المبعوثة الأممية تلمح إلى إمكانية اتخاذ خطوات أكثر صرامة كفرض عقوبات فردية أو اعتماد تدابير لمحاسبة من يقوّض العملية السياسية
أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه أن بعثتها بصدد تقديم خارطة طريق شاملة لمجلس الأمن الدولي
كشفت هذه المشاورات بحسب تيتيه عن شعور عميق بالإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات الحالية سواء التنفيذية أو التشريعية
البعثة تعمل مع مسؤولين محليين لإزالة العقبات أمام تنظيم الانتخابات البلدية في المناطق التي تأجّلت فيها، كخطوة تمهيدية نحو الاستحقاقات الوطنية
تُجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في جرائم خطيرة تردد أنها ارتُكبت في ليبيا منذ الحرب الأهلية هناك عام 2011
طرابلس / النهار
في وقت تتزايد فيه مؤشرات التوتر السياسي والأمني في العاصمة الليبية طرابلس، تتكثف التحركات الأممية في محاولة لإعادة تحريك العملية السياسية المتعثرة، التي تعاني من انسداد طال أمده وسط خلافات متجذّرة بين الأطراف الليبية.
وفي هذا السياق، أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه أن بعثتها بصدد تقديم خارطة طريق شاملة لمجلس الأمن الدولي خلال إحاطتها المرتقبة في أغسطس/اب المقبل، في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء المسار السياسي والوصول إلى إجراء انتخابات وطنية طال انتظارها.
وتيتيه، التي قادت سلسلة من المشاورات الموسعة خلال الأسابيع الماضية، شددت على أن الانتخابات تمثل السبيل الوحيد للخروج من حالة الانقسام والشلل السياسي، مشيرة إلى أن غياب التوافق بين المؤسسات القائمة وتضارب الصلاحيات أفرزا واقعًا هشًّا يهدد بمزيد من التصعيد.
ورغم اعترافها بتعقيدات المشهد الداخلي، خاصة مع استمرار ما وصفته بـ”العرقلة المتعمدة” من قبل أطراف مستفيدة من الوضع القائم، لمّحت تيتيه إلى إمكانية اتخاذ خطوات أكثر صرامة، كفرض عقوبات فردية أو اعتماد تدابير لمحاسبة من يقوّض العملية السياسية.
ومن أبرز ملامح التحرك الأممي الأخير اعتماد البعثة على مدخل تشاوري واسع النطاق، حيث جمعت آراء أكثر من 12.500 مواطن ليبي من مختلف المناطق، من خلال لقاءات مباشرة وجلسات افتراضية شملت ممثلين عن الشباب، النساء، النقابات، والجامعات.
وكشفت هذه المشاورات بحسب تيتيه عن شعور عميق بالإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات الحالية سواء التنفيذية أو التشريعية، إلى جانب مطالب ملحّة بضرورة طي صفحة المراحل الانتقالية والانتقال إلى شرعية عبر صناديق الاقتراع.
وقالت إن البعثة تسعى لصياغة رؤية جامعة تنطلق من هذه الآراء، وتراعي التباينات الجغرافية والسياسية، لكنها في الوقت نفسه تحظى بأوسع قاعدة قبول ممكنة لدى الليبيين.
كما أكدت أن إجراء انتخابات ذات مصداقية يتطلب أكثر من مجرد توافق سياسي بل يحتاج إلى أرضية أمنية مستقرة وتحديث الإطار التشريعي، وتعزيز قدرات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. ولفتت إلى أن البعثة تعمل مع مسؤولين محليين لإزالة العقبات أمام تنظيم الانتخابات البلدية في المناطق التي تأجّلت فيها، كخطوة تمهيدية نحو الاستحقاقات الوطنية.
وفي ظل هذه الجهود، تشهد البلاد في المقابل تصعيدًا سياسيًا متجددًا بين مؤسسات الدولة، خاصة بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي، حيث عاد الجدل إلى الواجهة حول مشروعية المراسيم التي يصدرها الأخير.
ففي تصريحات لافتة، أعلن رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أن المراسيم الرئاسية “باطلة قانونًا” بسبب وجود سلطة تشريعية منتخبة، مؤكدًا أن المجلس وحده يملك صلاحية إصدار القوانين والتشريعات.
وكان المجلس الرئاسي قد أصدر في وقت سابق مراسيم تتعلق بتجميد قانون المحكمة الدستورية، وقضايا الاستفتاء والمصالحة، ما أثار غضب مجلس النواب، واعتبره محاولة لتجاوز صلاحياته. وتُعدّ هذه الخلافات أحد أبرز المعوقات أمام إنجاز أي توافق وطني يُمهد لإجراء الانتخابات.
وتزامنًا مع هذه التجاذبات السياسية، تشهد العاصمة طرابلس تحشيدات عسكرية وتحركات ميدانية لفصائل مسلحة، ما يثير مخاوف من اندلاع موجة جديدة من الاشتباكات، خاصة مع هشاشة الوضع الأمني، وغياب سلطة مركزية موحدة.
