دبلوماسية مشدودة وهدوء حذر.. ملفات ساخنة ومعقدة على أجندة أوروبا لحلها مع أردوغان

هيئة التحرير14 أكتوبر 2025آخر تحديث :
دبلوماسية مشدودة وهدوء حذر.. ملفات ساخنة ومعقدة على أجندة أوروبا لحلها مع أردوغان

دبلوماسية مشدودة وملفات حارقة.. كيف ستكون العلاقات الأوروبية التركية بعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية؟

ملفات عدة ستفرض نفسها على العلاقات التركية الأوروبية بعد فوز أردوغان بولاية جديدة تستمر 5 سنوات

لم تخف تحليلات غربية كثيرة أن بروكسل باعتبارها مركز صناعة القرار الأوروبي كانت تتابع من كثب الانتخابات التركية

تراهن بريطانيا على مواصلة التعاون العسكري بين البلدين خصوصا في ملف تصنيع الطائرات الحربية وكذلك تصنيع الطائرات المسيرة

 

لندن / النهار

على الغرب أن يتعلم كيف يعيش مع أردوغان”، بهذا العنوان اختار موقع “بوليتيكو” (POLITICO) التعليق على العلاقات الغربية التركية، مع استمرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيسا لتركيا لمدة 5 سنوات مقبلة، وهو عنوان يظهر مدى تعقيد العلاقات الغربية التركية، وخصوصا الأوروبية منها.

ولم تخف تحليلات غربية كثيرة أن بروكسل باعتبارها مركز صناعة القرار الأوروبي كانت تتابع من كثب الانتخابات التركية ولها في ذلك مآرب شتى وملفات مشتركة مع تركيا ذات أبعاد مصيرية وحاسمة.

وقالت شبكة “بي بي سي” (BBC) البريطانية إن كل الأزمات الكبرى “لم تكن كافية لهزيمة أردوغان، بدءا بالأزمة الاقتصادية مرورا إلى الزلزال المدمر”، كما ألقت اللوم على معسكر كمال كليجدار أوغلو الذي لم يكن مستعدا للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.

وستكون على طاولة الأوروبيين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملفات كثيرة ساخنة تحتاج إلى حلول عاجلة، وتبقى العلاقات التركية البريطانية حالة استثناء مقارنة مع حالة الشد والجذب التي تطبع العلاقات بين أنقرة وبروكسل.

الاستثناء البريطاني

يمكن القول إن العلاقات البريطانية التركية تعيش عصرها الذهبي منذ سنوات، ولم تتأثر بالهزات التي تعرفها العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وتنهج لندن سياسة براغماتية مع أنقرة، تقوم على البحث عن المصالح أولا.

ولم يصدر أي موقف دبلوماسي بريطاني طوال الانتخابات التركية، رغم العلاقة الجيدة مع الرئيس أردوغان، ففي عهده تم تطوير التعاون العسكري بين البلدين وكذلك الاقتصادي.

وتراهن بريطانيا على مواصلة التعاون العسكري بين البلدين، خصوصا في ملف تصنيع الطائرات الحربية وكذلك تصنيع الطائرات المسيرة.

وتوفر تركيا لبريطانيا شريكا جيدا، فبعد سنتين من توقيع اتفاق التبادل الحر بلغت المبادلات التجارية بين الطرفين 23.5 مليار جنيه إسترليني، وهو أعلى رقم في تاريخ المبادلات التجارية بينهما.

هدوء حذر ومخاوف من الملف اليوناني

في مقال عن العلاقات الأوروبية التركية، يتوقع مجتبى رحمن مدير الملف الأوروبي في مجموعة أوراسيا (Eurasia Group) أن العلاقات بين الطرفين في عهد أردوغان ستكون هادئة على المدى القصير، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي سيعطي الأولوية لتقديم 7 مليارات دولار التي وعد بها لدعم تركيا للتعافي من آثار الزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي.

كما توقع الباحث المتخصص في العلاقات الأوروبية التركية أن أنقرة أيضا ستظهر مزيدا من الليونة في ما يتعلق بالمطالب الأوروبية للحد من التهرب من العقوبات.

