حفتر ينتهج خططا مدروسة لفرض نفسه كلاعب رئيسي في ليبيا

هيئة التحرير21 يوليو 2025آخر تحديث :
حفتر ينتهج خططا مدروسة لفرض نفسه كلاعب رئيسي في ليبيا

حفتر ينتهج خططا مدروسة لفرض نفسه كلاعب رئيسي في ليبيا

قرار خليفة حفتر إبعاد وفد وزاري أوروبي يكشف ضغوطا يمارسها على القوى الأوروبية للاعتراف بشرعية الشرق الليبي

تفتقر ليبيا الى الاستقرار منذ إطاحة معمر القذافي في عام 2011. وتتنازع السلطة حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس (غرب) مقرا

يدعم الأوروبيون الحكومة المعترف بها دوليا ولكن ليس حكومة الشرق في المقابل يتواصلون مع القوات المسلحة الليبية التي يقودها المشير وأبناؤه

تعرب كلاوديا غاسيني الباحثة المتخصصة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية عن اعتقادها بأن خطوة إبعاد الوفد الأوروبي في بنغازي لم تكن “عن سابق تصوّر

طرابلس/ النهار

 سعى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر من خلال إبعاد وفد وزاري أوروبي وصل الى شرق ليبيا، لأن يبعث “رسالة واضحة” وتثبيت مكانته كطرف “لا غنى عنه” وإن لم يعترف به المجتمع الدولي، بحسب محللين.

وفي الثامن من يوليو/تموز، زار مفوض من الاتحاد الأوروبي ووزراء من اليونان وإيطاليا ومالطا ليبيا لمناقشة ملف الهجرة غير النظامية، وانتقلوا الى بنغازي (شرق) بعد محطة في طرابلس.

وتفتقر ليبيا الى الاستقرار منذ إطاحة معمر القذافي في عام 2011. وتتنازع السلطة حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس (غرب) مقرا، وتعترف بها الأمم المتحدة ويرأسها عبدالحميد الدبيبة، وحكومة في بنغازي (شرق) برئاسة أسامة حماد يدعمها حفتر.

ومع وصول الوفد الأوروبي الى مطار بنغازي، أمرت سلطات شرق ليبيا أعضاءه بالمغادرة. وأصدرت حكومة حماد بيانا حاد اللهجة اتهمت فيه الوفد بـ”تجاوز صارخ للأعراف الدبلوماسية وعدم احترامه للسيادة الوطنية واتباع الإجراءات المنظمة لدخول وتنقل وإقامة الدبلوماسيين الأجانب”.

وأبلغت أعضاءه بضرورة “مغادرة الأراضي الليبية واعتبارهم غير مرغوب فيهم”.

في بروكسل، قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي “حصل خرق مؤسف للبروتوكول”، عازيا السبب إلى “سوء تفاهم كبير” على صلة بالجهة الليبية التي كان مقررا الاجتماع بها.

كما تحدثت المفوضية الأوروبية عن “مشكلة بروتوكولية” تسببت بإلغاء الزيارة الى ثاني كبرى مدن ليبيا. وقال طارق المجريسي، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن إبعاد الوفد كان “خطوة مدروسة”.

وفي ظل تدفق مهاجرين من ليبيا إلى جزيرة كريت اليونانية، رأى الباحث أن حفتر يحاول “استغلال أزمة الهجرة، لنيل اعتراف (أوروبي) بحكومته بفعل الأمر الواقع… وبالتالي توسيع العلاقات مع أوروبا إلى ما هو أبعد من مجرد التفاعل معه كزعيم عسكري محلي”.

ويرغم الوضع المعقّد في ليبيا الدبلوماسيين على المناورة. ويدعم الأوروبيون الحكومة المعترف بها دوليا ولكن ليس حكومة الشرق. في المقابل، يتواصلون مع القوات المسلحة الليبية التي يقودها المشير وأبناؤه.

وخلال زيارته بنغازي، كان من المقرر أن يلتقي الوفد الأوروبي مسؤولين عسكريين من شرق ليبيا. لكن عند وصول أعضائه الى المطار، تبيّن لهم وجود “أشخاص لم نكن قد وافقنا على لقائهم”، بحسب ما أفاد مسؤول أوروبي في بروكسل طلب عدم ذكر اسمه.

