قال عقلي:
إلى أين تمضي يا قلبي؟
كل دربٍ تسلكه
تُعبّد فيه خُطاك بالعاطفة العمياء،
ثم تأتي إليَّ تئنّ من الندم!
أجاب قلبي:
وهل كانت الحياةُ يومًا حسابًا متقنًا؟
أم معادلةً لا تحتملُ خطأً أو شطحةَ حلم؟
يا صاحبي، أنا النبضُ الذي يُقيم المعنى
بين الشقاء واللذّة،
بين الخوف والجسارة!
قال عقلي:
لكنك تُرهقني…
كلما صدّقتُ حُججي
نقضتها بهمسةٍ، بذكرى، بدمعةٍ لم أعرفها!
لماذا لا تكتفي بما وهبنا الزمنُ
من حذرٍ وحكمةٍ وبصيرة؟
قال قلبي:
لأن الحكمة وحدها جفافٌ،
والحياةُ ليست جدولَ منطق،
بل نهرٌ يجري،
يأخذنا إلى ضفافٍ لم نرسمها!
أنتَ الحارسُ، وأنا الطريق…
أنتَ الخارطةُ، وأنا الرحلة!
سكتا قليلًا،
ثم قال عقلي:
أتعلم؟ أخاف الجنون الذي تُغويني به…
أخاف أن أتهاوى في رغباتك
فأفقد ملامحي!
ضحك قلبي:
وأنا أخاف جمودكَ،
أخاف أن نصبحَ تمثالًا من حجر
ينظر إلى العمرِ من خلف زجاجٍ بارد…
يرى كل شيء، ولا يعيش شيئًا!
قال عقلي:
لكن السقوطَ مكلف…
والانكسار جرحٌ لا يندمل بسهولة!
قال قلبي:
والخوفُ أيضًا ثمنه العمرُ الذي يذوب ببطء!
يا صاحبي، نحنُ لا نُخلق لنظلَّ كاملين،
بل لنجربَ، لنسقطَ .. لننهضَ،
لنفقد بعضنا… ثم نجد بعضنا من جديد!
تنهّد عقلي:
ربما… ربما أنتَ على حق،
لكن دعني على الأقل أضيءُ الطريق
حتى لا تمشي في العتمة وحدك!
ابتسم قلبي:
وأنا سأعلّمكَ كيف ترقصُ في ضوء الشموع،
حتى لو انطفأت أنوارُ الدروب!
ثم سار الاثنان معًا،
العقلُ يحمل مصباحًا من حذر،
والقلبُ يُغنّي نشيد الشغف…
فصارا إنسانًا.
وفي النهاية…
ليس العقلُ عدوَّ القلب،
ولا القلبُ خصمَ العقل،
إنهما نهرانِ يلتقيانِ في محيطِ الروح،
حيث تنصهرُ الأسئلةُ في التجربة،
وتذوبُ الحقائقُ في بهجةِ الغموض،
فنكتشفُ أن الحكمةَ ليست ضدَّ الجنون،
ولا العاطفةَ ضدَّ الحكمة،
بل كلُّ ما فينا نَسجٌ واحدٌ من نورٍ وظلال
هشاشةٍ وقوة،
وعيٍ وحُلم،
وأننا نحنُ… لا نكتملُ إلا بنقصنا،
ولا نعيشُ حقًّا
إلا حين نُصغي معًا
لصوتِ القلبِ
وصدى العقل…
في صمتِ الروح.