مصالح الاتحاد.

 

كما تبحث بروكسل تنسيق الجهود مع مجموعة السبع لتقويض هيمنة الصين على المعادن النادرة والمواد الحيوية، إذ تشير بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن بكين تمتلك نحو 50% من الاحتياطي العالمي من هذه الموارد.

 

 

مسؤولون أوروبيون يحذرون من أن النهج المجزأ في الحماية الصناعية لم يعد كافيا (رويترز)

بيد أن بلومبيرغ نقلت عن مسؤول أوروبي قوله إن “ثمار هذه الإجراءات ستحتاج إلى سنوات لتظهر”، بينما لم يعد لدى أوروبا ترف الوقت في ظل تزايد القيود الصينية على التصدير وتسارع سيطرة شركاتها على سلاسل التوريد العالمية.

 

تحذيرات من فشل إستراتيجي

ويحذر التقرير من أن الاتحاد الأوروبي ما زال عاجزا عن صياغة إستراتيجية صناعية موحدة تحمي السوق الأوروبية المشتركة وتستعيد تنافسيتها.

 

وقال الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي الشهر الماضي إن القارة “تلقّت تذكيرا مؤلما بأن التقاعس يهدد ليس فقط تنافسيتها، بل سيادتها ذاتها”، مضيفا أن “المواطنين والشركات يرون أوروبا عاجزة عن مجاراة وتيرة التغيير في أماكن أخرى”.

 

وتلفت بلومبيرغ إلى أن عجز الاتحاد عن التحرك الفوري جعله يقبل اتفاقيات تجارية غير متكافئة مع إدارة ترامب، كما اضطر إلى ملء الفراغ المالي والعسكري الذي خلّفه تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا، في وقت تتقدم فيه الصين بخطوات سريعة في قطاعات السيارات الكهربائية والتقنيات الخضراء.

 

الصين تتقدم وأوروبا تتردد

وتقول الخبيرة مارينا زانغ من جامعة التكنولوجيا في سيدني إن الصين “نجحت في بناء تفوق طويل الأمد بفضل شبكات بحث وتطوير متقدمة وقوى عاملة مؤهلة”، مشيرة إلى أن أوروبا تجد نفسها اليوم معتمدة على السوق الصينية لتصنيع العديد من مكوّناتها الأساسية، من البطاريات إلى الشرائح الدقيقة.

 

ورغم ذلك، يرى خبراء -نقلت عنهم بلومبيرغ- أن الاتحاد قادر على استعادة زمام المبادرة “إذا تخلّى عن خوفه من المخاطرة، وتبنّى سياسات أكثر جرأة”.

 

تحذير فرنسي من موت أوروبا البطيء

وفي خطاب وصفته الوكالة بأنه الأكثر صراحة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في جامعة السوربون إن “أوروبا كيان يمكن أن يموت، ومصيره يتوقف بالكامل على قراراتنا”، محذرا من أن التأخر في التحرك “قد يجعل القرارات الحاسمة بلا جدوى حين تتخذ”.

 

الرئيس الفرنسي ماكرون يحذّر من أن “أوروبا يمكن أن تموت إن لم تتخذ قرارات حاسمة الآن” (الفرنسية)

الرئيس الفرنسي ماكرون حذّر من أن “أوروبا يمكن أن تموت إن لم تتخذ قرارات حاسمة الآن” (الفرنسية)

وتؤكد بلومبيرغ أن أوروبا تمتلك الرؤية لكنها تفتقد السرعة والجرأة، وأن أي تأجيل جديد قد يجعل خطتها الدفاعية “مجرد وثيقة بيروقراطية أخرى في أرشيف العواصم الأوروبية، بينما يتقدّم الآخرون بخطى حاسمة نحو السيطرة على الاقتصاد العالمي”.

واعتبر المحلل السياسي الأمريكي غراهام فولر، أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لاحترام إرادة كل من كييف وبروكسل، اللتين تعرقلان – بحسب وصفه – التوصل إلى اتفاق سلام، مؤكداً أن واشنطن تتجه نحو اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في المرحلة المقبلة.

وقال فولر في مقابلة مع قناة ديالوغ ووركس على “يوتيوب” إن التصريحات السابقة لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي السابقة فيكتوريا نولاند عام 2014 لا تزال تعبّر عن واقع الموقف الأمريكي تجاه أوروبا، مضيفاً: “فليذهب الاتحاد الأوروبي إلى الجحيم… أوروبا لا تملك مالاً ولا جيشاً ولا أسلحة قوية ولا خطة. إنها لا تعرف من هي ولا إلى أين تتجه”.

 

وتساءل فولر عن مدى استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتبنّي الموقف نفسه قائلاً: “كم من الوقت سيستغرق ترامب ليتقبل كلمات نولاند؟”.

 

وأضاف المحلل أن محاولات بروكسل وكييف لفرض رؤيتهما على مسار الحرب قد دفعت واشنطن إلى إعادة تقييم موقفها جذرياً، مشيراً إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يفتقر حالياً إلى أي سلطة حقيقية: “زيلينسكي يلعب دور الممثل الإضافي… هو في وضع حرج ولا يملك أي أوراق رابحة”.

 

وأكد فولر أن ترامب يمتلك القدرة على فرض وقف للنزاع في أوكرانيا إذا قرر ذلك، قائلاً:

“إذا قال ترامب أوقفوا النزاع، فسيتعين على زيلينسكي الامتثال. في النهاية، السلاح سلاحنا والمال مالنا. ترامب بدأ يلعب بعنف، وهو من يملك كل الأوراق”.

 

وأعرب الخبير الأمريكي عن شكوكه في قدرة أوروبا أو كييف على مواجهة أي قرار أمريكي يفرض اتفاق سلام، قائلاً: “يمكنهم الصراخ والقتال، لكن لا أعتقد أنهم قادرون على عرقلة معاهدة سلام تدعمها الولايات المتحدة بجدية”.

 

عاجل !!