ورغم محاولات البعثة الأممية لخفض منسوب التوتر من خلال اتصالاتها مع الفاعلين المحليين، إلا أن غياب الثقة وتضارب الولاءات بين الجماعات المسلحة يبقي الأوضاع على شفا الانفجار، ما يعقّد المسار الأممي ويضعه أمام تحديات مضاعفة.
وفي هذا الإطار، واصلت تيتيه تحركاتها الدبلوماسية، حيث التقت السفير الألماني لدى ليبيا، رالف طراف، لبحث مستجدات الوضع السياسي والأمني، والتحضير لخلوة مرتقبة تضم الرؤساء المشاركين في المسار الدولي قبل نهاية يوليو، في محاولة لإعادة تنشيط التنسيق بين الشركاء الدوليين.
وأكد الطرفان خلال اللقاء أهمية الحفاظ على استقرار العاصمة، وتفعيل مخرجات اجتماع لجنة المتابعة الدولية في برلين، بما يعزز فرص الحل السياسي بقيادة ليبية وبإشراف أممي.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى المشهد الليبي معقدًا ومفتوحًا على كل الاحتمالات، وسط ترقب داخلي ودولي لما ستؤول إليه مبادرة تيتيه، وما إذا كانت قادرة بالفعل على كسر حلقة الجمود المستمرة منذ سنوات، والتمهيد لمرحلة انتقالية أخيرة تؤسس لدولة المؤسسات والقانون.
الى ذلك ذكرت المحكمة الجنائية الدولية أن السلطات الألمانية ألقت القبض على ليبي مشتبه به في جرائم حرب ترتبط بعمله مسؤولا كبيرا في سجن سيئ السمعة كان نزلاؤه يتعرضون للتعذيب دوريا وأحيانا للاعتداء الجنسي.وأعلنت السلطات الألمانية اعتقال خالد محمد علي الهيشري الأربعاء. وأكدت المحكمة الجنائية الدولية أنه سيبقى رهن الاحتجاز لدى السلطات الألمانية، ريثما تكتمل الإجراءات هناك.
ويتهم ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الهيشري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منها القتل والتعذيب والاغتصاب، في الفترة من فبراير/شباط 2015 إلى أوائل 2020 التي تردد أنه كان خلالها واحدا من أكبر المسؤولين في سجن معيتيقة.
ويشير الادعاء إلى أن سجن معيتيقة كان أكبر مركز احتجاز في غرب ليبيا، حيث احتُجز آلاف المعتقلين في زنازين ضيقة تفتقر إلى أدنى معايير النظافة وتعرضوا على نحو ممنهج للاستجواب باستخدام العنف وللتعذيب.
وأضاف الادعاء أن رجالا ونساء من نزلاء السجن تعرضوا أيضا للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب.
والفترة الحالية حرجة للمحكمة الجنائية الدولية، إذ يواجه مدعيها العام وأربعة من قضاتها عقوبات أميركية ردا على مذكرة اعتقال صدرت بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حرب غزة. كما أثارت مذكرة اعتقال نتنياهو انتقاد عدد من الدول الأوروبية الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومن بينهم ألمانيا.
وفي يناير/كانون الثاني، اعتقلت إيطاليا ليبيا آخر بناء على مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وهو أسامة المصري نجيم، قبل إطلاق سراحه ونقله إلى طرابلس. وعزت السلطات الإيطالية الإفراج عنه إلى خطأ إجرائي في اعتقاله. واتُهم نجيم بارتكاب جرائم ضد معتقلين في سجن معيتيقة.
وأثار إطلاق سراحه غضبا بين أحزاب المعارضة الإيطالية، وأدى إلى تحقيق قانوني مع رئيسة الوزراء جورجا ميلوني وعدد من مسؤولي الحكومة.
وتُجري المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات في جرائم خطيرة تردد أنها ارتُكبت في ليبيا منذ الحرب الأهلية هناك عام 2011.
ويُعد الهيشري من أبرز قيادات ما يُعرف بقوة «التدخل السريع»، بحسب تقرير فريق الخبراء الأممي لعام 2021، وأحد مساعدي قائد جهاز الشرطة القضائية في ليبيا أسامة انجيم، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية.
وجاءت عملية اعتقال الهيشري بعد أسابيع من إعلان النيابة العامة الليبية مباشرة الدعوى القضائية ضد أسامة انجيم نفسه، عقب رفع القيد الإجرائي عنه من قبل وزارة العدل، وخضع انجيم لأول جلسة تحقيق في 28 أبريل 2025، وأُبلغ بالتهم المنسوبة إليه، فيما أعلنت النيابة تأجيل الاستجواب لاستكمال التعاون مع المحكمة الدولية وجمع الأدلة المطلوبة.