وأضاف “توجب علينا أن نغادر”، معتبرا أن “ذلك كان مرتبطا بطبيعة الحال بالاعتراف” بالحكومة الموازية.

وتعرب كلاوديا غاسيني، الباحثة المتخصصة في الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية عن اعتقادها بأن خطوة إبعاد الوفد الأوروبي في بنغازي لم تكن “عن سابق تصوّر”.

وتضيف “لكن السؤال المطروح هو لماذا” حضر وزراء من حكومة حمّاد الى المطار ولماذا ترك حفتر الأمور تجري على هذا النحو. ولم تستبعد وجود “خلاف ثنائي مع إحدى الدول الممثَّلة في الوفد”.

ويعتبر الباحث جلال حرشاوي أن اليونان كانت المستهدفة. ويلفت الى أنه في السادس من يوليو/تموز “حضر وزير الخارجية اليوناني وطلب تنازلات بشأن مسائل الهجرة والقضايا البحرية، من دون أن يقدم أي حوافز ملموسة”.

ويشير حرشاوي الى أن الزيارة التي تخللها استقبال حفتر للوزير يورغوس ييرابتريتيس “لم تثمر شيئا”.

وبعد يومين “أراد ممثل لليونان، هذه المرة ضمن وفد للاتحاد الأوروبي، أن يفاوض في اليوم ذاته الحكومة المنافسة في طرابلس، ويضع الحكومتين الليبيتين على قدم المساواة”، بحسب حرشاوي الذي يضيف أن “سلطات بنغازي اعتبرت ذلك إهانة” وأرادت أن “تعاقب أثينا”.

ويرى الباحث المتخصص في الشأن الليبي أن الحادثة تظهر وجوب عدم “التقليل من شأن” السياسة الخارجية لحفتر موضحا “سواء كان الأمر يتعلق بتدفق المهاجرين أو مشاريع الطاقة، فإن عائلة حفتر لاعب لا غنى عنه بسبب إمساكها بأمن الساحل في شرق ليبيا”، مشددا على أن الرسالة “واضحة: خذوا معسكر الشرق على محمل الجد”.

ويلفت الى أن قائد الجيش وأبناءه “المقتدرين ماليا والأقوياء” لجهة الأصول الاستراتيجية التي يتحكمون بها، يكثّفون اتصالاتهم “لتثبيت شرعيتهم”.

واستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خليفة حفتر في فبراير/شباط، وزار في مايو/أيار موسكو حيث التقاه داعمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقام نجله صدام بجولات خارجية شملت الولايات المتحدة وتركيا وإيطاليا والنيجر.

وحتى تركيا التي ساندت حكومة الوفاق الوطني في صدّ هجوم لحفتر على طرابلس منتصف عام 2020، تسعى إلى “الاستفادة بشكل أكبر من عائلة حفتر”، خصوصا من خلال مشاريع البناء، بحسب المجريسي.

ويشير الى أن لأنقرة أهداف جيوسياسية كذلك، اذ تريد من حفتر الموافقة على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط تم توقيعها مع طرابلس وتعتبرها أثينا “غير قانونية”.

ويتواصل مسلسل الملاحقة والتضييق على الحريات الصحافية في طرابلس، مع اختطاف الإعلامي نبيل السوكني في طرابلس، الذي أثار استنكارا حقوقيا وإعلاميا بعد إعلان زوجته اعتقاله دون معرفة الجهة المسؤولة أو أسباب التوقيف، وسط فوضى أمنية في العاصمة. ما يزيد من المخاوف بشأن حرية الصحافة وسلامة الإعلاميين في ليبيا.

وكتبت زوجة السوكني عبر صفحته بموقع فيسبوك السبت “تم اليوم القبض علي زوجي نبيل السوكني ولا توجد لدي أي معلومات أخرى”.

ولم يتضح بعد هوية الأشخاص أو الجهة التي قام عناصرها بالقبض على نبيل السوكني، ولا ملابسات القبض عليه.

ويُبرز اختطاف الإعلامي السوكني التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها وسائل الإعلام في ليبيا، وكم المخاطر التي يتعرض لها الإعلاميين أثناء تأدية مهامهم، خصوصا في ظل تدهور الوضع الأمني في البلاد عموما والعاصمة طرابلس خصوصا.

