في زوايا المدينة التي لا تنام ، حيث تختلط الأصوات بين نداءات الباعة وضجيج السيارات ، تترصد العيون الساهرة الخطر قبل أن يولد ، خلف جدران مركز شرطة الخنساء ، تبدأ الحكاية… حكاية جريمة قتل غامضة هزّت وجدان حيٍّ بأكمله ، وأخرى نزعت الرحمة من قلب جارٍ تجاه جاره ، بين الخيوط المتشابكة ، كانت العدالة تشق طريقها بثبات تحت إشراف ومتابعة دقيقة من وزارة الداخلية وقيادة شرطة الرصافة.
فصل الدم الأول… جريمة في بيتٍ آمن
لم يكن الأب المسكين يدرك أن باب داره سيفتح على مأساةٍ تُنحت في الذاكرة ، أربعة أشهر مرّت على الجريمة التي راح ضحيتها طفله الصغير ، بعد أن اقتحم القاتل المنزل تحت جنح الليل وأطلق النار بلا رحمة ، تاركاً الأب المكلوم يصرخ في وجه الصمت.
التحقيق بدأ بخيطٍ رفيع لا يكاد يُرى ، لكن العقيد إيهاب رعد المالكي ، ضابط مركز شرطة الخنساء ، رفض أن تُغلق القضية في سجل مجهول الفاعل ..! وبتوجيه معالي وزير الداخلية ، وإشراف مباشر من السيد قائد شرطة بغداد الرصافة ، بدأ المركز رحلة البحث التي قادته إلى أعماق محافظة ميسان ، حيث ظن القاتل أنه نجا .
عشرة أيام من المراقبة والرصد الدقيق ، تعاون خلالها الجهد الاستخباري لمركز الخنساء مع خلية الصقور ، لتُسدل الستارة أخيراً على المطارد الهارب ، قبض عليه وهو يظن أن الزمن نسي جريمته ، لكن الدليل لم ينسَ ، اعترف القاتل اعترافاً صريحاً ابتدائياً وقضائياً ، وكُشف الدليل في مسرح الجريمة… فانتصرت العدالة لدم طفلٍ بريء .
فصل الدم الثاني… رصاصة الجار
في حادثة أخرى لا تقل قسوة ، تحول خلاف بسيط بين جارين إلى مأساة دموية ، كلماتٌ حادة أشعلت الغضب ، فامتدت اليد إلى سلاح الكلاشنكوف ، وأطلق الجاني النار على جاره ليسقط مضرجاً بدمائه أمام باب بيته ،
هرب القاتل إلى إحدى المحافظات الجنوبية ، لكن يد العدالة كانت أسرع ، وبفضل التنسيق العالي بين مفارز المركز وخلية الصقور ، تم القبض عليه بعد أيام ، ليعترف بجريمته هو الآخر اعترافاً قضائياً موثقاً ، ويُحال إلى القضاء لينال جزاءه العادل .
مركز الخنساء… خلية قانون لا تهدأ
لم تكن تلك الحوادث سوى جزء من سجلٍ طويل من العمل الأمني الدؤوب ، فقد استقبل مركز شرطة الخنساء خلال العام الحالي ما يقارب (2500 دعوى) أنجز منها القسم الأكبر ، ولم يتبقَ سوى 925 قضية قيد الحسم ، وسط جهود متواصلة لإنهائها في الأيام المقبلة.
العقيد إيهاب رعد المالكي يوضح أن المركز يتعامل مع شكاوى المواطنين باحترافية عالية ، بدءاً من تسجيل الشكوى ، مروراً بالتحقيق القضائي ، وصولاً إلى الإحالة على الجهات المختصة ، مع تأكيده أن مستوى الجريمة انخفض بشكل ملحوظ نتيجة الانتشار الأمني وتعاون المواطنين .
كما أكد المالكي أن المركز يتابع قضايا الدكة العشائرية ومطلقي العيارات النارية بصرامة تامة ، وفق الأوامر القضائية الصادرة عن السادة قضاة التحقيق ، مشيداً بتعاون الأهالي الذين أصبحوا أكثر وعياً بأن الإبلاغ المبكر هو صمام الأمان للمجتمع.
التنسيق الأمني… وتكامل الأداء
أوضح العقيد المالكي أن مركز الخنساء يعمل بتنسيق عالٍ مع القوات الماسكة للأرض من الجيش والشرطة الاتحادية والأجهزة الاستخبارية ، بما يضمن سرعة الاستجابة لأي طارئ أمني ، وأضاف أن خطوط الاتصال مفتوحة على مدار الساعة عبر الهواتف الساخنة لاستقبال شكاوى المواطنين ، حيث يجد كل بلاغ طريقه إلى المتابعة الفورية .
العدالة لا تنام
من بين ركام الجريمة ، ومن ظلال الخطر التي تحاول التسلل إلى أحياء بغداد ، تثبت شرطة الرصافة يوماً بعد آخر أن العين الساهرة للوطن لا تغفو..
بإشراف مباشر من قائد شرطة الرصافة وتوجيهات معالي وزير الداخلية ، تتواصل الحملات الأمنية والملاحقات الاستخبارية ، لتُساق خيوط الجريمة إلى المحاكم ، ويُسلَّم المجرمون إلى العدالة .
إنها حكاية رجالٍ أقسموا أن لا مكان للجريمة في بغداد ، وأن دماء الأبرياء ستبقى أمانة في أعناقهم حتى تُغلق آخر قضية…
ففي الخنساء ، لا يضيع الأثر ، ولا يفلت الجاني من يد العدالة .