لكنه حذر من نقطة واحدة قد تفجر العلاقات التركية الأوروبية، وهي التوتر التركي اليوناني، متوقعا أن التصعيد سيكون سيد الموقف في هذا الملف، خصوصا مع إصرار تركيا على مواصلة التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

دبلوماسية مشدودة

بدورها، ذكرت الباحثة في “مؤسسة الأبحاث والملاحظة” (ORF) أنكيتا دوتا الملفات المحددة للعلاقات التركية الأوروبية في السنوات الخمس المقبلة، وتتعلق بملف الهجرة والأمن لا سيما ما يخص أوكرانيا والطاقة والعلاقة مع روسيا.

 

وتتوقع الباحثة أن المحادثات بين الأوروبيين والأتراك حول الانضمام للاتحاد الأوروبي ستبقى جامدة ودون أي تغيير حقيقي، وهذا خبر جيد للأوروبيين المنشغلين حاليا في بحث انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد.

في المقابل، سوف تستمر الخلافات الغربية التركية المتعلقة بصفقة أنظمة الدفاع الصاروخي “إس 400″، إضافة إلى تعثر صفقة طائرات “إف-35” الأميركية.

وتوقعت الباحثة أن تستمر العلاقات الأوروبية التركية على المنوال ذاته في السنوات الماضية، خصوصا مع الرسالة التركية الواضحة بأنها ستستمر في الموازنة بين مصالحها بين الشرق والغرب، وعليه ستستمر الشراكة الأوروبية التركية في ملف المهاجرين إضافة إلى مساعدة تركيا لتجاوز آثار الزلزال.

أما في الملف الأوكراني، فإن أوروبا تريد أن تواصل تركيا ضمان اتفاق الحبوب، “ولا يريد الأوروبيون أي تغيير في الموقف التركي في ما يخص هذا الاتفاق تحديدا”، حسب الباحثة.

أما من جهة الاتحاد الأوروبي، فتوقعت أنكيتا دوتا أن يستمر الاتحاد الأوروبي في وقف السفر من دون تأشيرة للمواطنين الأتراك، وسيكون هناك تحرك محدود في تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، مضيفة أن العلاقات سوف تسير في طريق دبلوماسي مشدود.

وفي مقال مطول بعنوان “ماذا يعني فوز أردوغان للعالم؟”، ركزت مجلة “تايم” (TIME) الأميركية على ملف مهم وهو عضوية السويد في حلف الشمال الأطلسي (ناتو)، خاصة مع الفيتو التركي على هذه العضوية.

 

وتتوقع المجلة أن تقبل تركيا بعضوية السويد قبل القمة المقبلة للحلف في شهر يوليو/تموز المقبل أو قبل نهاية السنة على أبعد تقدير، لكن المجلة تقول إن هذا القبول لن يكون بلا ثمن، بل ستسعى تركيا للحصول على مزيد من التنازلات من قبل الأوروبيين.

 

وتقول المجلة إن تركيا ومن خلال هذا الملف تريد أن تظهر للعالم أنها قادرة على التأثير في الملفات العالمية، كما سيواصل أردوغان سعيه لتقديم تركيا في صورة الوسيط المهم بين الغرب وورسيا.

وفي الوقت الذي تترقب فيه تركيا جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية للاختيار بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، حذرت وسائل إعلام دولية من تراجع للسوق المحلي و”سيناريوهات صعبة” تنتظره في حال استمرار السياسات القائمة.

وتقدم أردوغان في الجولة الأولى بحصوله على نسبة 49.5% من الأصوات مقابل 44.9% لكليجدار أوغلو، وهو ما أسفر عن إحباط لدى الأوساط الغربية انعكس في تقارير تناقلتها وسائل إعلامها.

من جانبه، أكد أردوغان -في أثناء مقابلة مع قناة “سي إن إن” (CNN) الخميس الماضي- أنه “سيواصل سياسته غير التقليدية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة لتقليل التضخم المرتفع إذا فاز في جولة الإعادة”.

وفي ما يلي، نستعرض مؤشرات توجس الغرب من فوز أردوغان، وأسباب مخاوفه من رؤيته الاقتصادية غير التقليدية، وعوامل القوة والضعف فيها، وما حققه حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002.

