رثاء الأصدقاء في المجموعة الشعرية ( احتيال على الفصول ) للشاعر حسين الهاشمي قراءة / أ.د مصطفى لطيف عارف

هيئة التحرير20 يوليو 2025آخر تحديث :
رثاء الأصدقاء في المجموعة الشعرية ( احتيال على الفصول ) للشاعر حسين الهاشمي قراءة / أ.د مصطفى لطيف عارف

    يحتلُّ الرثاءُ مكانةً كبيرةً لدى الشَّاعر المبدع (حسين الهاشمي) , وهذا يتَّضحُ من خلال كثرة ورود هذا الموضوع  في أشعارهِ , ولعلَّ سبب ذلك يعودُ إلى فطرة الشاعر النَّقيَّةِ وأحاسيسه الفيَّاضةِ وصفاء سريرته , التي جعلت منه شاعرا لا يمتلك القدرة على تحمُّل مشاعر الكَمَد وفراق الأصدقاء , ومن ثَمَّ فمن شأنِ حوادث الموت ولواعج الفراقِ أن تُثير فيه المشاعر , وتَستَثير عواطفَهِ لتدفع بهِا نحو البُكاء والأنين , ويمكنُ أن نلحظ توزُّعَ الرثاء لديهِ بين معانٍ , لعل من أهمها : يتمثَّلُ بندب الأصدقاء , والزملاء. وأمام حتميَّةِ هذهِ المأساةِ وقفت الإنسانيَّةُ منذُ الأزل , تُعبِّرُ عن عاطفة الألمِ كلَّما امتدَّت لها يدُ الغيبِ , لتُعطِّل فاعليةَ الحياة في إنسانٍ ما , ليكون الرثاءُ هو هذا التَّعبيرُ الذَّاتي بالتَّفجُّع على الميت وبُكاء فضائلهِ , وتصوير مشاعر وجدانية خالصة حيال حادثة الموت ,  ولا يقفُ الرثاءُ على تخليدِ الإنسانِ الميتِ فهو تخليدٌ لقِيمٍ اجتماعيةٍ وإنسانيةٍ اقترنت بهِ أيضاً , فكلُّ صفةٍ من الصِّفات التي يقدِّمها الشَّاعرُ  ( حسين الهاشمي ) للمرثي تقترنُ بفضيلة ٍ من الفضائل , وهذه الفضائل تُمثِّلُ البنيةَ الأساسيةَ للإنسان السَّوي حيَّاً , وتكونُ سبباً لذكرهِ إذا مات , هذا فضلاً عن أنَّ الرِّثاء يُعبِّرُ عن فضيلةٍ إنسانيةٍ أخرى تتصلُ بالمبدعِ نفسه , يتمثَّلُ بالوفاءِ لإنسانٍ فارقَ عالَم الأحياء0

وهنا تظهرُ براعةُ الشَّاعر(حسين الهاشمي)   في تجسيدِ ذلك المشهد المأسوي  والإلمام بتفاصيله , إذ نستشفُّ في نصوص (احتيال على الفصول ) ذلك الأسلوب الرَّقيق الذي يُثيرُ الرَّحمة في أقسى القلوب , ويَستدرُّ الدُّمُوعَ ألماً وحرارة , ولنا أن نتصوَّر حالَ الشاعر المبدع في رثاء الشاعر ( رعد عبد القادر )  بعد مضي سنوات قاهرة  جعلته حزينا عليه  وهو اقرب إنسان  إليه وهو في صراع دائم يقارع الإحزان , ويتغلب عليها , ويبكي دما على ما فاته من أيام جميلة قضاها الشاعر مع الأهل والأحبة,فنراه يقول :-

الحرية فوضى الشرفات

من يتذكرها الآن؟

دعها تتعجب شكلها

ودع الهشيم يغرد

ويحتمي بالكارثة

 

وأحياناً يرتفعُ الشَّاعر إلى مستوى الحدث المؤلم , فيأتي رثاؤهُ عاطفيَّاً ، فالشَّاعر يسجِّلُ مُضِيَّ الأصدقاء وتوجُّعِهُم   ممَّا آلَ إليه حالُ الفقد والعناء على فراقهم ,  وقد كثرت الحوادثِ وهواجسُ الهمِّ والأنين من البعد  ، وهي علامةُ من علامات  الرحيل عنه , وها هو يخاطب  الشاعر الكبير (مظفر النواب), فالقدرُ قد قسَّم أرزَاءَهُ بيننا وليس بوسعِنَا ردُّه أو الاعتراض عليه سوى تحمُّل مشاقة وألمهِ , ويصور الظلم الذي تعرض له صديقه  فنراه يقول :-

