دورة القاص احمد خلف .. الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق يصدر مجموعته القصصية ( نزهة في شوارع مهجورة) وتوزع في المهرجان مجانا

هيئة التحرير19 أكتوبر 2025آخر تحديث :
 دورة القاص احمد خلف .. الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق يصدر مجموعته القصصية ( نزهة في شوارع مهجورة) وتوزع في المهرجان مجانا

دورة القاص احمد خلف .. الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق يصدر مجموعته القصصية ( نزهة في شوارع مهجورة) وتوزع في المهرجان مجانا

النهار / حمدي العطار

( نزهة في شوارع مهجورة)

قراءة وتحليل ” خوذة لرجل نصف ميت

في كل حربٍ يخرج الإنسان خاسراً، حتى حين ينتصر. هكذا يمكن تلخيص العالم الداخلي الذي تفتحه قصة «خوذة لرجل نصف ميت» لأحمد خلف؛ نص يغور في الذاكرة الجريحة، حيث تتداخل أصداء الحرب مع صمت الغرفة، والبطولة مع العزلة، والحياة مع ما يشبهها من موت مؤجل.

يقدم القاص أحمد خلف في هذه القصة نموذجاً سردياً ينتمي إلى الحساسية الحداثية في القصة العراقية، إذ تتحول الحرب من حدث خارجي إلى تجربة وجودية داخلية، لا تبحث عن البطولة بل عن معنى البقاء وسط الركام. يبدأ النص بمشهد رمزي مكثف: رجل في الخامسة والعشرين من عمره، ممدد فوق سرير خشبي، يراقب بندول ساعة يتأرجح أمامه كحبل مشنقة، كأن الزمن نفسه يتهيأ لشنقه ببطء.

من خلال هذا المشهد البسيط، ينفتح النص على عوالم معقدة من الألم والتداعي والذاكرة. فالبطل – الجندي المصري العائد من حربٍ ضد العدو الصهيوني – لم يعد بطلاً، بل ظلاً لإنسان فقد ملامحه بعد أن أحرقت النابالم وجهه. جرحه الخارجي لم يكن سوى انعكاس لجرح أعمق: انكساره النفسي، وهجران زوجته الصغيرة له، وعزلته في غرفة باتت تؤنسه بندولها أكثر من الناس. وحين يطلق رصاصاته الثلاث نحو الساعة في نهاية القصة، فإن ما يطلقه في الحقيقة هو النار على الزمن، على الذاكرة، وعلى حياته التي تحولت إلى خوذة فارغة فوق رأس رجل نصف ميت.

*المحاور الفنية والفكرية في النص

  1. العنوان بوصفه مرثية للإنسان

العنوان هو البوابة التي يدخل منها القارئ إلى النص، وقد منحه أحمد خلف شحنة دلالية عميقة. فالخوذة، رمز الحرب والنجاة، تتحول هنا إلى أثر جامد يختصر الهزيمة. أما «الرجل نصف الميت» فهو الإنسان الذي لم يمت في الحرب، لكنه لم يعد قادراً على الحياة بعدها. بهذا المعنى، العنوان نفسه يختصر مأساة البطل، بل مأساة الإنسان في مواجهة آلة الحرب التي تتركه حياً بجسد ميت وروح متآكلة.

  1. بنية الزمن والمكان: الغرفة بوصفها ساحة حرب أخرى

لم يحتج أحمد خلف إلى جبهات مفتوحة أو معارك دامية؛ فالغرفة المستطيلة كانت كافية لتكون ساحة للانهيار. داخلها يتقاطع الزمنان: زمن السرد (دقات الساعة) وزمن القصة (ذكرى الحرب). عبر هذا التداخل الزمني، ينساب تيار الوعي في حركة حرة بين الماضي والحاضر، بين الألم والتذكر. المكان هنا ليس  ديكور سردي فحسب، بل كائن حي يراقب بطله ويخنقه ببطء، فيتحول إلى مرآة للعزلة والانكسار.

  1. المرأة: الحضور الغائب

المرأة في هذا النص ليست شخصية مرافقة، بل رمز مركزي لفقدان المعنى. إنها الذاكرة الأولى، والرغبة المؤجلة، والخذلان الأخير. حضورها الغائب يحرك في البطل كل انفعالاته المكبوتة، فيناديها، يلاحق ظلها وهي عارية، ثم يطلقها في لحظة هذيان يختلط فيها الواقع بالحلم. إنها الأنثى التي غادرت جسده كما غادرته الحياة، لتتركه في مواجهة وحدته، عاريا من الأمل.

  1. اللغة: انسياب الألم وتكثيف الوعي

جاءت لغة القصة مشبعة بالإيقاع الداخلي، بعيدة عن الزخرف اللفظي، قريبة من البساطة الموجعة. فهي لغة كائن يحاول أن يبرر وجوده بالكلمات، فيغدو السرد تياراً من البوح الداخلي، لا يبحث عن الإجابة بقدر ما يعري السؤال. استخدم القاص الجمل القصيرة المتوترة، والحوار المقتضب الذي يذكر بمسرح العبث، فبدت الأصوات في النص كأنها صدى بعيد لجنود رحلوا وأحلام تبعثرت.

خاتمة: الإنسان بعد الحرب

تخرج «خوذة لرجل نصف ميت» من إطار القصة الواقعية إلى فضاءٍ رمزي وإنساني واسع. فالحرب هنا ليست حدثاً تاريخياً، بل تجربة وجودية يتفتت فيها المعنى. أحمد خلف لا يكتب عن الحرب بل يكتب عنها بعد انتهائها، حين يصمت المدفع ويبدأ صوت الإنسان بالأنين.

إنها قصة عن الزمن الذي يتحول إلى سجن، وعن الجسد الذي يغدو قفصاً، وعن الإنسان الذي يحيا نصف حياة تحت خوذة صامتة. نص يختصر مأساة جيل عربي عاش الهزيمة أكثر من مرة، وما زال يبحث عن طريقة لدفنها دون أن يدفن نفسه معها.

عاجل !!