هل يخشى المستثمرون وأسواق المال الغربية فوز أردوغان؟

عقب الإعلان عن جولة الإعادة، تداولت وسائل إعلام دولية تقارير “تحذر من العودة للإدارة الاقتصادية السابقة واستمرار سياسات أردوغان الاقتصادية”، بعد أن كانت تتوقع إلغاء بعضها في حال فوز كليجدار أوغلو.

 

ونقلت وكالة رويترز عن جون هاريسون، المدير العام لإدارة دراسات الأسواق الناشئة في شركة “تي إس لومبارد” (TS Lombard) المصرفية الخاصة، قوله إن “سياسات أردوغان جعلت تركيا غير قابلة للاستثمار”.

كما حذرت وكالة التصنيف الائتماني “فيتش” (Fitch) من أن حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي ستستمر على الأقل حتى بعد جولة الإعادة، وفي ما يتعلق بالتصنيف الحالي للبلاد “بي سلبي” (-B)، أشارت أنها ستقرر بعد الانتخابات إذا ما كانت السياسات المتبعة أكثر مصداقية وثباتا.

لماذا يخشى الغرب رؤية أردوغان الاقتصادية غير التقليدية؟

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي التركي ورئيس قسم الاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم التركية عبد المطلب أربا أن أردوغان والغرب وصلا إلى مفترق طرق منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.

وقال أربا -في حديث – إن “سياسات أردوغان قبلها كانت متماشية مع الرؤية الغربية، وتدفقت الاستثمارات نتيجة الاستقرار سياسي في الفترة بين عامي 2002 و2016، وهو ما انعكس على الاستقرار الاقتصادي. لكن أردوغان بعد عام 2016، خاصة بعد توليه الرئاسة في 2018، أصبح يسعى لاستقلال الاقتصاد التركي بزيادة الإنتاج المحلي وبالتبعية زيادة الصادرات وتقليل كل من الاستيراد والحاجة للعملات الأجنبية”.

وتابع الخبير بأن “ذلك يتعارض مع المصالح الغربية التي تريد أن تظل تركيا معتمدة عليها باعتماد سياسات (تقليدية) لزيادة الاستيراد عن التصدير (تقليل الإنتاج بالتبعية) والاعتماد على العملات الأجنبية ورفع الفائدة للحفاظ على سعر صرف الليرة”.

ما عناصر القوة والضعف في أداء الاقتصاد التركي آخر 5 سنوات؟

تعيش تركيا منذ منتصف عام 2018 -الذي يمثل بداية الانخفاض الحاد لقيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية- أزمات اقتصادية تفاقمت في السنوات الثلاث الأخيرة مع توابع جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وخسائر الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/شباط الماضي.

 

مثلث الفائدة والعملة والتضخم

وفق البنك الدولي، تعاني تركيا “غياب الاستقرار المالي الكلي منذ 2018 وارتفاع نسبة التضخم”، ومن ثم زيادة الأسعار وانخفاض القوة الشرائية لليرة.

 

وتراجعت الليرة التركية في الأيام الماضية إلى “مستوى قياسي منخفض” بلغ قرابة 19.80 للدولار، وفقدت العملة 44% من قيمتها عام 2021 و30% عام 2022، في ظل خفض أسعار الفائدة رغم ارتفاع التضخم كجزء من إستراتيجية أردوغان غير التقليدية.

 

في المقابل، يصف أردوغان في خطاباته الفائدة وسعر صرف الليرة والتضخم بأنها “مثلث الشر”، ويؤكد أن الجميع “في الداخل والخارج أصبح يرى أن تركيا لن تخضع لهذا المثلث”.

 

وحسب البنك المركزي التركي، بلغ معدل التضخم 45.48% وسعر الفائدة 8.50% الشهر الماضي، ومن المقرر أن يعقد اجتماعا حول سعر الفائدة قبل 3 أيام من جولة الإعادة.