وفي مايو/أيار الماضي، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إن ليبيا باتت تعترف باختصاص هيئته التي تحقّق في جرائم ضد الإنسانية يشتبه بأنها ارتُكبت على أراضيها منذ عام 2011.
وجاء في تصريح لخان “أرحب بشجاعة وريادة وقرار السلطات الليبية” بعد إرسالها إعلانا رسميا بهذا الصدد في ما يتّصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ 2011 وحتى نهاية 2027.
وليبيا غير موقّعة على نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، لكن مجلس الأمن الدولي أحال الوضع في ليبيا إلى المحكمة في فبراير/شباط 2011 بعد بدء احتجاجات غير مسبوقة ضد نظام معمر القذافي واجهتها السلطات بقمع عنيف.
ومكّنت هذه الإحالة المحكمة من أداء عملها، فيما شهد التعاون من جانب طرابلس تحسنا ملموسا.
كما التقى عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها خلال الآونة الأخيرة، عددا من السفراء الأوروبين لدى طرابلس، فيما أفادت مصادر مطلعة أن المباحثات تركزت على استيضاح الموقف الرسمي بشأن حكومته، وذلك قبل زيارة مقررة لوفد أوروبي إلى شرق ليبيا، بهدف التباحث مع حكومة أسامة حماد، المكلفة من قبل البرلمان، حول عدة قضايا يتصدرها ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية.
ويهدف الدبيبة من خلال هذه اللقاءات إلى تأكيد أحقية حكومته كجهة وحيدة معترف بها دوليا، متوجسا من اعتراف الغرب بحكومة الاستقرار الوطني في شرق ليبيا، في وقت تتزايد فيه الدعوات للحفاظ على قنوات الحوار مع جميع الأطراف الليبية، لا سيما في المنطقة الشرقية، بهدف التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية وشبكات الاتجار بالبشر.
وضمت قائمة الدبلوماسيين الذين التقاهم الدبيبة كلا من سفير الاتحاد الأوروبي نيكولاس أورلاندو وسفراء إيطاليا جيانلوكا ألبيريني واليونان نيكولاس غاريليديس، ومالطا شارل صليبا.
وتحاول حكومة الوحدة الوطنية تجنب أي غموض في موقف الاتحاد الأوروبي، وتعتبر أي شكل من أشكال التفاعل مع سلطات الشرق الليبي بمثابة شرعية بحكم الأمر الواقع، وهو ما ترفضه طرابلس.
ورغم الانتقادات التي تواجهها حكومة الدبيبة، إلا أنها تظل الشريك الرئيسي للغرب في قضايا حيوية مثل الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، بسبب سيطرتها على العاصمة والمؤسسات الرسمية.
وأعلنت حكومة حماد منذ نحو أسبوعين طرد وفد أووربي ضم مفوض الشؤون الداخلية والهجرة في الاتحاد الأوروبي ماغنوس برونر ووزير الهجرة واللجوء اليوناني ثانوس بليفريس ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي ووزير الداخلية المالطي بايرون كاميليري، بعد عقده مباحثات مع حكومة الدبيبة.
ويرى مراقبون أن سلطات الشرق الليبي تسعى إلى فرض مواقفها، ما يعزز فرصها لانتزاع اعترف دولي، فيما تشير تحليلات إلى أن عودة الوفد الأوروبي من أجل عقد مباحثات مع حكومة حماد قد تبعث برسالة تؤكد تأييد الغرب لها ولو بشكل ضمني.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي دعمه الشديد للحوار السياسي الليبي الشامل، ويسعى لإيجاد صيغة جديدة للتعامل مع الأزمة المعقدة في ظل الانقسام المستمر وتضارب المواقف الإقليمية والدولية.
ورغم أن بعض الدول الأوروبية قد تكون لها مصالح أو قنوات اتصال مع السلطات في شرق ليبيا، إلا أن الاعتراف الرسمي بحكومة مدعومة بشكل كبير من قوات المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي قد يثير حساسيات دولية ومخاوف بشأن التدخل العسكري وتقويض الحلول السياسية.
وأظهرت حكومة حماد مؤخرًا توجهًا نحو تنويع شركائها الدوليين خارج الدول الغربية التقليدية، مثل تعزيز التعاون مع بيلاروسيا وموسكو، ما من شأنه أن يزيد من تردد الدول الغربية في الاعتراف بها.
وهناك خلافات سياسية مستمرة حول شرعية هذه الحكومة نفسها حتى داخل معسكر الشرق، مع وجود دعوات لتشكيل حكومة جديدة موحدة.
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق سياسي ليبي – ليبي واسع النطاق يشمل جميع الأطراف الرئيسية ويؤدي إلى تشكيل حكومة موحدة جديدة تحظى بدعم جميع الأطراف، يرجح أن يكون أسامة حماد جزءًا منها، لكن ليس كرئيس لحكومة منفصلة في الشرق.