ويُعد السوكني من أبرز الوجوه الإعلامية المعروفة في ليبيا، حيث شغل عدة مناصب في مؤسسات إعلامية محلية، منها قناة فزان وقناة ليبيا بانوراما، كما تولى رئاسة مؤسسة ليبيا للإعلام، ويُعرف السوكني بمواقفه السياسية المستقلة، حيث يصف نفسه بأنه “سياسي مستقل”.

وأثارت عملية اختطاف السوكني واحتجازه جدلا واسعا حول قمع الحريات العامة وخاصة الإعلام والتعبير في ظل الوضع السياسي المعقد في البلاد من قبل سلطات تسعى إلى التمسك بالحكم عبر قمع الأصوات المعارضة والتضييق على المنابر الإعلامية وأصحابها والعاملين فيها من خلال الاعتماد على سياسة الترغيب والترهيب.

ويرى متابعون للملف الإعلامي في ليبيا أن حادثة اعتقال السوكني تأتي في إطار سعي جهات حكومية نافذة لبث الرعب في نفوس الإعلاميين الساعين إلى الكشف عن ملفات ممنوعة في بلد يواجه أخطر عمليات النهب الممنهج لثرواته ومقدراته من قبل الشبكات المرتبطة بالأطراف الفاعلة داخل المؤسسات الحكومية ومنها وزارة الاقتصاد والتجارة..

وعبّر الناشط الحقوقي حسام القماطي عن قلقه إزاء غموض مصير السوكني، مطالباً الجهات المختصة بالكشف عن مكان احتجازه، والتهم الموجهة إليه إن وُجدت، مع ضمان تحويله إلى مكتب النائب العام وفق الإجراءات القانونية المحددة، محذراً من أن تجاوز هذه القواعد يجعل من الواقعة “أقرب إلى عملية اختطاف تمثل جريمة قانونية واضحة”.

ولا تزال ملابسات القضية غير واضحة حتى الآن، في ظل صمت الجهات الرسمية، وسط دعوات واسعة إلى احترام القانون وضمان حقوق المواطنين دون تمييز أو استهداف.

وانتشرت دعوات منظمات حقوق الإنسان، والنقابات الصحافية، ونشطاء المجتمع المدني، لإدانة اختطاف السوكني والعمل على الإفراج الفوري عنه، مع توجيه مطالب ملحة للجهات الأمنية في طرابلس للتحرك السريع وحماية الإعلامي، والكشف عن مكانه، وتحديد هوية خاطفيه.

وفي أوائل مايو/أيار الماضي، أكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” استمرار الهجمات المتكررة ضد استقلالية وسائل الإعلام في ليبيا التي تحتل المرتبة 137 في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

وتتزامن عمليات التضييق على الصحافيين مع وضع أمني شديد الخطورة في طرابلس التي تشهد تصعيدًا غير مسبوق في وتيرة التحشيدات العسكرية خلال الأيام الأخيرة، وسط مؤشرات على أن المدينة تتجه نحو مرحلة حرجة، تُنذر بعودة دائرة العنف المسلح والصدام بين المليشيات، في ظل انقسام سياسي حاد وتضارب متزايد في الولاءات الأمنية.

 وذكر تقرير نشرته منصة “الشرق بلومبيرغ”، أن مشاهد نشر الآليات الثقيلة والتمركزات الجديدة في محاور عين زارة وصلاح الدين وطريق المطار أعادت إلى الأذهان سيناريوهات اشتباكات مايو الماضي، التي شكلت محطة فارقة في الصراع بين المليشيات، حيث استُهدِف خلالها جهاز الردع بعد اغتيال القيادي بمليشيا دعم الإستقرار، عبد الغني الككلي المعروف بـ”غنيوة”.

وتعكس هذه التحركات حالة الانفلات المتسارع، المدفوع بمحاولات الحكومة منتهية الولاية، لقلب الموازين لصالحها والسيطرة على العاصمة، لا سيما بعد استشعار مخاطر الفراغ الأمني واتساع فجوة الثقة بين المليشيات المسلحة في الغرب الليبي.

ودعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان رسمي، إلى الانسحاب الفوري لجميع القوات المنتشرة في محيط وأحياء العاصمة طرابلس، ووقف فوري للتحريض الإعلامي والتصعيد اللفظي وخطاب الكراهية، محذرة من ما وصفته بـ”تدهور الوضع الأمني إلى مستويات تهدد حياة المدنيين وتُقوض ما تبقى من المسار السياسي”.