لم يكن حزنا

ليستجدي زمانه

أنما كان البنفسج للبلاد

عطر العويل

أو الهتاف

كما العناد

وسيم البوح

يشدو بالإدانة

تميز الشاعر (حسين الهاشمي ) في مجموعته الشعرية (احتيال على الفصول )  برثاء الميتِ بالعبارات المُشجية والألفاظ المُحزنة التي تُصدِّعُ القلوب القَاسية , وتُذيبُ العيونَ الجامدة, لتكونَ المرثيَّةُ مليئةً بالتأوُّه والعويل , وتحملُ مشاعر الثكل أو التَّرمُّل , مفعَمة بالتَّوجع , وحرقة الأحشاء , ونستطيع تسميته (بالرثاء العاطفي) فذلك يعودُ إلى كونهِ يختصُّ برثاء الأب أو الأقارب ومن ينزلُ منزلتهم , فضلاً عن تميُّزه بعنصر الصِّدق الذي ينمُّ عن الحسرةِ الشديدةِ والالتياع والذُهُول إزاء هول الموت والجزع من خَطبهِ , والشاعرُ  تعمد إلى رثاء الموتى  بأشدِّ العبارات أسىً وحزناً , فللموت فعلٌ يجذبُ الألمَ والأنين , وقد بَدَت علاماتُهُ بالظُّهور بعيداً عنهُ ، إلَّا أنَّهُ باتَ على مقربةٍ من بصيرتهِ وبصرهِ , وقد تجسد ذلك في رثاء أبيه  فنراه يقول:-

إلى روح أبي:

حين دفعتني الريح

إلى الخلف

تذكرتك

وتذكرت باني وحيد

تدفعه الريح إلى الخلف

   إنَّ رِثاءَ الآخَر لدى الشاعر انقسم إلى ثلاثة أنواع هي : رثاء الأهل , والنَّدب , والتَّأبين , وقد اتَّسمت هذهِ الأنواع كلُّها بصدق العاطفة , وعمق الأسى , وصدق الموقف الشِّعوري , وبالأخصِّ فيما يتعلَّقُ برثاء إلام , وندب الأهل , فالذاتُ تقطرُ حزناً و ألماً على مصابِها النَّاتج من شعورها بقرب لحظة الموتِ منها , لذلك التجأت إلى رثاء ذاتها بالتَّفجُّعِ  والبُكاءِ ، الأمرُ الذي ازداد حرارةً وغُصَّةً مع ندب والدته  خاصَّةً وأنَّ القدرَ قد اختارَهُا , واختطفَهُا بعيداً عنه  , فكان لذلكَ الموقف جُرحاً غائراً تركَ أثراً عظيماً في نفسهِ ,فنراه يقول :-

إلى أمي :

منذ بزوغ الكون

كلما تبعثر الأشياء

لا

سوى مرتفعات دعاء

كالهديل

في كوني المبعثر

 

أمَّا تأبينهُ ثُلةً من الأُدباء فقد كانوا ممَّن تسلَّقوا , وملكوا قلبَ الشاعر , فما كان منهُ إلَّا أن يبادلهم مشاعرَ الصَّداقة والوفاء الخالص , وفي رثاء صديقه (خالد الجيزاني),وهو يتحدث عنه, وكيف كانت الصداقة بينهما قوية  , فنراه يقول : –

الموت آخر البخلاء

ربما

وأول الورثة الكبار

يقرا الرسائل بخفة

يطرق بابا العناوين

وبتواصل حميم

يقطع شريط العمر

مندهشا

لرحيلك المباغت

      إنَّ الشاعر ( حسين الهاشمي  )  في موضوع  الرِّثاء  اتسم  بأُفقَ التَّجديدِ الشعري , وخرج  إلى فضاءاته الواسعة , بل التزم  معنى الرِّثاءِ التَّقليدي , فضلا عن ذلك  انه خرج عن محور القصيدة العمودية , أمَّا صفاتُ الموتى وفضائلهم فقد منحهم أبعاداً دلاليةً تَزيدُ من الإشادة بهم , وبمصادر ثقافتِهم بين النَّاسِ , فضلاً عن ذلك فقد أكثرَ من معاني البُكاء, والتَّأمُّل, والحكمة التي تُصاحِبُ دلالةَ الرِّثاء0

عاجل !!