 

وعزا عبد المطلب أربا تراجع الليرة إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي واللجوء إلى شراء العملات الأجنبية، وأرجع ارتفاع التضخم إلى الفواتير المكلفة لاستيراد الطاقة (لتلبية 95% من احتياج البلاد آنذاك) خاصة وقت جائحة كورونا”.

 

الديون واحتياطي النقد الأجنبي

في الأيام الثلاثة التي تلت الجولة الأولى، تراجعت الأسهم المصرفية والسندات السيادية المقومة بالدولار وارتفعت تكلفة تأمين ديون تركيا ضد التخلف عن السداد، في ظل انخفاض التصنيف الائتماني للبلاد وعجز الحساب الجاري التركي.

 

كما انخفضت احتياطات النقد الأجنبي إلى مستويات قياسية في الأسبوع الذي سبق الانتخابات، لتصل إلى 60 مليارا و815 مليون دولار.

 

وحول مسألة الديون، توقع الخبير التركي أن تتبنى حكومة أردوغان المقبلة سياسات تقشفية للتعامل معها، مشيرا إلى أن الاستقرار السياسي خلال الفترة القادمة سيسمح بجلب الاستثمارات لتسديدها.

في حين عزا أربا انخفاض الاحتياطات إلى الإنفاق الحكومي للتعامل مع الأزمات التي ضربت البلاد من كورونا إلى الزلزال، بالإضافة إلى جهود المركزي التركي لدعم الليرة وتثبيت سعر الصرف.

 

معدلات النمو والبطالة

وفق معهد الإحصاء التركي، فإن الاقتصاد المحلي نما 5.6% عام 2022 متجاوزا التوقعات، مقابل تباطؤ النمو إلى 3.5% بالربع الأخير منه.

 

وقال أربا إن “معدلات النمو بشكل عام في تزايد، والاقتصاد التركي متجدد ويتميز بالجودة العالية والتنوع في الإنتاج واستخدام التقنيات الحديثة فيه والكثافة السكانية الشبابية وجودة الحرفيين، لذلك أصبح هناك توجه للسوق التركي كبديل عن الصيني”.

 

وبينما تتهم المعارضة الحكومة بـ”التقاعس عن مكافحة البطالة”، أوضح أربا أنها “بلغت 10% وفق آخر إحصاء في مارس/ آذار الماضي، لكن هناك أيضا آلاف فرص العمل المعروضة يوميا”.

كيف تواجه الحكومة تلك المشكلات؟

وفق الخبير التركي، اتبعت الحكومة 3 إجراءات للتعامل مع الأزمات:

إتاحة فتح حسابات لـ”ودائع الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف” أواخر 2021، إذ تضمن للمودع بالليرة عدم وقوعه ضحية لتقلبات أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقتي الإيداع والسحب.

تكثيف اكتشافات الطاقة لتقليل الاعتماد على وارداتها، وبالفعل أعلن أردوغان اكتشاف بلاده مؤخرا الغاز الطبيعي في البحر الأسود، والنفط في منطقة غابار بولاية شرناق، وإقامة حقول ضخمة للطاقة الشمسية في ولاية قونية.

زيادة منتظمة للحد الأدنى للأجور بالقطاع العام والخاص، وفي يوليو/تموز المقبل ستبلغ الزيادة لموظفي القطاع العام 45% (حسبما أعلن أردوغان ليصل الحد الأدنى إلى 15 ألف ليرة في حالة فوزه)، أي أقل من نسبة التضخم المتوقعة حينها، لكي لا يكون المواطن ضحية.

ما حصيلة نتائج حزب العدالة والتنمية منذ 2002؟

تحتل تركيا -وفق البنك الدولي- المرتبة الـ19 بين أكبر الاقتصادات في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 906 مليارات دولار، وحققت تركيا، عضوة مجموعة الـ20، إصلاحات طموحة وتمتعت بمعدلات نمو عالية بين 2006-2017 دفعتها إلى أعلى مستويات الدخل فوق المتوسط وخفضت من الفقر.

 

بدوره، لفت أربا إلى أن مستوى دخل المواطن التركي قبل 2002 كان متواضعا، لكن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 3641 دولارا آنذاك إلى 9661 دولارا عام 2021.

عاجل !!