وذكرت المحكمة الجنائية الدولية الجمعة أن السلطات الألمانية ألقت القبض على ليبي مشتبه به في جرائم حرب ترتبط بعمله مسؤولا كبيرا في سجن سيئ السمعة كان نزلاؤه يتعرضون للتعذيب دوريا وأحيانا للاعتداء الجنسي.

وأعلنت السلطات الألمانية اعتقال خالد محمد علي الهيشري الأربعاء. وأكدت المحكمة الجنائية الدولية أنه سيبقى رهن الاحتجاز لدى السلطات الألمانية، ريثما تكتمل الإجراءات هناك.

ويتهم ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الهيشري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها القتل والتعذيب والاغتصاب، في الفترة من فبراير/شباط 2015 إلى أوائل 2020 التي تردد أنه كان خلالها واحدا من أكبر المسؤولين في سجن معيتيقة.

ويشير الادعاء إلى أن سجن معيتيقة كان أكبر مركز احتجاز في غرب ليبيا، حيث احتُجز آلاف المعتقلين في زنازين ضيقة تفتقر إلى أدنى معايير النظافة وتعرضوا على نحو ممنهج للاستجواب باستخدام العنف وللتعذيب.

وأضاف الادعاء أن رجالا ونساء من نزلاء السجن تعرضوا أيضا للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب.

والفترة الحالية حرجة للمحكمة الجنائية الدولية، إذ يواجه مدعيها العام وأربعة من قضاتها عقوبات أميركية ردا على مذكرة اعتقال صدرت بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب غزة. كما أثارت مذكرة اعتقال نتنياهو انتقاد عدد من الدول الأوروبية الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومن بينهم ألمانيا.

وفي يناير/كانون الثاني، اعتقلت إيطاليا ليبيا آخر بناء على مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وهو أسامة المصري نجيم، قبل إطلاق سراحه ونقله إلى طرابلس. وعزت السلطات الإيطالية الإفراج عنه إلى خطأ إجرائي في اعتقاله. واتُهم نجيم بارتكاب جرائم ضد معتقلين في سجن معيتيقة.

وأثار إطلاق سراحه غضبا بين أحزاب المعارضة الإيطالية، وأدى إلى تحقيق قانوني مع رئيسة الوزراء جورجا ميلوني وعدد من مسؤولي الحكومة.

وتُجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في جرائم خطيرة تردد أنها ارتُكبت في ليبيا منذ الحرب الأهلية هناك عام 2011.

ويُعد الهيشري من أبرز قيادات ما يُعرف بقوة «التدخل السريع»، بحسب تقرير فريق الخبراء الأممي لعام 2021، وأحد مساعدي قائد جهاز الشرطة القضائية في ليبيا أسامة انجيم، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية.

وجاءت عملية اعتقال الهيشري بعد أسابيع من إعلان النيابة العامة الليبية مباشرة الدعوى القضائية ضد أسامة انجيم نفسه، عقب رفع القيد الإجرائي عنه من قبل وزارة العدل، وخضع انجيم لأول جلسة تحقيق في 28 أبريل 2025، وأُبلغ بالتهم المنسوبة إليه، فيما أعلنت النيابة تأجيل الاستجواب لاستكمال التعاون مع المحكمة الدولية وجمع الأدلة المطلوبة.

 

وفي مايو/أيار الماضي، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إن ليبيا باتت تعترف باختصاص هيئته التي تحقّق في جرائم ضد الإنسانية يشتبه بأنها ارتُكبت على أراضيها منذ عام 2011.

وجاء في تصريح لخان “أرحب بشجاعة وريادة وقرار السلطات الليبية” بعد إرسالها إعلانا رسميا بهذا الصدد في ما يتّصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ 2011 وحتى نهاية 2027.

وليبيا غير موقّعة على نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، لكن مجلس الأمن الدولي أحال الوضع في ليبيا إلى المحكمة في فبراير/شباط 2011 بعد بدء احتجاجات غير مسبوقة ضد نظام معمر القذافي واجهتها السلطات بقمع عنيف.

ومكّنت هذه الإحالة المحكمة من أداء عملها، فيما شهد التعاون من جانب طرابلس تحسنا ملموسا.

عاجل !!